معيتيق يقتحم مقر رئاسة الحكومة الليبية.. والثني في «مكان آمن»

قتال شرس بين قوات حفتر و«أنصار الشريعة» في بنغازي

أحد المقاتلين الموالين لحفتر في سيارة عليها قاذفة صواريخ في مدينة بنغازي الليبية أمس (رويترز)
TT

دخل الصراع على السلطة في ليبيا مرحلة خطيرة بعدما اقتحمت مساء أمس مجموعة مسلحة من أنصار رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق المقر الرئيسي للحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني في قلب العاصمة الليبية وسيطرت عليه.

وقال متحدث باسم معيتيق لـ»الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس: «نحن نتواجد داخل مقر الحكومة، استلمنا المقر تنفيذا لقرار المؤتمر الوطني العام( البرلمان)». وأكد المتحدثأن معيتيق دخل فعلا إلى مقر الحكومة لكنه قال انه يعتذر عن إمكانية التحدث إليه هاتفيا نظرا لانشغاله, نافيا استخدام القوة لاقتحام مقر الحكومة.

وتحدثت مصادر أمنية وعسكرية ليبية عن تسلم معيتيق رسميا لمقر رئاسة الوزراء بطرابلس، وسط تعزيزات عسكرية مشددة، ,فيما قال مقربون منه أنه كان مقررا أن يعقد في وقت لاحق مؤتمرا صحفيا.

وكان معيتيق قد أعلن أول من أمس أنه ستتسلم السلطة من الثني، لكنه لم يحدد كيفية إتمام عملية التسليم والتسلم التى قالت الحكومة أنها ستستغرق نحو أسبوعين. في المقابل أكد أحمد الأمين الناطق الرسمي باسم حكومة الثني لـ»الشرق الأوسط» صحة هذه المعلومات وقال إن معيتيق نجح بالفعل في السيطرة على مقر الحكومة,مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الحالي الثني لم يتم اعتقاله حيث غادر المكان قبل قليل من عملية اقتحامه.

وأوضح الأمين أن ما جرى هو بمثابة اعتداء على الشرعية، مشيرا إلى أن الساعات المقبلة ستكون مليئة بالتطورات، على حد قوله.

واقتحم مقر الحكومة الليبية بعد ساعات قليلة فقط من انتهاء لقاء عقده الثني أمس مع طارق متري رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا , حيث أكد الثني مجددا أن حكومته ليست طرفا في الخلاف الحاصل وليس لها خلاف شخصي مع معيتيق بل خلاف قانوني اكتنف الإجراءات التي اختير بها الحكومة وأن الحكومة ستلتزم بما يصدر عن الهيئات القضائية بالخصوص. ورفض الثني على مدى نحو أسبوعين تسليم السلطة إلى رئيس الحكومة المنتخب حديثا أحمد معيتيق بسبب شكوك بشأن شرعية انتخابه وطالب النواب بحل الأزمة السياسية, وبات في ليبيا الآن رئيسا وزراء وبرلمان معطل بسبب انقسامات بين الفصائل.

وازدادت حالة الفوضى وسط غموض بشأن من يدير البلاد بعد أن دخل النزاع بين رئيسي وزراء يزعم كل منهما أنه يتمتع بالشرعية مرحلة مواجهة قد تفجر عنفا بين الفصائل المتصارعة.

وبينما يستمر الصراع السياسي على السلطة في العاصمة الليبية طرابلس، انفجر المشهد العسكري مجددا في مدينة بنغازي بشرق البلاد التي عاشت ليلة دامية سقط على إثرها 48 شخصا على الأقل ما بين قتيل وجريح في اشتباكات دامية تعد هي الأطول والأعنف من نوعها منذ بدء المواجهات المباشرة التي اندلعت بين الجيش الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وإسلاميين متشددين.

وحوصرت عشرات الأسر في مناطق الاشتباكات في بنغازي بينما تحاول الفرار والنجاة من القصف العشوائي، فيما ناشد المواطنون المؤتمر الوطني والحكومة بالتدخل العاجل لوقف الاشتباكات المسلحة التي تسببت في إيقاف مظاهر الحياة في المدينة. ودارت على مدار ساعات الليل والصباح الأولى اشتباكات عنيفة بين القوات الخاصة، وتنظيم «أنصار الشريعة» في مناطق الهواري والقوارشة وقنفوذة، المحاذية لمدينة بنغازي من الجهة الغربية، إثر محاصرة الكتيبة 21 صاعقة من قبل قوات أنصار الشريعة، كما دارت اشتباكات في منطقة طابلينو وجسر طريق طرابلس.

وأكد مصدر أمني بمديرية الأمن الوطني استهداف مركز شرطة القوارشة في بنغازي بحقيبة متفجرات، مشيرا إلى أن الهجوم أسفر عن وقوع أضرار كبيرة بالمبنى دون أن يسفر عن سقوط أي ضحايا. وساد مدينة بنغازي هدوء حذر وحالة من الترقب تخللته أصوات طلقات نارية بأعيرة مختلفة بين خفيفة ومتوسطة أحيانا، بعد اشتباكات دامت أكثر من ست ساعات في مناطق غرب المدينة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة وقصف جوى.

وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن المصالح العامة والمصارف توقفت تماما عن العمل، بينما كادت حركة المارة والسيارات أن تتوقف تماما في المدينة، التي تعد ثاني كبريات المدن الليبية وعاصمة الثورة ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. ووصفت وكالة الأنباء الرسمية المشهد في المدينة بعد توقف الاشتباكات بأنه حالة سكون تام، مشيرة إلى أن الحركة تكاد تكون معدومة فيها. غير أن المواطنين يقفون في طوابير طويلة على أبواب المخابز، كما أغلقت وزارة التعليم المدارس لتؤجل بذلك برامج الامتحانات النهائية.

