إعلاميون ومثقفون يتهمون الحكومة المغربية بفرض الوصاية الأخلاقية على وسائل الإعلام

وزير الاتصال عد عريضتهم تشويشا على الإصلاح وأكد ضرورة احترام القانون

TT

اتهم إعلاميون ومثقفون وفنانون مغاربة، حكومة عبد الإله ابن كيران، بمحاولة فرض الوصاية والسيطرة على الإعلام المغربي، والسعي إلى ربطه بالمرجعية الأخلاقية والإسلامية لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، من خلال مقترحات إصلاح القانون المنظم للإعلام المسموع والمرئي. وقالوا في عريضة أصدروها أول من أمس، إن «المشهد الإعلامي المغربي يتعرض إلى حملة منهجية لإفراغه من مضمونه التنويري، ومحاولة ربطه بأبعاد أخلاقية غايتها فرض الهيمنة والسيطرة».

ورد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، واصفا ما ورد في العريضة بأنه «خطاب لا ديمقراطي وتشويش على الإصلاح»، مشيرا إلى أن الإعلام الحكومي «مرفق عمومي، بحسب قانون الاتصال المسموع والمرئي، ومستخدموه مطالبون الالتزام بالقوانين المنظمة للمرافق العمومية، وأهمها ما نص عليه الدستور من ضرورة الالتزام بالحياد والنزاهة والمسؤولية، والمحاسبة واحترام القانون والشفافية والمصلحة العامة». وأضاف الخلفي: «من البديهي كذلك أن يلتزم الموظفون غير المنتخبين باحترام الدستور، والقانون الذي نص على منظومة القيم المؤطرة للخدمة العمومية».

وجاء إصدار العريضة في سياق إعلان الحكومة عزمها إدخال تعديلات جذرية على مشروع القانون المنظم لمجال الاتصال المسموع والمرئي، وذلك بعد مرور تسع سنوات على اعتماده.

وتضمن مشروع الإصلاح المقترح من طرف الحكومة، حسب وزير الاتصال، توسيع دائرة الممنوعات الماسة بكرامة المرأة في مجال الإعلانات والبرامج، عبر وضع تدابير صارمة، من شأنها تضييق الخناق على الاستغلال المشين للنساء في الوصلات الإعلانية، التي تقدمها القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العمومية والخاصة. كما تضمن تعديلات تسعى الحكومة من خلالها إلى تحسين صورة المرأة في الإعلام، ومحاربة جميع أشكال التمييز بسبب الجنس، بما في ذلك الصور النمطية القائمة على النوع الاجتماعي، والنهوض بثقافة المساواة بين الجنسين. وصنف المشروع الحكومي البرامج والإعلانات، التي تحط من كرامة النساء، ضمن قائمة الجرائم الإعلامية التي يعاقب عليها القانون.

غير أن لموقعي العريضة رأيا آخر حول التعديلات التي تسعى الحكومة إلى إدخالها على قانون الإعلام المسموع والمرئي. إذ جاء فيها أن «محاولة فرض خطاب ذي مرجعية أخلاقية ودينية عبر عنها الوزير الوصي على قطاع الاتصال بالدعوة إلى ما وصفه بتغيير المنكر (في إشارة إلى مداخلته الأسبوع الماضي في مجلس المستشارين)، على حد تعبيره، تتوخى بالدرجة الأولى جعل المشهد الإعلامي كفرع لدعوات تتدثر بلبوس ديني، كما هو حال الأذرع الدعوية للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الوزير الخلفي».

وتضيف العريضة، أن «هذه العودة إلى الخطاب الأخلاقي والديني تزامنت مع هجوم عنيف شنه رئيس الحكومة، على الإعلام والإعلاميين، كما تزامنت مع انتكاس المشاريع الإصلاحية في مختلف القطاعات، بما يوحي أن التركيز على الإعلام يخدم أجندة حزبية صرفة، ويناقض الأهداف الأساسية لمفهوم خدمات الإعلام العمومي، المستندة إلى احترام التعددية السياسية واللغوية والفكرية، وإشاعة قيم التحرر ومبادئ المنافسة وحرية المبادرة». وأشارت العريضة، ضمنيا، إلى المشادة الكلامية بين رئيس الحكومة ورئيسة الأخبار في القناة التلفزيونية الثانية، التي أثارها الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، ومطالبته بعقد جلسة استماع حول ما عده تطاولا موظفة في قناة حكومية ضد رئيس الحكومة. وجاء في العريضة التي وقع عليها الإعلاميون سميرة سيطايل، ونرجس الرغاي، وسناء العاجي، ومختار لغزيوي، ويوسف جاجيلي، ونعيم كمال، وعبد الحميد جماهري، والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، والفنانون السينمائيون منى فتو ولطيفة أحرار وإدريس الروخ، بالإضافة إلى ناشطين في المجتمع المدني وجامعيين، أن «دور المؤسسة التشريعية يكمن في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، وليس في استعدائها ضد المشهد الإعلامي بمبررات حزبية وأخلاقية، وهي مطالبة برصد تنفيذ البرنامج الحكومي في هذا القطاع أو غيره، كما أن مهمتها تكمن في إقرار القوانين ذات الصلة بتنزيل الدستور، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقد حدد الدستور صلاحيات ومسؤوليات الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي في السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في إطار احترام قيم المغاربة وقوانين المملكة، وبالتالي فإن أي محاولة لنزع هذا الاختصاص أو الالتفاف عليه تشكل خرقا للوثيقة الدستورية». ووصف وزير الاتصال العريضة بأنها تمثل «خطابا آيديولوجيا تمييزيا وتحريضيا معاديا للديمقراطية». وقال إن مضمونها «يفرغ المؤسسات المنتخبة من مصداقيتها وصلاحياتها، ويصادر حقها في التعبير، ويعمل على أدلجة قضية وطنية هي قضية دور وسائل الإعلام في محاربة الجريمة وتجنب التطبيع معها، ومحاولة التشويش على مساءلة أداء الإعلام العمومي إزاءها، وافتعال قضايا هامشية من أجل خدمة هذه الأجندة». وأضاف في تصريح صحافي، أن موقعي العريضة حرفوا مضمون كلامه خلال مداخلته في مجلس المستشارين عبر «اختزاله وانتقاء جمل وعزلها عن سياقها ومحاولة تأويلها بطريقة سلبية»، وذلك للحيلولة دون مواصلة مسلسل تنفيذ الجيل الثاني من الإصلاحات في القطاع المسموع والمرئي، والقائمة على الاستقلالية والتعددية وتكافؤ الفرص وضمان المنافسة وإرساء الشفافية والحكامة الجيدة، على حد تعبيره. وقال إن كلامه في مجلس المستشارين أكد فيه استقلالية الإعلام الحكومي، موضحا أن الوزارة لجأت إلى الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي وفقا للإجراءات القانونية الحالي بها العمل من أجل دراسة برامج ومواد الجريمة في الإعلام العمومي، مضيفا أنه «لا يمكن اعتبار اللجوء إليها بمثابة تدخل في الإعلام، وهو الحق الذي كفله القانون للبرلمان أيضا، وسبق لأحزاب سياسية أن قامت به دون أن يعد ذلك تدخلا في الإعلام، بل هو من صميم الديمقراطية».

وأضاف أن موقعي العريضة يعملون من خلال الترويج المضلل لمزاعم المس بالاستقلالية، على مصادرة حق الحكومة في اللجوء إلى الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي، وبالتالي جعل الإعلام العمومي الممول من المال العام خارج المراقبة التي خولها القانون للهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي.