الأمن التونسي يعتقل مجموعة إرهابية تنتمي لأنصار الشريعة

تباين المواقف في تونس بشأن الفصل أو الجمع بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية

TT

أعلنت وزارة الداخلية التونسية أمس تفكيك خلية إرهابية تتكون من 14 عنصرا ينتمون إلى تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور.

وجاء في بيان للوزارة أن قوات الحرس الوطني تمكنت، إثر تلقيها معلومات استخباراتية، من اعتقال 14 عنصرا شكلوا «كتيبة أبو بكر الصديق»، المنتمية إلى تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور في جهة قفصة (جنوب البلاد)، وجرت إحالتهم على النيابة العامة.

وأفادت الوزارة بأن هذه المجموعة كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية نوعية بضرب أهداف حيوية وحساسة. وكانت الداخلية أعلنت قبل أيام اعتقال 16 عنصرا إرهابيا كانوا يخططون لاستهداف شخصيات ومنشآت حيوية في البلاد. ويرى خبراء في تونس أن أزمة الإرهاب صارت أكثر تعقيدا اليوم، بحيث أصبحت تتطلب خططا أوسع، ربما تستدعي فتح حوار مع هذه الجماعات، إذ لم تعد تونس مجرد منطقة عبور للإرهابيين، كما تردد ذلك كثيرا في السابق، بل أضحت اليوم في معمعة الحرب على الإرهاب.

وقال رضوان المصمودي، مدير مركز «الإسلام والديمقراطية» في تونس لوكالة الصحافة الألمانية إن «الدور القتالي من مهام وزارة الداخلية والدفاع ضد الجماعات الإرهابية التي تستخدم العنف. لكن هناك معالجة أخرى فكرية وسياسية يجب أن لا نغفل عنها». وأضاف: «يجب أن نفهم لماذا يندفع الشباب نحو هذا التيار.. يجب أن نتحاور معه ونقنعه بأساليب علمية بأن العنف ليس سبيلا لحل المشاكل».

وتدرك تونس أنها تخوض حربا معقدة ضد الإرهاب، لكنها تواجه معضلة مزدوجة لا ترتبط فقط بالنقص الواضح في المعدات والتجهيزات، ولكن أيضا في انخراط منظومة الاستعلامات، وغياب البنية القانونية الواضحة للتعاطي مع القضايا الإرهابية، وغياب مراكز متخصصة تساعد الدولة في هذه الحرب. وربما ساهمت القيادات السياسية في تونس بنفسها، عبر قرارات وسياسات محددة، في إرساء أرضية ملائمة لتغذية الإرهاب، حيث بادرت أول حكومة بعد الثورة إلى حل جهاز أمن الدولة، وأعقبت ذلك بمرسوم العفو التشريعي العام الذي منح الحرية لآلاف المساجين، وبينهم المئات من المتورطين في قضايا إرهابية، أبرزهم أبو عياض زعيم تيار «أنصار الشريعة»، وقيادات أخرى من التنظيم.

واستفادت هذه الجماعات من مناخ الحرية بعد الثورة لتعزز نفوذها في الشوارع وفي المناطق الفقيرة، واستفادت أيضا من حالة الفراغ الأمني بتعزيز جناحها العسكري في بؤر الإرهاب، وهي اليوم ترفع السلاح ضد الدولة وتكبد الجيش والأمن خسائر في الأرواح.

وقال المحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية صلاح الدين الجورشي: «أنا مع العفو كآلية تستعملها الدولة. لكن السؤال هو متى يجب استعمال هذا المبدأ؟ لا بد من حسن اختيار التوقيت.. يجب ألا يكون عفوا عاما، بل يتعين دراسة المشمولين بهذا القرار حالة بحالة».

وسواء كان التوقيت مناسبا أم لا، فإن تحقيق أي نجاح في خطط الحكومة المؤقتة الحالية، والمرتبطة بتوفير مناخ ملائم لإجراء انتخابات مفصلية في تاريخ تونس، وإنجاح الموسم السياحي، وجلب استثمارات جديدة، يتوقف على مدى قدرتها على إحراز تقدم ملموس في معركتها ضد الإرهاب.

من جهة أخرى في خطوة مفاجئة، وبعد اتفاق أولي على مبدأ الفصل بين المحطتين الانتخابيتين، تنتظر عودة الأحزاب السياسية إلى خيار التزامن بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خاصة بعد فشل أول جلسة تفاوض عقدت أول من أمس، ولم تفض إلى اتفاق بين الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي (البرلمان).

وأظهرت نتائج عملية التصويت التي أجرتها قيادات تلك الأحزاب، أن تسعة منها صوتت لصالح أسبقية الانتخابات البرلمانية على حساب الانتخابات الرئاسية، في حين صوتت عشرة أحزاب لفائدة إجراء الانتخابات الرئاسية أولا.