وخشية من تفاقم العنف وانتشاره، دعت المستشفيات ومصرف الدم المواطنين إلى سرعة التبرع بالدم، بعدما قال أطباء إن عدد قتلى القتال العنيف ارتفع إلى 18 شخصا، فيما أصيب نحو 30 شخصا في الاشتباكات التي بدأت في أجزاء من المدينة الساحلية عند الفجر ولم تتوقف سوى بعد ظهر أمس، في أطول قتال عرفته المدينة منذ بدء حفتر عمليته العسكرية المسماة بالكرامة ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة. وقال العقيد طيار سعد الورفلي، آمر قاعدة بنينا الجوية، إن «اشتباكات عنيفة جرت بين الجيش ومجموعات من كتائب الثوار السابقين من ذوي التوجه الإسلامي في محيط معسكر الكتيبة 21 التابعة للقوات الخاصة والصاعقة في منطقة قاريونس بجانب الجامعة وسط بنغازي». وأوضح أن «قوات من كتيبة شهداء 17 فبراير وسرايا رأف الله السحاتي، إضافة إلى تنظيم أنصار الشريعة وقوات درع ليبيا، هاجموا في الساعات الأولى من صباح أمس مقر الكتيبة 21 وحاصروا بداخله الجنود وقصفوهم بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة مما خلف عددا من القتلى والجرحى».

وسمع دوي الانفجارات بشكل متواصل وشوهدت طائرات ومقاتلات سلاح الجو الليبي تحلق في محيط الاشتباكات، وبحسب شهود عيان فإن بعض العائلات علقت في حي سيدي فريج في غرب المدينة، وهو أحد معاقل أنصار الشريعة، ما دفع محمد حجازي المتحدث باسم قوات حفتر إلى تكرار مناشدة السكان بمغادرة مناطق القتال. وتأتي هذه المواجهات بعد يوم واحد على شن قوات حفتر لغارات جوية ضد الإسلاميين في بنغازي، حيث استهدفت اجتماعا لجماعة أنصار الشريعة، بحسب ما قال الجنرال صقر الجروشي قائد العمليات الجوية. كما قصفت قوات من الجيش مزرعة الفريق الراحل أبو بكر يونس جابر قائد أركان قوات نظام القذافي في منطقة الهواري، ومزارع أخرى في منطقة سيدي فرج والقوارشة في ضواحي مدينة بنغازي، والتي قال الجيش إنها تتخذ «أوكارا للجماعات الإرهابية».

وكان ثوار سابقون قالوا: إن مقاتلات في سلاح الجو التابع لحفتر نفذت ثلاث غارات جوية أول من أمس على أهداف لكتائب الثوار في مدينة بنغازي، لكن غارتين أخطأتا أهدافهما وأصابتا مواقع مدنية سقط على إثرها جريحان. وكان تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي دعا الليبيين إلى مقاتلة حفتر وما يطلق عليه «الجيش الوطني»، ووصف اللواء المتقاعد بـ«عدو الإسلام»، فيما وصفت السلطات الليبية حفتر بأنه «خارج عن القانون»، رغم أن حملته حظيت بدعم الكثير من الوحدات العسكرية، على رأسها سلاح الجو والقوات الخاصة والصاعقة كما أيدها عدد كبير من الأهالي.

وكانت حكومة الثني استهجنت الهجمات الجوية لمقاتلات حفتر ضد مواقع المتطرفين، وقالت في بيان لـ«الشرق الأوسط» بأن هذا العمل لم يكن بأوامر من وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، مشيرة إلى أن من قام بها (حفتر) يتحمل كامل المسؤولية عن النتائج المترتبة عليها.

وقالت الحكومة «بأنها في الوقت الذي تستنكر فيه وبقوة ما تقوم به الجماعات (المتشددة) من إرهاب وقتل وخطف وترويع للمواطنين، فإنها لا تقر مثل هذه الأعمال من جانب الأطراف التي تدعي أنها تتحدث باسم الجيش الليبي».

وفى خطوة قد تكسبه المزيد من عداء جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، أرسل الثني برقية تهنئة إلى الرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي، حيث أكد حرص الحكومة الليبية على «تعزيز روابط الصداقة وحسن الجوار مع مصر، تحقيقا لمصالح الشعبين الشقيقين». وتزامنت هذه الرسالة مع حلول مفاجئ لوفد وزاري من حكومة الثني في زيارة لم يعلن عنها مسبقا في القاهرة، التي استقبلت الوفد القادم على متن طائرة خاصة من طرابلس في زيارة تستغرق يومين. ورفض فايز جبريل السفير الليبي في القاهرة التعليق لـ«الشرق الأوسط» على طبيعة المناقشات التي سيجريها الوفد، الذي يضم وزير الثقافة الحبيب الأمين، ووزير الصحة نور الدين دغمان ووزير المواصلات عبد القادر أحمد، فيما لم يمكن التأكد إذا كان وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز على رأس الوفد.

في المقابل، التقى أبو سهمين المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي دونيس غويي، الذي أكد أن بلاده تدعم المسار الديمقراطي في ليبيا والتداول السلمي على السلطة. وقال بيان لمكتب أبو سهمين إنه أكد للمبعوث الفرنسي بأن المسار الديمقراطي يسير بشكل ناجح، حيث انتخبت الهيئة التأسيسية وبدأت في صياغة مشروع الدستور، وأن المجالس البلدية تسير انتخاباتها بشكل ناجح، وكذلك جرى تحديد موعد انتخاب مجلس النواب في الخامس والعشرين من الشهر الجاري الذي سيتسلم السلطة من المؤتمر.