النظام والمعارضة يقتربان من التوصل إلى اتفاق في داريا آخر معاقل الثوار بجنوب دمشق

ناشطون لـ «الشرق الأوسط» : النازحون ضغطوا لقبول التسوية

حجم الدمار في داريا («الشرق الأوسط»)
TT

اقترب النظام السوري ومعارضوه في مدينة داريا بجنوب دمشق، من التوصل إلى اتفاق هدنة شامل، ينهي حالة الحصار المستمر على المدينة منذ عامين، ويتيح لأكثر من خمسة آلاف مدني محاصر قدرة على التحرك، كما يؤمن العاصمة السورية الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية من هجمات المعارضة.

وأكد ناشطون في داريا لـ«الشرق الأوسط» أن اللجنة الموسعة المكلفة بموضوع الهدنة في المدينة، اجتمعت أمس، ووافقت على تشكيل وفد للتفاوض مع النظام خارج داريا، في حال تعهد النظام بشكل صريح بإعادة انتشار جيشه على أطراف المدينة.

وتستجيب اللجنة في هذه الحال لمطلب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي حدد مهام لجنة الأهالي النازحين من المدينة، بأخذ الموافقة على التفاوض من اللجان العسكرية والفعاليات المدنية في داخل المدينة فقط، وحصر مهام التفاوض بـ«المحادثات المباشرة» خارج داريا، مع وفد يمثل السكان المحاصرين داخل المدينة.

وتعد داريا أقدم المدن المحاصرة في جنوب دمشق، وأكبرها، إذ بدأ حصارها قبل عامين، مما دفع بالعدد الأكبر من سكانها إلى النزوح عنها، بحيث يناهز عدد الموجودين فيها الآن نحو خمسة آلاف شخص، بينهم ألف مقاتل، رغم أن عدد سكانها الأصليين كان يناهز الربع مليون شخص. وواصلت قوات المعارضة قتالها في المدينة، مما منع القوات الحكومية من السيطرة عليها.

وقال عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط» إن مسار التفاوض بين النظام والمعارضة «بدأ في فبراير (شباط) 2013. على ضوء ضغوط مارسها أهالي داريا النازحين منها، لكن النظام أجهض ثلاث محاولات للتراسل غير المباشر»، موضحا أنه في الجولة الأولى «طلب النظام من وفد داريا المشكل من الأهالي والمشايخ وفعاليات المدينة أن يتوجوا إلى القصر الجمهوري، وهو ما لم يحدث».

وأضاف: «في المرة الثانية، أجهضت القوات الحكومية مساعي الوفد، بعدما منعتهم من الدخول إلى المدينة، بهدف نقل شروط النظام، على حاجز الأربعين، بذريعة أن الوقت متأخر، ولا يمكن أن يدخلوا ويخرجوا قبل حلول المساء.. أما في المرة الثالثة، فأطلق قناص من الجيش السوري الحر رصاصة على سيارات الوفد الذي لم يبلغ المقاتلين المعارضين بالداخل بعزمه على الدخول، مما دفع الوفد إلى العودة».

ولفت الداراني إلى أن شخصين من الوفد الأول «تعتقلهما قوات الأمن السورية في هذا الوقت، هما الشيخ فياض وهبي والمدرس رياض شحادة»، مشيرا إلى أن مساعي التفاوض «انطلقت من جديد بعد التوصل إلى اتفاق هدنة بين المعضمية وقوات النظام» قبل ثمانية أشهر. ويسعى النظام إلى التوصل لهدنة مع المقاتلين في داريا، بهدف استكمال سيطرته على جنوب العاصمة، وتأمين دمشق من هجمات المعارضين. وتكتسب الهدنة أهمية بالغة، نظرا لأن المقاتلين المعارضين فيها تمكنوا في السابق من استهداف القصر الجمهوري الذي يبعد مسافة أربعة كيلومترات عن مواقع تمركزهم، كما استهدفوا مطار المزة العسكري الواقع غرب العاصمة بصواريخ محلية الصنع.

وبحكم موقعها الكائن بمحاذاة العاصمة السورية، شكلت تهديدا لأكثر الأحياء الدمشقية الخاضعة لسيطرة النظام، أهمها أحياء السفارات وكفرسوسة والمزة.