وتوزعت الأصوات يوم الجمعة الماضي بين 11 حزبا لصالح إجراء الانتخابات البرلمانية في مرحلة أولى، وثمانية لصالح الانتخابات الرئاسية. ومن المنتظر حسم هذا الموضوع إما عن طريق التوافق، أو التصويت بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، أو الرجوع إلى التصويت داخل المجلس التأسيسي في حال فشل التوافق السياسي.

وينص الدستور التونسي على نظام سياسي يجمع بين الرئاسي والبرلماني، وهو ما جعل أكثر من حزب سياسي يتمسك بمبدأ التزامن في إجراء الانتخابات، حتى لا تميل كفة النظام السياسي التونسي نحو نظام برلماني في حال إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، أو نحو النظام الرئاسي في حال الاتفاق على أسبقية انتخاب رئيس الجمهورية.

وفي حال الفصل بين الانتخابات، أكد عامر العريض، رئيس الدائرة السياسية لحركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» أن حزبه يشترط تقديم موعد الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية. ويتطابق موقف حزب «المسار الاجتماعي الديمقراطي» (الحزب الشيوعي سابقا) مع موقف حركة النهضة، فيما دعت «حركة نداء تونس»، أبرز منافس سياسي لحركة النهضة، إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في محطة أولى.

واتفقت الجبهة الشعبية (تحالف يضم 12 حزبا سياسيا موزعة بين يساريين وقوميين) و«حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، الذي يتزعمه مصطفى بن جعفر، مع «حركة نداء تونس» حول تقديم الانتخابات الرئاسية، وأعلنت الجبهة أيضا نيتها ترشيح حمة الهمامي للرئاسة، فيما ينوي حزب التكتل تقديم بن جعفر.

وفي هذا السياق، قال الهمامي، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن قضية الفصل أو التزامن بين الانتخابات مرتبطة بتقديرات سياسية. وأضاف في تصريحه أن الجبهة تؤيد مبدأ إجراء الرئاسية أولا لإخراج رئاسة الجمهورية من دائرة الحسابات السياسية الضيقة، على حد تعبيره. وأبدى الهمامي خشيته من تشكل ائتلاف حكومي مؤثر على الانتخابات الرئاسية، في حال تقديم الانتخابات البرلمانية والإعلان عن نتائجها بصفة مسبقة. من جهة ثانية، دعا غازي الجريبي، وزير الدفاع التونسي، إلى تعزيز التعاون الأمني بين تونس والجزائر، وتفعيل اتفاقية التعاون في مجال تأمين الحدود المشتركة بين البلدين. وأشار في لقاء علمي افتتح في العاصمة التونسية أمس حول موضوع «التخوم التونسية عبر العصور» إلى تعقد الوضع الأمني في منطقة المغرب العربي، خاصة بعد استفحال مظاهر الإرهاب وانتشار الجريمة المنظمة، وتنامي مخاطر العبور غير المشروع عبر المناطق الحدودية الوعرة والنائية. وقال لدى افتتاحه هذا اللقاء إن الحدود المشتركة أصبحت تشكل «تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها». وعلى صعيد متصل، قللت مصادر أمنية من أهمية تصريحات صحافية جزائرية أكدت أن عدد الإرهابيين المتحصنين في الحدود التونسية - الجزائرية لا يقل عن 450 عنصرا إرهابيا. وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن عددهم لا يمكن تحديده بدقة، ولكنه حتما لا يرقى إلى هذا العدد.

وقال الفاضل السايحي، وهو نقابي أمني من القصرين، لـ«الشرق الأوسط» إن هذا العدد مبالغ فيه؛ «إذ لا يمكن لأي طرف أمني أو سياسي أن يعطي رقما نهائيا لأعداد الإرهابيين المتحصنين في الجبال الغربية من البلاد». وأشار إلى أن عددهم أقل بكثير من ذلك.

وكانت المؤسسة الأمنية والعسكرية التونسية، التي تخوض مواجهات مسلحة مع العناصر الإرهابية، قد أشارت إلى أن عددهم لا يزيد على 50 عنصرا، وأنها ساعية إلى تضييق الخناق عليهم إلى حين استئصالهم من تلك المناطق والقضاء على الإرهاب في تونس.

في غضون ذلك، ذكرت وزارات الداخلية والتجارة والمالية والصحة في بيان مشترك أصدرته أمس، بالقانون الذي يمنع صنع وتوريد وترويج الألعاب النارية، وذلك إثر استعمال أصوات المتفجرات الاصطناعية (الشماريخ) للتغطية على أصوات الرصاص أثناء تنفيذ العمليات الإجرامية. وأشارت إلى أن السلطات ستلجأ إلى متابعة كل من يخالف هذه القوانين، خاصة بعد أن تبين أن الهجوم الذي استهدف منزل عائلة وزير الداخلية التونسي وأودى بحياة أربعة أمنيين، سبقه إطلاق كثيف للألعاب النارية.