نجاة رئيس حكومة ليبيا الجديد من محاولة اغتيال بعد ساعات من أداء اليمين

حفتر يحدد ثلاثة أشهر لـ«عملية الكرامة».. وواشنطن تؤكد للثني حرصها على أمن بلاده

رئيس البرلمان الليبي نوري أبو سهمين ورئيس الوزراء أحمد معيتيق يتوسطان الحكومة الجديدة عقب أداء القسم في وقت متأخر من مساء أول من أمس (رويترز)
TT

تعقد أمس المشهد السياسي في ليبيا، بعدما نجا رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق من محاولة اغتيال إثر هجوم مفاجئ شنه مسلحون مجهولون على منزله في العاصمة الليبية طرابلس، فيما قال اللواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي، إن «عملية الكرامة» التي أعلن عنها لتطهير البلاد من المتطرفين «ستستغرق ثلاثة أشهر على الأقل».

ولقي شخص مصرعه وأصيب اثنان آخران، في اشتباك مسلح وقع فجر أمس بمحيط منزل معيتيق بمنطقة قرجي في طرابلس، حيث قالت مصادر أمنية إن أفراد حراسة منزل معيتيق تبادلوا إطلاق النار مع المسلحين الذين حاولوا الهجوم على المنزل من خلال إطلاق الرصاص والقذائف، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين من المسلحين. وتضاربت الروايات حول ملابسات ما حدث، وفي حين قال مسؤول أمني ومصادر في المكتب الصحافي لمعيتيق إن المسلحين ألقوا قنابل على منزله، قالت مصادر أمنية أخرى: «جاءت سيارتان وأطلقتا قذائف آر بي جي على منزله».

واستنكرت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني الحادث، وقالت إن مثل هذه الأعمال الإجرامية المخالفة للقانون لا تليق بثورة «17 فبراير (شباط)». وتابعت الحكومة في بيان لها أمس أنها تدعو كل الأطراف إلى تجنب اللجوء إلى هذه الوسائل لأي سبب كان، وحثت الجميع على الجلوس إلى طاولة الحوار وتجنب اللجوء للغة السلاح لحل الأزمات السياسية، والاحتكام إلى القانون والقضاء. كما أعلنت الحكومة أنها اتخذت إجراءات من خلال وزارة الداخلية، التي باشرت أجهزتها المختصة التحقيق في ملابسات الحادث وكشف مرتكبيه.

وجاء الهجوم على منزل معيتيق، بعد ساعات فقط من أداء أعضاء حكومته الجديدة اليمين القانونية مساء أول من أمس أمام نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، الذي كان قد منح الثقة للحكومة بأغلبية 83 صوتا من أصل 93 عضوا حضروا الجلسة شبه السرية والمثيرة للجدل التي عقدت مؤخرا بطرابلس وسط إجراءات أمنية مشددة. وهو التصويت الذي وصفه بعض المسؤولين ونواب معارضون وفصائل مناهضة للإسلاميين بأنه غير شرعي.

وفي تحد صريح للبرلمان الليبي ولحكومة معيتيق الجديدة، أكد عز الدين العوامي نائب رئيس البرلمان، في رسالتين علنيتين وجههما أمس إلى الثني، أن صفة «القائد الأعلى للجيش في ليبيا» يحملها المؤتمر، وليس شخص رئيسه أبو سهمين أو نائبيه، كما حمله مسؤولية تنفيذ أي تعليمات أو تكليفات قد تصدر وتؤدي إلى مشكلات أمنية قد لا تحمد عقباها، أو صرف أي أموال في غير بنود صرفها.

وتضمنت إحدى رسائل العوامي نص التقرير الصادر عن رئيس إدارة القانون بوزارة العدل الليبية، الذي يؤكد فيه على عدم شرعية انتخاب معيتيق رئيسا للحكومة. وطلب العوامي من الثني «الاستمرار في ممارسة عمله كرئيس لحكومة تسيير الأعمال لحين صدور قرار من المؤتمر الوطني أو مجلس النواب القادم بتعيين رئيس وزراء جديد بطريقة تحترم ما ورد في الإعلان الدستوري وقرارات المؤتمر الوطني في الخصوص والأعراف البرلمانية السائدة».

في غضون ذلك، قال إبراهيم الجضران، زعيم المسلحين الذين يسيطرون على موانئ نفط في شرق ليبيا، إنه لا يعترف بحكومة معيتيق. وأشار إلى أن اتفاقا يهدف لإنهاء حصار الموانئ قد يكون مهددا. وعد الجضران، الذي يتولى منصب رئيس المكتب السياسي لما يسمى «إقليم برقة»، في بيان بثته قناة تلفزيونية تديرها الحركة التي يتزعمها، أن أي اتفاق ربما يكون مهددا في ظل تولي معيتيق للمنصب. وكان الجضران، الذي يريد مزيدا من الحكم الذاتي للمنطقة الشرقية في إطار نظام اتحادي، قد اتفق مع سلف معيتيق على فتح الموانئ التي يسيطر عليها رجاله تدريجيا والمساعدة في استئناف الصادرات النفطية.

