نائب وزير الخارجية السعودي: الانتهاكات المهددة للسلم تدعو إلى تقييم ومراجعة دور «عدم الانحياز»

قال إن دعم أطراف إقليمية ودولية للنظام في دمشق قضى على المحاولات السلمية والسياسية

TT

أكد الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب وزير الخارجية السعودي، أن حركة عدم الانحياز منذ إنشائها تعمل جاهدة، رغم كل المعوقات والعراقيل التي تواجهها، على تحقيق أهدافها، التي من أهمها العمل على خدمة السلام وتحقيق الرفاهية تجسيدا لمصالح دولها. جاء ذلك خلال كلمة المملكة التي ألقاها، أمس، في المؤتمر الوزاري الـ17 لحركة عدم الانحياز، وقدم في مستهلها التهنئة لوزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة لتوليه رئاسة هذا المؤتمر، وشكره على حسن الاستقبال والضيافة وما قدمته حكومة الجزائر من جهود لنجاح هذا الاجتماع، كما شكر حكومة إيران على ما قدمته خلال رئاستها للحركة.

وأضاف الأمير عبد العزيز بن عبد الله أن حكومة بلاده من هذا المنطلق تؤكد مجددا تمسكها بمبادئ هذه الحركة، مما يُعزز دورها في عالم تتسارع فيه الأوضاع الدولية والإقليمية اضطرابا، وتُنتهك فيه مبادئ القانون الدولي، ويجري تشويه مبدأ حق الدفاع عن النفس، وتُستغل مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير للإساءة للأديان ورموزها لأغراض سياسية أصبحت واضحة المعالم. وتابع قائلا «إن المملكة إذ تنبه إلى تصاعد هذه الانتهاكات الخطيرة والجسيمة التي تهدد السلم العالمي، لتدعو إلى القيام بتقييم ومراجعة دور وفاعلية الحركة في حماية وتعزيز الأمن والاستقرار في العالم، ويجب أن يمثل هذا الدور أولوية ملحة للحركة في المرحلة المقبلة».

وأردف «ينعقد اجتماعنا بعنوان (تعزيز التضامن من أجل السلم والرفاهية) ونحن على أرض (المليون شهيد)، الذين قضوا من أجل حريتهم وحقوقهم واستقلالهم، فلست مُلاما حين أُذكركم بالمأساة التي تعيش في وجداننا العربي والإسلامي ألا وهي قضية فلسطين المحتلة، التي ما زال شعبها يرزح تحت الاحتلال وتنتهك مقدساته وتسلب حقوقه، وتعمل سلطات الاحتلال على طمس وتمزيق وحدته واستلاب أراضيه في مشاريع استيطانية، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات والمواثيق الدولية».

وشدد على أن السلام خيار استراتيجي عربي، لكن سلطات الاحتلال رأت فيه ما يقوّض أحلامها للتوسع والسيطرة، لذلك عَمِلت على تعطيل مفاوضات السلام في كل مراحلها، بل لم تتردد في فرض مزيد من الضغوط والعقبات أمام السلطة الوطنية الفلسطينية وتعطيل مباحثات السلام، مضيفا أن مجلس الوزراء في جامعة الدول العربية قد أوضح مؤخرا خطورة ما تقوم به سلطات الاحتلال وإجراءاتها للقضاء على كل أمل في السلام وتحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

وأعرب نائب وزير الخارجية السعودي عن تطلعه انطلاقا من مبادئ الحركة إلى دور أكثر فاعلية وإيجابية لمساندة الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية للحصول على حقوقه المشروعة ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن المملكة تدين بشدة كل الأعمال التي تقوم بها سلطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس وما يتعلق بمحاولاتها تغيير الهوية التاريخية والدينية والوضع القانوني للأماكن المقدسة. وقال «هذا الجرح القديم في جسدنا العربي زادته الأوضاع المأساوية للشعب السوري الشقيق نزيفا داميا، فآلة القتل تحصد يوميا أرواح الشعب السوري وتدمر مقدراته وتهجر أبناءه إلى نازحين عن ديارهم أو لاجئين في الشتات. إن عجز المجتمع الدولي عن وضع حد لهذه المأساة قد زادها سوءا، وهذا ما أكدته التقارير الدولية».

وأضاف أن «دعم أطراف إقليمية ودولية للنظام في دمشق قضى على كل المحاولات السلمية والسياسية، كما أن (سيف) الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن لحماية الشعب السوري أدى إلى ما يعيشه الشعب الشقيق من مأساة حقيقية طال أمدها». وبيّن أن اجتماعات جنيف كانت سبيلا لحل سياسي للأزمة، وأن فشل الجهود الدولية واستقالة الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي يتحملهما النظام الحاكم في دمشق ومماطلته ورفضه لكل المبادرات لحل الأزمة، وتحديه للإرادة الدولية، بدعم من أطراف إقليمية ودولية وقوى خارجية، مشيرا إلى أن إعلان النظام السوري إجراء الانتخابات الرئاسية تحت هذه الظروف الحالية هو تأكيد لاستمراره في قمع تطلعات الشعب السوري نحو الكرامة والحرية، وأنه لا بد للمجتمع الدولي من العمل الجاد والفاعل لتنفيذ المقررات الدولية ذات الصلة خاصة قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.

