«نسبة الإقبال الضعيف».. لغز الانتخابات الرئاسية في مصر

مراقبون وسياسيون رأوا أن الصيام والثقة وارتفاع درجة الحرارة أبرز الأسباب

عنصران من الشرطة المصرية ينقلان صناديق الاقتراع اثر اغلاق مركز للانتخابات في القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

رغم أن عدد المصوتين من المصريين في الانتخابات الرئاسية خلال يومي الاقتراع تخطى حاجز السبعة أرقام؛ فإن النسبة العامة للتصويت لم تتخط حاجز «الرضا» العام، سواء من السياسيين أو المرشحين أو رجال الدولة، نظرا لارتفاع «سقف التوقعات» التي سبقت العملية الانتخابية إلى التطلع إلى أرقام غير مسبوقة بين الناخبين.

وأثار عزوف قطاع من المصريين عن الإدلاء بأصواتهم حالة من الجدل في الأوساط السياسية والشعبية، وبينما أرجع مراقبون أن «صيام شهر رجب ودرجة الحرارة التي تخطت حاجز 41 درجة مئوية، هما السبب في عزوف الناخبين»، قال سياسيون إن «الإعلام أوحى للناس أن المعركة محسومة مما أدى إلى عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات.. فضلا عن منع الوافدين من التصويت».

ويعكس ذلك - بحسب مراقبين - مشهدا مغايرا تماما لما كانت عليه الصورة لمشاركة المصريين في الخارج التي جرت قبل أسبوع، حين تزاحم المصريون أمام المقار الانتخابية، للتصويت في ثاني استحقاق لخارطة المستقبل التي وضعها الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ورغم الإجراءات الحكومية بمنح جميع العاملين إجازة رسمية أمس وتمديد مدة التصويت ساعة حتى العاشرة من مساء أمس، فإن التوقعات باستمرار تراجع النسبة العامة النهائية للتصويت (التي تخطت ملايين الأصوات) عن معدلات سابقة، ظلت مسيطرة على سير العملية الانتخابية.

وشهدت اللجان في جميع المحافظات المصرية إقبالا ضعيفا، وغاب مشهد اصطفاف الناخبين في طوابير طويلة أمام اللجان الانتخابية التي اتخذت من المدارس مقارَ لها. لكن المستشار عبد المجيد العوامي، المتحدث باسم غرفة عمليات نادي قضاة مجلس الدولة، قال إن «اليوم الثاني والأخير من الانتخابات الرئاسية، شهد إقبالا كبيرا من الناخبين على اللجان للإدلاء بأصواتهم». وأوضح المستشار العوامي أن «هناك تراجعا في الإقبال في بعض اللجان وقت الذروة بسبب ارتفاع درجة الحرارة، متوقعا زيادتها بعد منتصف النهار».

«الشرق الأوسط» تجولت في عدد من اللجان الانتخابية بوسط القاهرة، ففي منطقة الشرابية القريبة من وسط القاهرة، خلت لجنة مدرسة الظاهر الثانوية من الناخبين. ويقول أحمد سيد، مشرف إحدى اللجان، إن «درجة الحرارة السبب في عزوف المصريين عن الحضور أمس»، لافتا إلى أنه كان يتوقع حضوا أكثر من ذلك؛ لكن لا يعرف سبب قلة حضور المصريين للتصويت. وتابع سيد (40 سنة) أن «هناك أكثر من سبب، من أبرزها ثقة الناخبين أن المشير السيسي ناجح، وأغلب المصريين صائمون». ويقول سيد، الذي ابتسم عندما شاهد مواطنا دخل ليدلي بصوته: «الفرج جه.. ربنا يسهل».

وأمام مدرسة القديس جرجس بالشرابية، ظهرت الطوابير أمس أقل طولا مما شهدته نفس المدرسة أول من أمس في طوابير السيدات، اللاتي خرجن مبكرا للإدلاء بأصواتهن». وتقول فاطمة أحمد، التي مرت من أمام المدرسة: «صوتي لن يفرق، والنتيجة محسومة سلفا لصالح أحد المرشحين». لكن مصادر حكومية أكدت في المقابل أن «نتيجة الانتخابات لم تحسم.. وأنه على المصريين النزول للمشاركة». أما نور عبد الحميد، وهو موظف، فاستغل الإجازة الرسمية أمس وقرر ألا يخرج من المنزل، قائلا: «إحنا ننتظر أي يوم إجازة بفارغ الصبر.. الحكومة أخطأت أمس بمنح العاملين إجازة لأنهم تكاسلوا عن النزول لشدة درجة الحرارة».