وشكل وفد آخر قبل فترة وجيزة لمتابعة التوصل إلى هدنة في داريا، تألف من مشاريخ وفعاليات المدينة النازحين منها، كما شكل وفد يمثل المقاتلين الموجودين داخل داريا، تألف من 32 شخصا يمثلون القيادات العسكرية والفعاليات والأهالي المحاصرين في الداخل.

وقال الداراني إن النقلة النوعية التي طرأت على الملف، بدأت يوم السبت الماضي في 24 مايو (أيار) الحالي، حين «نقل وفد أهالي داريا النازحين رسالة من النظام السوري إلى الوفد في الداخل، مفادها أن انسحاب الجيش الحر من الداخل يمكن المدنيين النازحين من العودة إلى المدينة، في مقابل تنفيذه إعادة انتشار عسكري على أطراف داريا»، مشيرا إلى أن النظام «طلب من اللجنة إبلاغ الأهالي في الداخل أن التفاوض على بنود الاتفاق سيكون مباشرا معهم في القصر الجمهوري».

وأعلنت اللجنة الموسعة المكلفة بموضوع الهدنة في داريا، أمس، موافقتها على تشكيل وفد للتفاوض مع النظام خارج داريا «مما يعني عمليا أن الاتفاق يسير في طريقه إلى التنفيذ».

وأكد الداراني أن «الوضع العسكري للثوار في الداخل مرتاح جدا على ضوء إنجازات حققوها خلال الشهرين الماضيين، أهمها السيطرة على ثلاثة قطاعات أساسية، هي قطاع الزعرور المطل على أوتوستراد درعا، وقطاع الكورنيش القديم القريب من أوتوستراد دمشق، منطقة الجمعيات»، غير أن «إلحاح الأهالي النازحين والضغط الذي مارسوه على المقاتلين المعارضين في الداخل، أجبرهم على الموافقة على التوجه إلى النظام والتفاوض المباشر معه».

وتنص مسودة الاتفاق، على تنفيذ القوات الحكومية خطة إعادة انتشار على أطراف داريا، «بما يسهل حركة المدنيين المنوي دخولهم إلى المدينة»، أي اقتصاد الوجود العسكري على ما دخل الأوتوسترادات والطرق السريعة المؤدية إلى درعا ودمشق والقنيطرة، من غير وجود على مداخل الأحياء الداخلية. وقالت مصادر مطلعة على ملف التفاوض لـ«الشرق الأوسط» إن النظام «سيفرج عن عدد كبير من المعتقلين لديه من أهالي داريا، البالغ عددهم 2000 شخص، وبينهم نساء، كما سيشارك مقاتلون معارضون من الجيش السوري الحر في حواجز مشتركة مع لجان شعبية تتكفل الأمن في المدينة وتنتشر في بعض أحيائها».

وفي المقابل، تضيف المصادر: «يصر النظام على تسليم قوات المعارضة في الداخل أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، ويتيح لبعض المقاتلين بالخروج من داريا دون توقيفهم، شرط لجوئهم إلى مناطق الغوطة الغربية لدمشق» (أي المنطقة الممتدة من صحنايا إلى شمال محافظة القنيطرة، بينها خان الشيخ وكناكر وبيت جن)، فيما «يشارك بعض المقاتلين في اللجان الشعبية، ويحتفظون بأسلحة خفيفة». وتضم داريا في هذا الوقت نحو ألف مقاتل، معظمهم يتبعون «اتحاد أجناد الشام»، ويتوزعون في لواءين أساسيين، هما «لواء سعد بن أبي وقاص» ولواء «المقداد بن أبي عمرو». ويعد الأول أقدم التشكيلات العسكرية المعارضة التابعة للجيش السوري الحر في داريا. وتنضم الاتفاقية في داريا إلى بلدات جنوب دمشق، التي عقدت اتفاقات مع النظام السوري، الذي يطلق عليها اسم «مصالحات»، كان آخرها في مناطق القدم والعسالي وجورة الشريباتي، ومن المتوقع أن يدخل المدنيون إليها في الأيام المقبلة. وتلخصت التسوية بإيقاف إطلاق النار بين الفريقين، ووقف العمليات العسكرية أيا كانت الأسلحة المستخدمة فيها، والكشف عن نوعية الأسلحة، وتسليم الأسلحة الفردية للدفاع الوطني، مقابل تسوية النظام أوضاع المواطنين لدى الجهاز الأمني المختص، وتشمل التسوية كل من حمل السلاح، أو كان ناشطا بوجه الدولة، أو متخلفا أو فارا من الخدمة الإلزامية.