منصور يوصي السيسي في «خطاب الوداع» بتجنب «أصحاب المصالح»

أشاد بالدول التي سنادت مصر وأكد لـ«المعسكر الآخر» أن الدولة ستظل باقية «بكم أو من دونكم»

الرئيس عدلي منصور خلال خطابه التلفزيوني الوداعي للمصريين أمس («الشرق الأوسط»)
TT

حيا الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، في خطاب وداعي أمس، الشعب المصري على وعيه السياسي وشعوره الرفيع بالمسؤولية، وإنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية على نحو مشرف، وقال: «لقد برهنتم أنكم تدركون قدر وخطورة ما تواجهه مصر من تحديات»، كما نصح خليفته الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي بـ«حسن اختيار معاونيه»، والحذر من «جماعات المصالح»، مشيدا بمواقف الدول التي ساندت مصر خلال الفترة الانتقالية، وموجها رسالة إلى من سماهم بـ«المعسكر الآخر» من الدول، قائلا إن «مصر ستظل باقية وخالدة بكم أو من دونكم».

وأعرب منصور، في خطاب يختتم الفترة الانتقالية التي انتهت بإعلان السيسي رئيسا منتخبا لمصر، عن شكره لشعب مصر، وكذلك «للدولة المصرية التي حافظت مؤسساتها على الحياد بين المرشحين المتنافسين في انتخابات الرئاسة». وأضاف منصور: «أودعكم اليوم بعد عام من المسؤولية الجسيمة والأمانة الكبيرة بكل ما فيها من تحديات وصعوبات. إنني كمواطن مصري فخور بهذا الوطن وحضارته، وواثق من أن مصر ستستعيد مكانتها في المستقبل القريب».

وافتتح منصور خطابه قائلا: «شَعبَ مِصرَ الْعَظِيم. لقد أثبتم أنكم أهل لهذا الوطن العظيم، كما برهنتم أنكم تدركون قدر وخطورة ما تواجهه مصر من تحديات.. لقد أنجزتم الانتخابات الرئاسية على الوجه الأكمل ويقيني أنكم ستنجزون ما تبقى من استحقاقات خريطة المستقبل على ذات النحو المشرف والبدء في مرحلة البناء المقبلة».

وقال منصور «إنني كمواطن مصري فخور بهذا الإنجاز الكبير الذي قمتم به، فخور بوعي وتصميم وصلابة هذا الوطن وشعبه، نحن جديرون بهذا الوطن وحضارته، وإنني على ثقة في أننا سنستعيد مكانتنا ودورنا الرائد في مستقبل قريب جدا». كما وجه الشكر للدولة المصرية ومؤسساتها التي حافظت على عهدها بالحيادية والبقاء على مسافات متساوية من المرشحين.

وأوضح منصور أنه يوجه حديثه مودعا «بعد أن شرفت برئاسة مصر ما يناهز العام»، مشيرا إلى أنه «عام من المسؤولية الجسيمة والأمانة الكبيرة، لم أكن أتصور يوما - وأنا في صفوف الجماهير - هذا العبء وحجم التحديات وصعوبة المهمة، أن تكون مسؤولا عن بلد بحجم مصر التي كما تتطلب أداء رئاسيا يتناغم مع عظمة تاريخها ويتفاعل مع واقع حاضرها ويخطط لقادم مستقبلها، فإنها تفرض أيضا أن يكون دؤوبا مخلصا وأمينا يواجه مشكلات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويدبر الموارد اللازمة للتغلب عليها ويحشد الطاقات التي تعمل على تأمين مستقبل هذا الوطن وأبنائه».

وأكد الرئيس المصري أنه قبل المهمة «أداء للواجب، ولعلكم تعلمون أنني لم أكن أود القيام بها؛ إلا أنه من منطلق المسؤولية الوطنية ووفاء لما أدين به من أفضال لا تعد لهذا الوطن الغالي، لبيت النداء. وقد تحملت مسؤوليات صعبة والتزامات جسيمة وحملت أسرتي مخاوف أمنية وقيودا اجتماعية، وحرصت على أن أكون أمينا في أدائي للتكليف رئيسا لمصر وللمصريين، كل المصريين، لا أقبل تدخلا أو وصاية من أحد من داخلها أو خارجها، وأستمع للجميع وأقيم الشورى، ثم أتخذ القرارات المناسبة وأتحمل مسؤوليتها أمام الله والوطن».

كما أشاد منصور بدور الجيش والشرطة قائلا: «اسْمَحُوا لِي أنْ أَنسِبَ الْحَقّ لِأَصْحَابِهِ. فَرغم أنّ الثلاثين من يونيو (حزيران) تُمَثِلُ الْإرَادة الشّعبِيّة الْمِصرِيّة، إلّا أنّنَا مَا كُنّا لِنَنْجَحَ فِي تَحقِيقِ هَذِه الْإرَادة دُونَمَا الدّورِ الْوَطَنِي لِرِجَالِ الْقُوّاتِ الْمُسَلّحَة الْبَواسِلِ ورِجَالِ الشّرطَة الْأبطَال. فَبِاِسْمِ الشّعبِ الْمِصرِي الّذِي أَتَى بِي عَلَى رَأسِ الْوَطنِ فِي هَذِه الْمَرحَلَة، أَقولُ لَهُمْ إنّ التارِيخَ الّذِي عَرَفَ مِصرَ مُوَحّدَة مُنذُ مِينَا مُوَحِدِ الْقُطْرَينِ. سَيَذْكُرُ لَهُمْ أنّهُمْ حَالُوا دُونَ سُقوطِ أَقدَمِ دَولة مَركَزِيّة فِي التارِيخ».

