أوباما يعلن إنشاء صندوق بخمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب

واشنطن تعتزم تقديم مزيد من الدعم للمعارضة السورية لمواجهة «الديكتاتور والمتطرفين».. والائتلاف يرحب

الرئيس الأميركي خلال إلقاء خطابه أمام خريجي «ويست بوينت» في نيويورك أمس (إ.ب.أ)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس زيادة الدعم الأميركي للمعارضة السورية، والتنسيق مع الحلفاء للضغط للتوصل إلى حل سياسي للأزمة التي دخلت عامها الرابع بالإضافة إلى مواجهة الإرهابيين عند الحدود. وركز أوباما في خطاب أمس وصفه البيت الأبيض بأنه خطاب لتوضيح السياسة الخارجية الأميركية للمرحلة المقبلة على مواجهة التطرف، حيث أعلن عن تخصيص مبلغ خمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب في اليمن والصومال ومالي وليبيا. وكرر أوباما موقفه بأنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية بشكل منفرد إذا تعلق الأمر بتهديدات مباشرة للأمن القومي الأميركي.

وقال الرئيس أوباما في خطاب أمام حفل تخرج دفعة 2014 من الأكاديمية الأميركية في وست بوينت بنيويورك صباح أمس: «مستمرون في جهودنا لمواجهة الأزمة المستمرة في سوريا، وهي أزمة محبطة، ولا توجد لها إجابات سهلة، ولا يوجد حل عسكري للأزمة السورية يمكننا من القضاء على هذه المعاناة الرهيبة في أي وقت قريب». ودافع أوباما عن قراره عدم توجيه ضربات عسكرية في سوريا، قائلا: «لقد اتخذت قرارا أننا لا ينبغي وضع القوات الأميركية في وسط هذه الحرب الأهلية الطائفية وأعتقد أن هذا هو القرار الصحيح لكن هذا لا يعني أننا لا يجب أن نساعد الشعب السوري للوقوف ضد ديكتاتور قاتل يجوع شعبه، ومساعدة أولئك الذين يناضلون من أجل حق جميع السوريين في اختيار مستقبلهم.. وعلينا أيضا الوقوف ضد تزايد أعداد المتطرفين الذين يجدون ملاذا آمنا في حالة الفوضى».

وأشار أوباما إلى نية إدارته زيادة الدعم للمعارضة السورية دون أن يوضح نوعية الدعم الذي تنوي الإدارة الأميركية تقديمه وزيادة الموارد لمساعدة دول الجوار السوري. وقال: «أعلن اليوم توفير موارد إضافية، وتكثيف الجهود لدعم جيران سوريا مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق التي تستضيف اللاجئين ومواجهة الإرهابيين الذين يعملون عبر الحدود السورية، وسأعمل مع الكونغرس لزيادة الدعم للمعارضة السورية الذين يعدون أفضل بديل للإرهابيين والديكتاتور الوحشي»، في إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد.

وأكد الرئيس الأميركي على استمرار بلاده في التنسيق مع الأصدقاء والحلفاء في أوروبا والعالم العربي للضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، مشددا على ضرورة أن تساهم تلك الدول في دعم الشعب السوري وليس فقط الولايات المتحدة.

وأعلن الرئيس الأميركي التقدم لطلب للكونغرس لإنشاء صندوق لمكافحة الإرهاب بمبلغ خمسة مليارات دولار لتدريب وبناء القدرات والتعاون مع الدول التي تحارب الإرهاب. وقال: «طلبت من فريقي للأمن القومي وضع خطة لشبكة من الشراكة الجديدة مع دول جنوب آسيا وكجزء من هذا الجهد سأدعو الكونغرس لدعم إنشاء صندوق الشراكة لمكافحة الإرهاب بمبلغ خمسة مليارات دولار». وأضاف: «هذه الموارد تعطينا مرونة للقيام بمهام تدريب قوات الأمن في اليمن ضد تنظيم القاعدة، ودعم القوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام في الصومال والعمل مع الحلفاء الأوروبيين لتدريب قوات الأمن ودوريات الحدود في ليبيا وتسهيل العمليات التي تقوم بها فرنسا في مالي».

