بسطاء المصريين صوتوا لصالح «استقرار الدولة»

رهانهم على من ينتشلهم من «خطر الفقر»

مصري يطالع صحيفة محلية أمام إحدى اللجان أمس في انتخابات يبحث فيها أغلب المواطنين عن الاستقرار (أ.ب)
TT

أمام لجنته الانتخابية بحي إمبابة (شمال الجيزة)، وقف الحاج محمود (55 عاما) أمس منتظرا دوره للإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية، التي جرت على مدار اليومين الماضيين، حاملا معه وجبة إفطاره من الفول والطعمية الساخنة، حيث يعود بها لمقر عمله القريب من اللجنة. يقول الحاج محمود، أو «أبو صالح» كما يحب أن يكنى: «قررت أن أراهن اليوم على المشير عبد الفتاح السيسي. ليس كرها في حمدين صباحي، فأنا انتخبته في الجولة الأولى للانتخابات السابقة عام 2012، ثم انتخبت الرئيس السابق محمد مرسي الإخواني في جولة الإعادة ضد أحمد شفيق. هي فقط آمال أضعها على شخص وأنتظر تحققها».

ويعد حي إمبابة أحد الأحياء الفقيرة بمحافظة الجيزة، حيث تنتشر فيه المنازل العشوائية ويعاني من ضعف كبير في الخدمات الأساسية وإهمال حكومي على مدار الحقب الزمنية المتتالية. ووفقا لأرقام اللجنة العليا للانتخابات فهناك أكثر من نصف مليون ناخب (509526) بالحي لهم حق التصويت.

وتشير خريطة الفقر، التي أطلقتها الحكومة مطلع العام الحالي، إلى أن هناك أكثر من 108 قرى تصل نسبة الفقراء بها إلى 75 في المائة من سكانها أو أكثر، ومن بين تلك القرى 23 قرية في محافظة الجيزة.

ويوضح أبو صالح، والذي يعمل نجارا في محل خاص صغير جدا: «رغم أنني انتخبت أشخاصا مختلفين سياسيا على مدار السنوات السابقة، فإنني في كل مرة كنت أبحث عن هدف واحد فقط هو استقرار البلد وأكل العيش. اليوم أثق في السيسي لأنني أرى فيه شخصا قويا قادرا على التعامل مع مؤسسات الدولة. تعبنا من المظاهرات وقرف السياسة».

ومنذ ثلاث سنوات أعقبت اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، والتي أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك، والمصريون يبحثون عن تحقيق هدفين رئيسين، هما الاستقرار السياسي والأمني مع تنمية اقتصادية، حتى أصبحت الدعاية الرئيسة لكل المرشحين في الانتخابات والاستفتاءات على مدار السنين السابقة هي «صوتك للاستقرار».

ونجح رفع شعار الاستقرار في تمرير تعديلات دستورية عام 2011، التي انتقدتها معظم القوى السياسية فيما بعد، كما مرر نفس الشعار دستور عام 2012، والذي أطلق عليه دستور الإخوان، قبل أن يُسقط خلال احتجاجات 30 يونيو (حزيران) 2013، ثم عاد نفس الهدف ليدفع المصريين للتصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية عام 2014 بنسبة تفوق الـ95 في المائة.

ويرى ياسر محمد، وهو شاب ثلاثيني لا يزال يبحث عن وظيفة أنه «في كل مرة كان صوت المصريين لصالح الاستقرار، لكن يبدو أنه أصبح حلما بعيد المنال مستمرون في البحث عنه. أنا شخصيا لا يهمني الانتماءات السياسية لهذا المرشح أو ذاك، ولا يعنيني إن كان الرئيس الجديد بخلفية عسكرية أو مدنية، المهم لي أن يستقر حال البلد وتنتهي حالة الجدل السياسي الذي نعيشه». وبينما رفض محمد أن يسمي مرشحه الذي صوت له، قال وهو يشير إلى لون إصبعه الفسفوري تأكيدا على مشاركته في الانتخابات: «صوت لمن أرى أنه يستطيع توفير فرصة عمل لي، وأن يُسيّر عجلة الإنتاج المتوقفة».

