مخاوف من تزايد الانقسامات في تركيا إذا أصبح إردوغان رئيساً

زعيم حزب العدالة والتنمية يريد صلاحيات واسعة ورئيس وزراء «مرنا» يخلفه

TT

في الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات العامة التي هزت حكم رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب إردوغان، نظم نحو ألف من المتظاهرين المناهضين للحكومة مسيرة في إسطنبول السبت الماضي. ولأن رجال شرطة مكافحة الشغب كانوا يفوقونهم عددا سرعان ما فرقتهم قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه إلى الشوارع الجانبية.

كانت ضآلة أعداد المتظاهرين مثالا حيا على تشديد إردوغان قبضته على السلطة رغم السنة الأخيرة التي تميزت باحتجاجات الشوارع والانتقادات الدولية لرد فعله لها واتهامات بالفساد وجهت لحكومته.

وقال أحد المساعدين للتلفزيون التركي في ذات اليوم إن إردوغان سيظل في السلطة حتى عام 2023 إذا فاز في انتخابات الرئاسة التي تجري في أغسطس (آب) المقبل. وتوقع أيضا بأن تعديلات ستدخل على الدستور لتمنح الرئاسة مزيدا من السلطات.

وتكشف مقابلات مع المقربين من إردوغان المزيد من التفاصيل عن شكل رئاسته في المستقبل.

فقد قال مسؤولون كبار لوكالة رويترز إن «مجلس حكماء» سيتألف من حلفاء مقربين في مجلس الوزراء الحالي سيسهم في الإشراف على النشاط الرئيسي للحكومة بما يقلص فعليا دور بعض الوزارات لتؤدي دورا فنيا وبيروقراطيا.

وقالت شخصية رفيعة في حزب العدالة والتنمية الحاكم «سيعملون مع إردوغان في المسائل المهمة في القصر الرئاسي. تستطيع أن تسميهم حكماء أو مجلس استشاري أو مجلس وزراء الظل». وأضافت أن من المرجح أن تشمل هذه المسائل سياسة الطاقة وعملية السلام مع الأكراد وعناصر السياسة الخارجية. وتابعت: «ثقل الرئاسة سيكون محسوسا بدرجة أكبر في القرارات».

ولم يعلن إردوغان حتى الآن ترشحه للرئاسة لكنه لم يخف طموحه. ويقول المحيطون به بأنه اتخذ القرار بالفعل. وتشير نتائج الانتخابات البلدية التي جرت في 30 مارس (آذار) الماضي وفاز فيها الحزب الحاكم بنسبة 43 في المائة من الأصوات على مستوى البلاد إلى أنه من الممكن أن يحقق أغلبية في الجولة الأولى خاصة إذا ضمن تأييد الأقلية الكردية. وقال مسؤول كبير من الحزب «لم تعد هناك علامة استفهام. وإذا لم يطرأ أي موقف استثنائي فسيعلن إردوغان ترشحه ونحن نتوقع أن يفوز في الجولة الأولى». ربما لا يكون إردوغان قد رسم النظام الرئاسي الذي يريده لتركيا بالكامل لكنه أوضح أن الطبيعة المباشرة لانتخابات أغسطس ستمكنه من ممارسة سلطات أكبر من صلاحيات الرئيس الحالي عبد الله غل، علما بأن البرلمان كان يعين الرؤساء السابقين.

وكان دور غل شكليا إلى حد كبير. فالدستور الحالي يقضي بأن يمتلك الرؤساء سلطة تعيين رئيس الوزراء وعقد اجتماعات مجلس الوزراء وترؤسها ورئاسة مجلس الأمن القومي ومجلس الإشراف على الدولة الذي يتولى تدقيق الهيئات العامة. وقال جوناثان فريدمان محلل شؤون تركيا لدى مؤسسة «كونترول ريسكس» لاستشارات المخاطر العالمية ومقرها لندن: «توجد سلطات كثيرة خاملة يمكن لإردوغان الرئيس أن يستخدمها». وأضاف: «السياسة في حزب العدالة والتنمية يرسمها منذ مدة طويلة إردوغان وزمرة صغيرة من المستشارين... وسيستمر ذلك من (الرئاسة) ومن هنا تنبع أهمية وجود شخص مرن يخلفه في رئاسة الوزراء للتنسيق مع أعضاء البرلمان وإقرار القوانين».

