ملك المغرب في تونس لدعم مواجهتها الإرهاب.. ويخاطب برلمانها اليوم

أشرف مع المرزوقي على توقيع 22 اتفاقية تتعلق بالاقتصاد والأمن والشأن الديني

الملك محمد السادس والرئيس المنصف المرزوقي يحييان مستقبلي العاهل المغربي في مطار تونس قرطاج الدولي أمس (إ.ب.أ)
TT

بدأ العاهل المغربي الملك محمد السادس زيارة رسمية إلى تونس أمس، تلبية لدعوة من الرئيس محمد المنصف المرزوقي، تستمر حتى يوم غد الأحد.

ويرافق العاهل المغربي نجله الأمير مولاي الحسن ولي العهد، وشقيقه الأمير مولاي رشيد.

وهذه أول زيارة للملك محمد السادس لتونس، منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011.

وأجرى العاهل المغربي والرئيس التونسي مساء أمس مباحثات رسمية في قصر قرطاج عقب وصولهما من المطار. وقالت مصادر مغربية وتونسية متطابقة لـ«الشرق الأوسط» إن المباحثات المغربية - التونسية تناولت قضايا دعم التعاون الثنائي بين البلدين، وأيضا مستجدات الوضع في منطقة المغرب العربي، وخاصة الاقتتال القائم في ليبيا، وتداعيات ذلك على منطقة الساحل والصحراء.

وأشرف الملك محمد السادس والرئيس المرزوقي في قصر قرطاج مساء أمس على توقيع 22 اتفاقية ومذكرات تفاهم، وذلك في حضور عدد كبير من قيادات القطاع الخاص في المغرب. ومن بين الاتفاقيات المهمة التي جرى التوقيع عليها، اتفاقية تدريب الأئمة في المساجد التونسية. فبعد الاتفاقية التي وقعها المغرب مع مالي بخصوص تدريب 500 إمام، في سياق مواجهة الفكر المتطرف بهذا البلد الأفريقي، الذي يشهد تجاذبات سياسية داخلية حادة، جاء الدور على تونس وليبيا وغينيا كوناكري ونيجيريا للاستفادة من «التجربة المغربية» في مجال تدبير الشأن الديني. وكان الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، وافق قبل أشهر، من حيث المبدأ، على ثلاثة طلبات تعاون في الحقل الديني مع كل من تونس وليبيا وغينيا كوناكري، قبل أن تنضم إليهم نيجيريا، داعيا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية إلى «الانكباب على دراسة مختلف الجوانب التطبيقية المتعلقة بهذه الطلبات»، وفق تعبير لبيان الوزارة آنذاك.

وتتعلق الاتفاقيات الأخرى بالتعاون في مجال السكك الحديدية، وبروتوكول تعاون بين بورصتي تونس والدار البيضاء، واتفاق تعاون في مجال الصناعة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى اتفاق تعاون في المجال الأمني ومكافحة ظاهرة الإرهاب.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الملك محمد السادس سيلتقي صباح اليوم السبت مع مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية، قبل أن يتوجه إلى قصر باردو، مقر المجلس التأسيسي (البرلمان)، الذي يعقد جلسة عامة على شرفه، حيث سيلقي خطابا أمام نواب الشعب التونسي.

وكان جمعة زار المغرب يومي 12 و13 فبراير (شباط) الماضي، بعد أقل من أسبوعين من تنصيبه على رأس الحكومة التونسية، والتقى خلالها الملك محمد السادس ورئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران.

وعد مراقبون زيارة الملك محمد السادس إلى تونس بأنها تحمل في طياتها دعما معنويا للبلاد التي تواجه تحديات أمنية واقتصادية كبرى، لا سيما أن العاهل المغربي أصر على القيام بهذه الزيارة، رغم الأحداث الإرهابية التي ضربت تونس أخيرا، واستهدفت وزير داخليتها.