وقرر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء في مصر، أن يكون يوم أمس إجازة رسمية لتمكين المواطنين من الإدلاء بأصواتهم في اليوم الثاني للانتخابات الرئاسية. وقال محلب في تصريحات للتلفزيون المصري مساء أول من أمس، إنه «قرر ذلك بناء على رغبات أبناء الشعب المصري ونزولا على الإرادة الشعبية التي طالبته بذلك».

ولم تشفع الأغاني الوطنية التي شهدتها الشوارع أمس، ولا رقصات الشباب والبنات، في حث المصريين «المتراخين» على الخروج. ويقول إبراهيم أحمد، من داخل سيارته بمنطقة حدائق القبة (شرق القاهرة): «منذ الصباح وأنا أسير في الشوارع أذيع أغنية (بشرة خير)، لأنني سمعت أن الإقبال ضعيف»، مضيفا: «درجة الحرارة أمس كانت صعبة جدا، وكان من المفترض مد ساعات الاقتراع حتى منتصف الليل، نظرا لأن الناس قد تخرج في الثامنة بعد المغرب». وحمل أحمد (30 عاما) الحكومة مسؤولية الإحجام عن التصويت، قائلا: «التوقيت الصيفي الذي أعادته الحكومة أربك اليوم، وأصبحت الشمس تغيب في السابعة.. بمعني بسيط، أن أي ناخب سوف يذهب للانتخابات يكون بعد الثامنة، واللجان تغلق أبوابها في التاسعة.. لذا الجميع يتكاسل عن الذهاب للتصويت». وتابع بضحكة عالية أن «غالبية الناس تعرف أن النتيجة محسومة، وأن ذهابهم تحصيل حاصل. وأجهزة الإعلام السبب في ذلك».

وقال سياسيون إن «نسبة المشاركة ضعيفة، نتيجة إحجام بعض الناخبين عن الذهاب للانتخابات لاعتقادهم بأن مرشحا بعينه سوف ينجح، ومن ثم يعزفون عن التصويت في إطار الكسل أو السلبية». وقال الكاتب الصحافي مصطفى بكري، عضو البرلمان السابق، إن «نسبة مشاركة المصريين في الانتخابات الرئاسية لا ترقى إلى المستوى المطلوب حتى الآن»، موضحا أن إحساس البعض بأن الانتخابات محسومة، بالإضافة إلى ارتباك اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في إيجاد حل فعال لأصوات الوافدين، كانت أهم أسباب ضعف الإقبال بالأمس.

وطالب بكري اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة بأن تراجع موقفها، وتقوم بمد فترة التصويت ليوم ثالث، وأن تتيح الفرصة للوافدين بأن يصوتوا في هذا اليوم، من خلال إعطائهم المزيد من التسهيلات، قائلا: «من غير المنطقي أن يجري إعطاء الحق للوافدين للتصويت في الاستفتاء، ثم يُسلب منهم هذا الحق في الانتخابات الرئاسية».

في مقابل ذلك، استغل عدد آخر من المصريين إجازة الحكومة أمس، وخرجوا للتصويت في الانتخابات. ويقول محمد توفيق، الذي انتظر خروج زوجته من اللجنة: «التصويت مر في هدوء دون أن يعكر صفوه أي شيء.. أردنا توجيه صورة للعالم كله بأن مصر تنتخب رئيسها بحرية وشفافية». لكن توفيق (45 عاما) قال إن «العديد من مقار الاقتراع جرى تغييرها لأماكن أخرى بعيدة عن التي جرى التصويت فيها خلال الاستفتاء على الدستور مطلع العام الحالي، وأصبح أمام المواطن تكبد البحث والمشي كيلومترات كثيرة ليدلي بصوته»، لافتا إلى أن سبب الإحجام عن التصويت في انتخابات الرئاسة بعد المقار عن المنازل، مؤكدا أنه جاء من منطقة بعيدة ليدلي بصوته لحبه لـ«السيسي»؛ لكنه قال: «غيري لن يأتي لأسباب تتعلق بدرجة الحرارة، وأيضا مشقة المواصلات».