كما جدد نائب وزير الخارجية التأكيد على أن المملكة العربية السعودية عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وملتزمة بأحكامها، مؤكدة بذلك حرصها على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، لافتا الانتباه إلى أن المعالجة الفعالة لمشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل تتطلب التخلي عن ازدواجية المعايير، مشددا على أهمية خلو منطقة الشرق الأوسط برمتها من هذه الأسلحة الفتاكة، ومشيرا إلى أن المملكة في الوقت الذي تؤيد فيه حق جميع الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية فإنها تدعو جميع دول الشرق الأوسط إلى الاحترام الكامل والدقيق لالتزاماتها الواردة في العهود والمواثيق الدولية القائمة، التي تفرض ضوابط محددة على جميع البرامج النووية واستخداماتها.

وعبر عن أمله في أن تتجاوب الدول كافة مع الجهود الدولية، على نحو يجنب المنطقة سباق تسلح عبثيا، ومخاطر بيئية جديدة، مؤكدا ضرورة عقد المؤتمر الخاص بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، الذي كان مقررا في هلسنكي 2012، ولم يعقد بسبب رفض إسرائيل له، مبديا ترحيب المملكة بالجهود التي تبذلها مجموعة «5+1» والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج إيران النووي، وأن يكون هناك سقف زمني واضح لهذه المفاوضات.

وأوضح الأمير عبد العزيز بن عبد الله أن التنمية في المجتمعات والإرهاب ضدان لا يلتقيان، فالمملكة ترفض الإرهاب بجميع أشكاله، وتدين مظاهره، فيما تتعاون مع المجتمع الدولي للقضاء على هذا الشر العالمي، حيث أكدت دعمها التام لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واتخذت الخطوات اللازمة لسد أي ثغرة قد تُستغل لغير الأعمال المشروعة، مشيرا إلى أنها نجحت في القبض على الكثير من الإرهابيين وأفشلت مخططاتهم، وانضمت إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ضد الأعمال الإرهابية، وأسهمت في إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، وسنت عددا من التشريعات الوطنية التي تجرمه.

وأضاف أن «المملكة انطلاقا من إيمانها بأن الحوار هو القناة المثلى لأي اختلاف مع الآخر فإنها بذلك تدعم جميع المبادرات الإنسانية الداعية له، وتشارك في الجهود المبذولة لدعم السلام والأمن والاستقرار في العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، واستنادا إلى المبادرات العديدة التي أطلقتها حكومة المملكة من أجل نشر ثقافة العيش المشترك والاحترام المتبادل والتسامح القائم على التفاهم والتعارف بين الأفراد والثقافات والأديان والحضارات ونشر قيم العدل والسلام وسيادة القانون ومرجعية المواثيق الدولية، فقد توجت تلك الجهود بإنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والحضارات في فيينا (نوفمبر/ تشرين الثاني، 2012)، من أجل تعاون حضاري يحقق العيش المشترك بين البشر على تنوعهم وتعدد ثقافاتهم وخياراتهم الفكرية والدينية والروحية».

وأفاد نائب وزير الخارجية بأن المملكة بصفتها أحد منتجي الطاقة في العالم تؤكد أهمية الحوار بين الدول المنتجة للنفط والمستهلكة له، من أجل استقرار الأسواق الذي يعود على الجميع بالفائدة، فيما ترى أنه من الأهمية بمكان «النظر في حل مشكلة تقلب الأسعار»، التي أثرت على الدول النامية ومستقبل العلاقة بين المنتجين والمستهلكين، حيث تستضيف مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، الذي يسره العمل مع أي منظمة دولية أخرى لما فيه منفعة الدول النامية والمتقدمة، ودول العالم كافة، مع استمرارها في دعم أبحاث الطاقة والبيئة والتغير المناخي.

ورأى الأمير عبد العزيز بن عبد الله أن التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة (الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة) ينبغي التصدي لها بشكل متكامل من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وهيئاتهما الفرعية ذات الصلة، وأن أي تدخل لمجلس الأمن في هذا الموضوع سيؤدي إلى تداخل لا مبرر له في الاختصاصات، لافتا النظر إلى أنه من الضروري لجميع الدول الأعضاء أن تعزز التنمية المستدامة من خلال التقيد بمبادئ «ريو»، لا سيما مبدأ المسؤولية المشتركة والمتفاوتة.