أما يسرية أحمد، وهي أرملة أمية، فاصطحبت ابنتها أمس إلى اللجنة لكي تُؤشر لها في بطاقة الانتخاب من أجل التصويت للسيسي. وترى يسرية أن همها الأول هو «أن تعود مصر لسابق عهدها من الأمن والأمان، وأن تكف المظاهرات في البلد، وأن يذهب أولادها إلى المدارس والجامعات التي توقفت معظم أيام العام الماضي بسبب أعمال العنف والتوترات السياسية». وتضيف: «نريد من الرئيس المقبل أن يحل لنا أزمات المياه والكهرباء وأن ينظر إلى المواطنين الغلابة ومعاش المسنين». وتعاني مصر بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعقبت ثورة 25 يناير من أزمات عدة، أبرزها النقص في الوقود، والانقطاع المستمر للكهرباء والمياه عن المنازل في أنحاء مختلفة من البلاد. ويعيش في مصر نحو 26.3 في المائة من المواطنين تحت خط الفقر المدقع (أقل من سبعة جنيهات يوميا - دولار واحد - للفرد)، و4.4 في المائة تحت خط الفقر (نحو 11 جنيها يوميا للفرد)، و21.8 في المائة من السكان على حافة الفقر، وفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وقررت الحكومة، في مشروع الموازنة الذي طرحته أول من أمس، خفض دعم الطاقة، الذي يلتهم نحو 20 في المائة من الموازنة العامة، سعيا لعلاج أزمتها الاقتصادية الراهنة، وقالت الحكومة إن إجراءات تحريك الأسعار (رفعها) تأتي مع ضمان ألا يتأثر محدودو الدخل أو الفقراء.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بين عدد من اللجان الانتخابية لاستطلاع آراء الناخبين، بدا أن غالبية أبناء حي إمبابة، الذي عُرف سابقا وعلى سبيل التندر بـ«جمهورية إمبابة الإسلامية» بسبب انتشار الجماعات الإسلامية المتشددة هناك خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي، قرروا انتخاب قائد الجيش السابق رئيسا للبلاد، باعتباره الشخصية الأصلح لفرض هيبة الدولة ومنحها الاستقرار.. في مقابل صعوبة تعامل المرشح المنافس صباحي مع أجهزة الدولة؛ من وجهة نظرهم.

وفي برنامجه الانتخابي طرح السيسي رؤية شاملة تتضمن إعادة تقسيم المحافظات، ومنح عمق لكل محافظة، لزيادة مساحتها لتوفير فرص عمل، واستصلاح أربعة ملايين فدان، وإنشاء 22 مدينة صناعية جديدة، و26 مدينة ومركزا سياحيا، وثمانية مطارات، وإنشاء بنية تحتية وتوفير الخدمات الأساسية لتشجيع المستثمرين والتركيز على ملف الطاقة.

لكن المواطن محمود الملاح، له وجهة نظر مغايرة، مؤكدا أنه انتخب صباحي ووصفه بأنه «نصير الفقراء وذو نضال سياسي مشرف». وأضاف الملاح، الذي يعمل معلما: «أنا في الأصل قادم من الريف، وأرى في برنامج صباحي حديثا أكثر عن دعم الفقراء وزيادة الرقعة الزراعية والاهتمام بالعمالة. لا أريد رئيسا ينظر فقط ويوجه حديثه إلى النخبة ويخشى من الاختلاط بالمواطنين وهمومهم».

ويقدم برنامج صباحي حلا يتمثل في إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام، والموازنة العامة بشكل كامل، وتوفير 166 مليار جنيه في غضون ثلاث سنوات، من خلال إجراءات كرفع دعم المشتقات البترولية والكهرباء الموجه للشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

ويعلق الملاح عن اختيارات المواطنين وضعف فرص صباحي في الفوز بالمنصب، قائلا: «لا يجب أن يغتر أي مرشح بشعبيته. فنفس هؤلاء المواطنين انتخبوا الإخوان من قبل وتبين خطؤهم فيما بعد؛ فأسقطوهم. هؤلاء البسطاء يبحثون فقط عن قوت عيشهم ومن ينتشلهم من الفقر، وعندما سيتبين لهم وهم الوعود التي سمعوها سينقلبون على أي شخص».