الانتخابات الرئاسية السورية في يومها اللبناني الثاني: توقعات بـ170 ألف ناخب... ودعوات لترحيلهم

وزير الشؤون الاجتماعية يؤكد أن النازح الذي يخرج من لبنان ويعود إلى بلده سيُشطب اسمه من لائحة اللاجئين

TT

لم يكن مشهد الانتخابات الرئاسية السورية في لبنان أمس الخميس مشابها لما كان عليه قبل يوم واحد. فالسفارة السورية والأجهزة اللبنانية الذين لم يتمكنوا من ضبط العملية في يومها الأول نظرا لتدفق آلاف السوريين دفعة واحدة للاقتراع، بما بدا أشبه باستعراض قوة، نجحوا إلى حد بعيد في اليوم الثاني باحتواء العملية نظرا لتراجع أعداد المقترعين، الذين توقع مصدر رفيع في حزب البعث أن يكون عددهم بلغ 170 ألفا.

وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن وزارة الخارجية السورية حين أعلنت أن أربعين ألف ناخب سوري سجلوا أسماءهم للإدلاء بأصواتهم في السفارة في لبنان، كانت تتحدث عن أولئك الذين يمتلكون جواز سفر: «ولكن بعد التدفق غير المنتظر للاجئين للاقتراع تم إسقاط الشروط التي فُرضت بوقت سابق ما رفع عدد المقترعين بشكل هائل».

واستمرت الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها الجيش اللبناني في محيط السفارة السورية في منطقة اليرزة شرق العاصمة بيروت، بحيث تم استحداث عدد من الحواجز عند مداخل المنطقة، وقد أخضعت السيارات المارة لعملية تفتيش دقيق تماما كما الداخلين إلى مبنى السفارة وحتى المحيطين بها خوفا من عمليات أمنية تستهدف المقترعين أو المنطقة التي تعد عسكرية بامتياز باعتبارها تضم وزارة الدفاع اللبنانية والكلية الحربية.

وكما في اليوم الأول، اندفع الآلاف أمس للتصويت للرئيس السوري بشار الأسد باعتبار أن معارضيه قاطعوا العملية، وقد أقدم العشرات على جرح أصابعهم للتصويت بـ«الدم» من خلال البصم على صورة الأسد بدمائهم.

واصطف المئات بطابور طويل، فيما لم يتردد العشرات بالسير لكيلومترات طويلة للوصول إلى مبنى السفارة. وقد منع الجيش اللبناني المقترعين الذين يحملون أعلاما من إدخال العصي معها، فيما شهدت حركة السير في المنطقة ومحيطها تحسنا ملحوظا مقارنة باليوم الأول من الانتخابات الذي شهد «كارثة» من حيث زحمة السير. وقال أبو ياسين (47 عاما) لـ«الشرق الأوسط»، وهو من الرقة، بأنّه انتخب الأسد ليقينه بأن الأيام الجميلة قد ولّت: «لكن ما أطمح إليه أن يعيد لنا أيام الفخر بأننا سوريون».

وبالتزامن مع استكمال العملية الانتخابية، تصاعدت الدعوات لترحيل اللاجئين السوريين الذين اقترعوا للأسد وخاصة من قوى 14 آذار التي عدت أن صفة اللجوء سقطت عن هؤلاء. لكن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أكد أن لبنان ليس بصدد ترحيل النازحين بل هو وبناء على قرار حكومي سيبدأ بتطبيق «إجراءات متشددة وتنفيذية» في التعاطي مع موضوع اللاجئين. وأوضح درباس لـ«الشرق الأوسط» أن «النازح الذي يخرج من لبنان ويعود إلى بلده سيتم شطب اسمه من لائحة اللاجئين وبالتالي إذا قرر العودة يعود كزائر أو سائح وليس نازحا يكلّف الدولة اللبنانية ما يكلّفها في ظل غياب المساعدات الدولية اللازمة للبنان».

وشدّد درباس على وجوب تنظيم اللجوء السوري إلى لبنان وفق معايير إنسانية وأمنية: «ما يعني أنه لا يجب استقبال نازحين من مناطق حدودية باعتبارها مناطق لا تشهد أي معارك حاليا». وأضاف: «لقد طفح الكيل، بتنا نستقبل أكثر مما نحتمل وهذا ما تجلى واضحا في الانتخابات الأخيرة التي حصلت في لبنان».

وطالب وزير العمل سجعان قزي بضرورة «تحديد مفهوم اللاجئين لأن هناك عددا كبيرا من السوريين لا تنطبق عليهم هذه الصفة»، داعيا لوضع حد لاستمرار تدفقهم بعدما بلغ عددهم نحو مليون ونصف.

بدوره، نبّه وزير الخارجية جبران باسيل من «اهتزاز النموذج اللبناني» لافتا إلى أنّه بخطر نتيجة النزوح السوري: «وهو أمر غير اعتيادي، إذ لدينا حاليا 275 ألف طالب سوري في المدارس اللبنانية، من المتوقع أن يضاف إليهم 400 ألف في العام المقبل». وقال باسيل خلال زيارة له إلى الجزائر: «هذا أمر لا قدرة لنا على تحمله، فأعداد النازحين السوريين باتت توازي نصف عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان».

وعد النائب في تيار «المستقبل» زياد القادري أن الانتخابات الرئاسية السورية في لبنان كانت أشبه بـ«مسرحية استعراضية» ينظمها «حزب الله» وحلفاؤه. ورأى القادري في تصريح أن «هذه الانتخابات تجري على أشلاء ودماء 200 ألف قتيل، والمعارضة التي حصلت كشفت انخراط النظام السوري بوسائله المباشرة وغير المباشرة وعبر سفارته في بيروت بترتيبات معدة سلفا لتوظيف الثقل الديموغرافي للاجئين السوريين في لبنان»، مشيرا إلى أن «هناك معلومات مثبتة تؤكد أن النظام السوري، وبمساعدة حزب الله و8 آذار، مارسوا شتى أنواع الضغوط على اللاجئين السوريين للإقبال الكثيف على الاقتراع». وأضاف: «تبين أن هناك أعدادا كبيرة من النازحين السوريين غير مهددة، وعلى وزير الخارجية التحرك فورا من أجل المطالبة بإعادتها إلى سوريا».

وعبّر عدد كبير من اللاجئين السوريين المعارضين للأسد عن نقمتهم من توافد الآلاف من أبناء بلدهم للاقتراع للأسد. وقالت أم أحمد (33 عاما) النازحة من إدلب إلى بيروت لـ«الشرق الأوسط»: «ما حصل مؤسف ومخز في آن... ففي حين تقصف مناطقنا وأطفالنا بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، يتوافد الآلاف في لبنان لتجديد البيعة للقاتل».

وأفادت معلومات صحافية عن أن مجهولين في منطقة باب التبانة في مدينة طرابلس شمال لبنان اعتدوا على بائع قهوة سوري بعدما تبين لهم أن إصبعه مغطى بالحبر، أي أنه شارك بالانتخابات السورية في السفارة السورية: «فوجهوا له كلاما قاسيا ثم ضربوه».

يُذكر أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة في لبنان فاق المليون و87 ألفا، فيما تؤكد السلطات اللبنانية أن عددهم الإجمالي تخطى المليونين.