ومن جهته، رحب الائتلاف السوري المعارض بإعلان الرئيس الأميركي زيادة الدعم المقدم من الولايات المتحدة للمعارضة السورية واعتبار المعارضة السورية البديل الأفضل للإرهابيين ونظام الأسد. وقال نجيب الغضبان الممثل الخاص للائتلاف السوري بالولايات المتحدة: «إن المعارضة السورية تقدر الدعم الأميركي للشعب السوري في نضاله ضد نظام الأسد وهذا الدعم يسلط الضوء على الشراكة بين الولايات المتحدة والسوريين لإنهاء الكارثة الإنسانية ووضع سوريا على طريق التحول الديمقراطي الحقيقي». وأكد الغضبان أن الصراع في سوريا له تأثير على المصالح الأميركية، قائلا: «تهديد المتطرفين يتزايد في سوريا مع استمرار قيام نظام الأسد بجعل سوريا نقطة جذب للإرهاب»، مشيرا إلى تقارب مصالح الولايات المتحدة مع جهود الجيش السوري الحر لمحاربة تنظيم القاعدة والإرهابيين المدعومين من إيران ودعم تطلعات الشعب السوري من أجل الحرية. وأكد الغضبان أن الشعب السوري وقوى المعارضة ملتزمة بالعمل لتوسيع التعاون الاستراتيجي في مجال مكافحة الإرهاب الذي يدعمه نظام الأسد في سوريا.

وقال الناطق باسم البيت الأبيض جاري كارني للصحافيين قبل إلقاء أوباما للخطاب أمس: «نحن ننظر للصراع في سوريا كجزء من التحدي الأوسع نطاقا لمكافحة الإرهاب وهذا هو السبب أننا ذاهبون إلى الاستمرار في زيادة دعمنا للمعارضة المعتدلة الذين يمثلون أفضل بديل لكل من نظام الأسد الديكتاتوري والمتطرفين الذين استغلوا الأزمة». لكنه رفض تقديم مزيد من المعلومات حول طبيعة الدعم الذي ستقدمه الإدارة للمعارضة.

وتأتي تلك الخطوة الأميركية وسط تكهنات عالية بتقديم تدريب عسكري ومعدات عسكرية للمعارضة السورية، بعد قيام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ بالتصويت الأسبوع الماضي لصالح مشروع قانون يأذن لوزارة الدفاع الأميركية بتقديم التدريب والمعدات العسكرية للجيش السوري الحر المعتدل، وجاء التصويت بنتيجة 15 مقابل اعتراض ثلاثة أعضاء.

وأشار مسؤول رفيع المستوي بالإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» «أن أوباما يدرس إرسال عدد من القوات الأميركية إلى الأردن في مهمة لتدريب بعض الفصائل المعتدلة في الجيش السوري الحر إضافة إلى التنسيق مع الشركاء الإقليميين الذين يدعمون المعارضة». وأوضح أن فريق الأمن القومي الأميركي وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات الأميركية ناقشوا مزايا ومخاطر الاستجابة لطلب أحمد الجربا رئيس الائتلاف السوري المعارض الحصول على أسلحة ودعم عسكري لمحاربة قوات الأسد، إضافة إلى مكافحة ومحاربة المتطرفين. وأوضح أن المخاوف تزايدت لدى الإدارة الأميركية من التهديدات التي يشكلها تزايد نفوذ جماعات متطرفة في سوريا على صلة بتنظيم القاعدة.

وركز أوباما في خطابه على أربعة مبادئ تحدد مرتكزات قيادة الولايات المتحدة للعالم، وهي اتجاه الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية بشكل منفرد - إذا لزم الأمر - عندما يتعلق الأمر بتهديد المصالح الأميركية أو الشعب الأميركي أو عندما يصبح أمن الحلفاء في خطر. وصرح بأن «الولايات المتحدة لن تطلب إذنا لتقوم بحماية أراضيها أو مصالحها».

وأشار الرئيس الأميركي إلى أن العنصر الثاني عند التعامل مع القضايا ذات الاهتمام العالمي التي لا تشكل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة وهو حشد الحلفاء والشركاء لاتخاذ إجراءات جماعية وتوسيع الأدوات الدبلوماسية والعقوبات والعزلة، وربما القيام بعمل عسكري متعدد الأطراف. وقال: «علينا أن نفعل ذلك لأن العمل الجماعي سيكون أكثر احتمالا للنجاح وأقل احتمالا أن يؤدي لأخطاء مكلفة». وشدد أوباما على أن انعزال أميركا عما يحدث في العالم من صراعات ليس خيارا، وأن لدى الولايات المتحدة مصلحة في السعي لتحقيق السلام والحرية فيما وراء الحدود مؤكدا أن ذلك لا يعني أن كل مشكلة لها حل عسكري.

