السلام يغيب عن خطاب أوباما

« الربيع العربي» بات «اضطرابا» بعد خمس سنوات من «خطاب القاهرة»

TT

كان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس مثالا جديدا على اقتناع الإدارة الأميركية باستخدام الخطابات المطولة للرئيس المعروف ببلاغته في إلقاء الخطابات لتحديد السياسات الخارجية، بدلا من تقديم برامج ملموسة. وفي وقت تزداد الانتقادات الداخلية والخارجية لأوباما، خاصة بعد أن أظهر آخر استطلاع رأي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن 38 في المائة من الأميركيين فقط يدعمون سياساته الخارجية، سعى أوباما للدفاع عن سجله على الصعيد الدولي.

وقرر أوباما إلقاء الخطاب أمام خريجي أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية العريقة بنيويورك، واضعا الجيش الأميركي ودوره كقائد للقوات المسلحة الأميركية في صلب شرح سياسته الخارجية.

ويذكر أن كلية «ويست بوينت» العسكرية موقع إعلان أوباما عن سياساته تجاه العراق في مايو (أيار) 2010، حيث أكد على الانسحاب النهائي من البلاد.

ووضع الرئيس الأميركي أمس «مكافحة الإرهاب» في قلب سياساته الخارجية، رافضا أي تهم بأنه يقود سياسات «انعزال». وقال: إنه ما زال مستعدا للتحرك عسكريا للرد على أي تهديد لمصالح الولايات المتحدة الرئيسية، مكررا موقفه بأنه قادر على حماية المصالح الرئيسية للبلاد. وأشار إلى أن هناك «وقتا ملائما للولايات المتحدة أن تفكر بالذين ضحوا بالكثير من أجل حريتنا، فأنتم أول دفعة تتخرج منذ (هجمات) 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومن المرجح لن ترسلوا للقتال في العراق أو أفغانستان». وبينما ركز أوباما على محور «إنهاء الحرب» في العراق وأفغانستان، في الوقت نفسه تحدث عن المعارك القادمة لمكافحة الإرهاب.

وأكد أوباما أمس اعتقاده بأن بلاده يجب أن «تقود المسرح الدولي دائما»، ولكن في الوقت نفسه قائلا: إنه «بالنسبة للقضايا التي تهم العالم ولا تهدد الولايات المتحدة مباشرة، علينا أن نكون حذرين بشكل أكثر في استخدام القوة العسكرية». وتابع: «للمستقبل المنظور، التهديد المباشر الأكبر للولايات المتحدة داخليا وخارجيا يبقى الإرهاب... ولكن علينا تحويل استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب للشراكة مع الدول التي تسعى شبكات إرهابية التمركز فيها». ولفت إلى أن «نجاحاتنا وإخفاقاتنا في العراق وأفغانستان» علمته ذلك. وردد أوباما كلمة «الإرهاب» 17 مرة في خطابه الذي استمر 46 دقيقة.

وصرح مسؤول أميركي رفيع المستوى أمس بأن «علينا بناء شبكة من الشركاء لمعالجة التهديد من الإرهاب» ضمن الصندوق الجديد الذي أعلن أوباما عزمه إنشاءه لمكافحة الإرهاب.

وفيما يخص الملف السوري، كان خطاب أوباما واضحا في جعل المعارضة السورية قادرة على محاربة جبهتين، الأولى ضد النظام السوري والثانية تنظيم القاعدة والمتطرفين. وأضاف: «بينما تطفح الحرب السورية الأهلية عبر الحدود، فإن قدرة المجموعة التي تقويها المعارك تتصاعد لملاحقتها». وبينما لم يستطع الجيش الأميركي في حربيه في العراق وأفغانستان أن يقضي على المجموعات الإرهابية، أبدى تفاؤله بأن الصندوق الجديد بخمسة مليارات دولار سيمكن قوات الدول الحليفة من ذلك.

وكان من اللافت غياب أي إشارة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط عن خطاب أوباما، بعد أن كان أوباما بدأ رئاسته بالإعلان عن جهود لإحياء عملية السلام، وكرس وزير خارجيته جون كيري الحيز الأكبر من العام الماضي لمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وكان أوباما حدد أولوياته للسياسة الخارجية خلال ما تبقى من زمن في ولايته الثانية في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وقال حينها: «الجهود الأميركية سترتكز على قضيتين محددتين، سعي إيران للأسلحة النووية والنزاع العربي - الإسرائيلي». وذكر أوباما إسرائيل مرتين فقط في خطابه أمس خلال الإشارة إلى برنامج إيران النووي واتفاق السلام مع مصر، ولم يذكر فلسطين مرة.

وبينما علق أوباما في خطاب أمس باختصار على البرنامج النووي الإيراني، لم يذكر النزاع العربي - الإسرائيلي على الإطلاق في خطاب أمس. وكانت هذه أبرز إشارة إلى تخلي أوباما في الوقت الراهن عن هذا الهدف بعد فشل المفاوضات بين الطرفين.

ومن التغييرات الأخرى في الخطاب الأميركية العام أمس، استبدل أوباما عبارة «الربيع العربي» لوصف الثورات والانتفاضات العربية، ليسميها «الاضطراب العربي»، في انتقاد لافت لما يدور في العالم العربي من زعزعة استقرار وتراجع للحريات. ولكن لم يقدم أوباما أي حلول لإنهاء تلك الفوضى. ومن المفارقة أن خطاب أمس جاء قبل أسبوع من الذكرى الخامسة لإلقاء أوباما خطابه الشهير في القاهرة في 4 يونيو (حزيران) 2009 عندما وعد بدعم الحريات وتشجيع من يعارض بلاده لمد اليد. وكان خطاب أمس بعيدا كل البعد عن خطاب القاهرة، إذ الشراكة مع الحلفاء في المنطقة تحصر في مكافحة الإرهاب.

وكانت الفقرة الأخيرة من خطاب أوباما وكأنها تعلن نهاية فترة حروب الولايات المتحدة، قائلا: «لقد عانينا من موسم طويل من الحرب». ولكن رغم محاولة أوباما التخلص من عبارة «الحرب على الإرهاب» التي كرسها سلفه جورج بوش، يبدو أنه جعل «الحرب على الإرهاب» عنوان سياسته الخارجية للفترة المقبلة.