وتمنع قواعد الحزب إردوغان من تولي منصب رئيس الوزراء فترة رابعة وتنص على أن أعضاء البرلمان الذين أمضوا ثلاث فترات في مواقعهم عليهم تركها لإتاحة الفرصة لغيرهم. وستؤدي هذه القاعدة التي أوضح إردوغان معارضته لتغييرها إلى استبعاد 73 عضوا من أعضاء البرلمان من الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2015 فيما يشير إلى تعديل وزاري كبير وتغيير رئيسي في صفوف الحزب الحاكم.

وقال مسؤولون كبار في الحزب بأن إردوغان يحرص على اختيار رئيس وزراء ورئيس جديد للحزب لا تعوقه قاعدة الثلاث فترات وقادر على شغل المنصب فترتين متتاليتين. ومن أبرز المرشحين وزير الخارجية أحمد داود أوغلو ونائب رئيس الوزراء أمر الله اسلر.

ومن الاحتمالات المطروحة منذ فترة طويلة أن يخلف غل إردوغان في رئاسة الوزراء لكن هذا الاحتمال يبدو مستبعدا الآن بعد أن استبعده غل في أبريل (نيسان) فيما يبدو قائلا: إنه لن يكون ملائما للديمقراطية.

ومن المرجح أن ينضم بعض كبار النواب الذين سيخرجون من البرلمان بسبب قاعدة الفترات الثلاث إلى «مجلس الحكماء»، ومنهم وزير العدل بكير بوزداج ووزير الطاقة تانر يلدز ونائبا رئيس الوزراء بولنت ارينك وبشير أتالي. وقال مسؤول رفيع في الحزب «في النهاية، إردوغان هو الذي سيكون له القول الفصل في كل القرارات المماثلة».

السبت الماضي، قام سكان في بعض المناطق بتعليق أوعية آنية من نوافذهم في علامة تقليدية على الاحتجاج بينما كان متظاهرون يرددون هتافات تطالب إردوغان بالاستقالة ورجال الشرطة يطاردونهم. لكن جانبا كبيرا من الطاقة تبدد من حركة الاحتجاج التي استمرت في العام الماضي أسبوعا بعد أسبوع.

ووصف إردوغان المحتجين بأنهم مخربون وإرهابيون وفوضويون وعزز الأداء القوي لحزبه في انتخابات مارس الإحساس بأن ما من شيء يمكن أن يوقف صعوده رغم تزايد حالة الاستقطاب في البلاد. وتلعب تصريحات إردوغان على وتر انقسام في المجتمع التركي بين شريحة سكانية علمانية إلى حد كبير تنظر بارتياب للمثل الإسلامية المحافظة وكتلة متدينة من الطبقة العاملة ترى فيه بطلا لإعادة القيم الدينية للحياة العامة ولقيادة البلاد على مدى عقد شهد نموا اقتصاديا. ويقول خصومه بأن هذه الاستراتيجية تتعمد مخاطبة نصف السكان فقط وتتجاهل النصف الباقي.

لكن حتى رأي منتقدي إردوغان يسلمون بأنه أشرف على خروج تركيا من مشاكلها المالية لتصبح واحدة من أشد الاقتصادات دينامية في العالم. وقال دبلوماسي في أنقرة «أحد المخاوف الكبرى أن تتخذ الحكومة سياسات شعبوية تؤثر بشكل جسيم على النمو لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد». وأضاف: «إردوغان رجل ذكي يمكنه أن يحول أصعب المواقف لصالحه. فهو يركز فقط على الخمسين في المائة ومرجعه الوحيد هو البقاء في السلطة».