وقال التوهامي العبدولي، وزير الدولة السابق المكلف العلاقات مع أوروبا لـ«الشرق الأوسط» إن الزيارة تدل على حسن النوايا، وتعيد تجديد الثقة بين الشعبين وبين المؤسسات السياسية في البلدين. وتابع العبدولي قائلا: «إن المملكة المغربية لم تتدخل في الشأن التونسي طوال السنوات الثلاث الماضية، وحافظت على حيادها الإيجابي تجاه الثورة التونسية»، عادا أن الزيارة أيضا «تحمل رسالة سياسية إيجابية لبلد شقيق يعرف الاستقرار على جميع المستويات، وهي زيارة تؤكد رغبة المملكة المغربية في المساهمة في استقرار تونس».

وبشأن أهم الملفات التي ستطرح على طاولة النقاش بين تونس والمغرب، أشار العبدولي إلى موضوع الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، وضرورة حسم هذا الأمر في أسرع وقت ممكن.

يذكر أن الأمانة العامة للاتحاد، التي يوجد مقرها في الرباط، يوجد على رأسها الحبيب بن يحيى، وزير خارجية تونس الأسبق.

وحول نزاع الصحراء، قال العبدولي «ليس من حق التونسيين التدخل في ملف الصحراء»، مشددا على ضرورة أن تدعم تونس أي حل سياسي متوافق عليه يضع حدا للنزاع الذي طال أمده.

وفي سياق ذلك، قالت مصادر سياسية تونسية لـ«الشرق الأوسط» إن نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر، سيكون من بين الملفات المطروحة في المباحثات المغربية - التونسية، لا سيما في ظل التقارب التونسي - الجزائري الأخير، الذي فرضه تحالف البلدين في مواجهة الإرهاب، وحاجة تونس إلى دعم مالي لتمويل مواردها الاقتصادية المحدودة. وثمة اعتقاد في العاصمة التونسية أن المغرب ينظر بتوجس كبير إلى التقارب الجزائري - التونسي. وأضافت المصادر ذاتها «أن العاهل المغربي جاء إلى تونس أيضا لتصحيح المواقف، والوقوف على حقيقة الموقف التونسي من النزاع».

وكانت تونس قد مكنت وفدا من جبهة البوليساريو، الداعية لانفصال الصحراء عن المغرب، والمدعومة من الجزائر، يتكون من أكثر من 100 فرد، من المشاركة في أشغال أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي الذي انعقد بتونس خلال شهر مارس (آذار) 2013.

وحافظت تونس طوال عقود ما بعد الاستقلال على موقف محايد تجاه نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر، ولم تدعم طرفا على حساب الآخر.

يذكر أن العلاقات المغربية - التونسية تميزت منذ استقلال البلدين بغلبة منطق الحكمة والعقلانية والواقعية.

ويضم الوفد المرافق للعاهل المغربي 11 وزيرا، إضافة إلى مسؤولين أمنيين، كما حل بالعاصمة التونسية قبل يومين نحو 120 من رجال الأعمال المغاربة، الذين شاركوا في المنتدى المغربي - التونسي للأعمال، الذي التأم أول من أمس، وذلك في تأكيد على الطابع السياسي والأمني والاقتصادي للزيارة. ورغم أن تونس تحتل المرتبة الثالثة في قائمة الشركاء الاقتصاديين للمغرب في أفريقيا، ورغم الاتفاقيات الكثيرة التي تربط بين البلدين، من بينها اتفاقية التبادل الحر، واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 1998، وأيضا اتفاقية التبادل الحر العربية - المتوسطية (اتفاقية أغادير)، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2007. فإن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ظل في حدود 500 مليون دينار سنة 2013. بينما ظلت المشاريع الاستثمارية المغربية في تونس محدودة، إذ لا يتجاوز عدد الشركات المغربية العاملة في البلاد 22 شركة، تنشط في قطاع الصناعة الغذائية والميكانيكا والنسيج والملابس والجلود والأحذية.