وأشار أوباما إلى فرصة حل الخلافات مع إيران بالطرق السلمية عن طريق الدبلوماسية، قائلا: «في بداية رئاستي قمنا ببناء ائتلاف وفرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني وفي الوقت نفسه مددنا يد الدبلوماسية إلى الحكومة الإيرانية والآن لدينا فرصة لحل الخلافات بالطرق السلمية واحتمالات النجاح لا تزال كبيرة». وأضاف: «نحن نحتفظ بجميع الخيارات لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي لكن للمرة الأولي منذ عشر سنوات لدينا فرصة حقيقية لتحقيق اتفاق أكثر فاعلية ودوام مما ما كان يمكن تحقيقه باستخدام القوة وخلال تلك المفاوضات أوضحنا استعدادنا للعمل من خلال القنوات متعددة الأطراف التي أبقت العالم في جانبنا».

وعد أوباما أن التهديد الأكثر مباشرة على الولايات المتحدة في الداخل والخارج هو الإرهاب مشيرا إلى أن التهديد الرئيسي لم يعد من القاعدة المركزية لتنظيم القاعدة وإنما من الجماعات اللامركزية التابعة للتنظيم والجماعات المتطرفة وأوضح أن العنصر الثالث في محددات الزعامة الأميركي هو التنسيق والشراكة مع الدول الصديقة والحليفة. وأوضح أن العنصر الرابع في القيادة الأميركية هو الاستعداد للعمل للدفاع عن الكرامة الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان وعدها مسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي. وقال: «الدول الديمقراطية هي أقرب أصدقائنا وأقل احتمالا للذهاب للحرب والاقتصاديات الحرة تحقق أفضل أداء وتكون أسواقا لبضائعنا واحترام حقوق الإنسان هو الدواء لحالة عدم الاستقرار لأن الظلم هو ما يغذي العنف والإرهاب».

وأشار أوباما أن القرن الجديد جلب نهاية للاستبداد مع حركات الغضب من القرى النائية والميادين والاضطرابات العنيفة في بعض أجزاء العالم العربي. وقال: «بسبب جهود الولايات المتحدة من خلال الدبلوماسية والمساعدات وتضحيات جيشنا فإن الناس يعيشون اليوم في ظل حكومات منتخبة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية». وأضاف: «الاضطراب في العالم العربي يعكس رفض الاستبداد الذي لم يحقق الاستقرار ويخلق احتمال حكم أكثر استجابة وفعالية على المدى الطويل».

وأشار الرئيس أوباما إلى مصر بجملتين مقتضبتين، معترفا بأهمية العلاقة المرتكزة على المصالح الأمنية ومعاهدة السلام مع إسرائيل والجهود المشتركة ضد التطرف المسلح. وقال: «لم نوقف التعاون مع الحكومة الجديدة، وسنمضي باستمرار لتحقيق الإصلاحات التي طالب بها الشعب المصري».

وأشار أوباما إلى اضطرار الولايات المتحدة لتشكيل مؤسسات للحفاظ على السلام بعد الحرب العالمية الثانية مثل حلف الناتو والأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد، بما يؤدي إلى تقليل الحاجة لقيام الولايات المتحدة بإجراءات أحادية وزيادة ضبط النفس بين الدول وطالب بإعادة هيكلة تلك المؤسسات الدولية وتطويرها لتكون قادرة على تلبية الاحتياجات والمتغيرات في العالم ومكافحة الإرهاب، وأن تكون جزءا هاما من القيادة الأميركية. وقال: «هذه هي الزعامة الأميركية، ففي كل حالة قمنا ببناء تحالفات للرد على تحديات محددة وعلينا بذل مزيد من الجهد لتعزيز المؤسسات».

وألقى الرئيس الأميركي على عاتق منظمات دولية مثل الأمم المتحدة مهام حفظ السلام في الدول التي تمزقها الصراعات مثل الكونغو والسودان وقال: «سنقوم بتعميق استثماراتنا في البلدان التي تدعم تلك البعثات، لأن وجود دول أخرى تحافظ على الأمن في تلك البلاد يقلل الحاجة لوضع قواتنا في طريق المخاطر وهذا هو الاستثمار الذكي والطريق الصحيح للقيادة».

وركز الرئيس الأميركي على أهمية العمل المتعدد الأطراف واحترام القانون الدولي مشيرا إلى أوكرانيا وقيام الولايات المتحدة وأوروبا ومجموعة السبع بفرض عقوبات على روسيا وتشكيل الرأي العام العالمي لعزل روسيا وقيام حلف شمال الأطلسي بتعزيز الالتزام لحماية حلفاء أوروبا الشرقيين وقيام صندوق النقد الدولي بتحقيق الاستقرار في اقتصاد أوكرانيا.