من جهته، رفض اللواء السابق خليفة حفتر حكومة معيتيق، وطالب المؤتمر الوطني بتسليم السلطة في إطار حملته لملاحقة المتشددين الإسلاميين الذين يقول إن الحكومة فشلت في السيطرة عليهم. ورأى حفتر أن معيتيق لن يستطيع إعادة الاستقرار إلى البلاد، ودعا إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

ومع ذلك لم يستبعد حفتر في حديث أجراه بالهاتف مع وكالة «رويترز» من مكان غير معلوم في شرق ليبيا، الحوار مع معيتيق، لكنه قال إنه ليست له شرعية ولا يستطيع القيام بهذه المهمة. وتابع أنه «مستعد للحوار مع من يستطيع الدفاع عن البلاد، بصرف النظر عمن يكون.. هو (ميعتيق) رجل أعمال وليس رجل حرب». وشكك حفتر في شرعية انتخاب معيتيق قائلا: «هو لا يمثل الشعب لأن المؤتمر الوطني الذي اختاره ليس له شرعية».

كما رفض حفتر فكرة إجراء الانتخابات وفقا للموعد الذي حدده البرلمان الليبي ولجنة الانتخابات، وقال إن «الانتخابات يجب أن تكون في الوقت المناسب»، وأضاف أن الوقت غير مناسب بينما يكافح هو وقواته الإرهاب. وأضاف أن حملته ستستمر ثلاثة أشهر على الأقل، لكنه أحجم عن الحديث عن حجم القوات أو المناطق التي يسيطر عليها، مكتفيا بالتأكيد على أنه يجري إحراز تقدم.

ونفى حفتر وجود أي طموحات سياسية لديه لقيادة ليبيا ذات يوم، وقال «أنا أريد أن أنتهي من الإرهاب. وأريد للمواطن أن يستطيع العيش بسلام».

لكن مدينة مصراتة شهدت مساء أول من أمس مظاهرات رافضة لـ«عملية الكرامة» التي يقودها حفتر، حيث تجمع المئات في وسط المدينة للتنديد بحفتر ورددوا الهتافات المناوئة له.

وطبقا لما بثته وكالة الأنباء المحلية، فقد شجب المتظاهرون في بيان لهم ما وصفوه بالمحاولات الانقلابية على الثورة والعودة إلى ديكتاتورية العسكر، في إشارة إلى حفتر و«عملية الكرامة»، وأكدوا دعمهم لعملية التداول السلمي للسلطة عبر مؤسسات منتخبة من الشعب.

وترفض طرابلس حفتر بوصفه «مدبر انقلاب»، وهو أحدث الشخصيات التي تواجه الحكومة المركزية التي لا تستطيع السيطرة على الميليشيات والإسلاميين المتشددين ورجال القبائل المسلحين، الذين ساعدوا في الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011؛ لكنهم يتحدون الآن سلطة الدولة. وأعلنت عدة وحدات بالجيش وضباط كبار الولاء لحملة حفتر على جماعة «أنصار الشريعة» وغيرها من الجماعات الإسلامية، وإن كان حجم التأييد الذي يتمتع به غير واضح.

من جهة أخرى، أكد مسؤول أميركي استعداد بلاده والتزامها بدعم ليبيا، «خاصة في هذه المرحلة الصعبة والحساسة»، مؤكدا حرص الولايات المتحدة على أمن وسلامة ووحدة ليبيا. وقال بيان لحكومة الثني إن ليم روباك، القائم بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا، أدلى بهذه التصريحات خلال لقائه أمس مع الثني، مشيرا إلى أن الطرفين ناقشا العلاقات الثنائية والتعاون في مجال التدريب وبناء مؤسسات الدولة، خاصة الأمنية منها، بالإضافة إلى الأوضاع الراهنة والمستجدات الأخيرة على الساحة المحلية، خاصة الجدل السياسي والقانوني الذي يكتنف تشكيل الحكومة الجديدة وتأثيره على مسار العملية الديمقراطية على البلاد.

وتخشى القوى الغربية والدول المجاورة لليبيا من أن تؤدي حملة حفتر إلى انقسام داخل الجيش حديث العهد والميليشيات المتحالفة معه لتنزلق البلاد إلى فوضى شاملة.