وتحدث منصور عن مجمل التحديات التي مرت بها مصر خلال توليه المسؤولية، قائلا إن الوطن «يُواجِهُ تَحدِيَاتٍ لا تُهدِدُ هُوِيّتَهُ فَقَطْ، بَلْ وِحدة شَعبِهِ وأرَاضِيهِ. وَطنٌ مَرِضَ جَسَدُهُ عَلَى مَدارِ عُقودٍ مَاضِيَة، وأُرِيدَ لِلجَسَدِ الْمُنهَكِ أنْ يُسْتَباحَ فِيمَا تَبقّى لَهُ مِنْ حَياة»، موضحا أن مصر شهدت حَالة مِنَ الاِرتِبَاكِ السِياسِي «وشَعبٌ ثَارَ عَلَى نِظَامَي حُكْمٍ فِي أَقَلّ مِنْ ثَلاثَة أَعوَامٍ. واحتكَارٌ لِلدِينِ والْوَطنِ. ومُنَاخٌ عَامّ مِنَ الاحتقَانِ السِياسِي، وظُرُوفٌ اِقتِصَاديّة مُرتَبِكَة. ثُمّ تَلا ذَلكَ إرهاب أَعْمى لا دِينَ لَهُ ولا وَطنَ، يُرِيدُ فَرْضَ رُؤاهُ الْمُخالِفَة لِحَقيقة الدِينِ».

وعن المواقف الخارجية، أشار منصور إلى أنه «يُضَافُ إِلَى تَردِي الْأَوضَاعِ الدّاخِليّة، مَوقِفٌ دُوَلِي مُنقَسِمٌ مَا بَينَ دُوَلٍ رَبَطَتْ مَصالِحَهَا بِالنِظامِ السّابقِ واستثمرَتْ فِيهِ واتّخذَتْ إِزَاءَ مِصرَ وثَورَتِهَا الشّعبِيّة مَوقِفا سَلبِيّا، فانهارت مُخطّطَاتُهَا عَلَى أَيدِي الْمُخلصِينَ مِنْ أَبناءِ هَذَا الْوَطَنِ. ودُوَلٍ كَانَتْ تُؤْثِرُ الصّمْتَ ولا تَمُدّ يَدَ الْعَونِ، وإنّمَا تُراقِبُ الْمَوقِفَ اِنتِظَارا لِوضُوحِ مَعالم الْمَشهَدِ السِياسِي أَكثَرَ فَأَكثَر. ولا يُخفَى عَلَيكُمْ أنّ ثَورة الثّلاثِينَ مِنْ يُونيو كَانَتْ لَهَا طبيعَة كَاشِفة، أَظهَرَتْ مَعادِنَ الرِجالِ ومَواقِفَ الشّرفَاء. فَتَحِيّة تَقديرٍ وامْتِنانٍ لِأشِقّائنَا الّذِينَ دَعَمُونَا مُنذُ الْيَومِ الْأَولِ، الّذِينَ طَالَمَا تَبادَلَتْ مِصرُ مَعَ دُولِهِمْ الشّقِيقة أَدوارَ الْمُسَاندة والتأييدِ فِي الشّدَائدِ. تَحيّة إلَى السعودية والْإمارات والْكُوَيتِ والْبَحرَينِ والْأُردُن وفَلَسطِين».

وتابع منصور قائلا: «أمّا لِلمُعَسْكَرِ الآخَرِ، فَأقُولُ إنّ مِصرَ قَدِيمَة قِدَمَ التارِيخِ. كَانَتْ وسَتَظلّ بِإذْنِ اللهِ تَعَالَى بَاقِيَة خَالِدَة، بِكُمْ أو من دُونِكُمْ، سَواءٌ كُنتُمْ مَعَهَا أو عَلَيهَا. واعْلَمُوا أنّهَا عَائِدة لَا مَحَالَة لِدَورِهَا ومَكانتِها فِي الْمنطقة شِئتُمْ أَمْ أَبَيتُمْ، فَهَذَا قَدرُهَا وهَذِه رِسَالتهَا، رِسَالة تَفرِضُهَا مُقوِمَاتُها التارِيخيّة والْجُغرافِيّة والْبَشرِيّة. وأمّا استمرَارُكُمْ فِي مَواقِفِكُم الْخَاطِئة، فَأثرُهُ الْوَحيدُ زِيادَة كُلْفَة تَصوِيبِ تِلكَ الْمَواقِفِ فِي الْمُستَقبَل».

وأوضح منصور إلى أنه لم يخالف رَغبَة الشّعبِ خلال فترة إدارته للبلاد؛ مَا دَامَتْ مُتَوافِقَة مَعَ صَالِحِ الْوَطنِ ولا تَتَنَاقَضُ مَعَ مَا أَتَاحَهُ الْمَنصِبُ الرِئاسِي مِنِ اطّلاعٍ عَلَى مَعلُومَاتٍ لَيسَتْ مُتَاحَة. وأنه استجابْ لِنَبضِ الشّعبِ حِرصا عَلَى إنجَازِ الْمَرحلَة الاِنتِقالِيّة. مشددا «لَمْ أَتعصّبْ أَبدا لِرَأي أو أُصِرْ عَلَى وِجهَة نَظَرٍ. وكُنتُ مُدرِكا تَماما عَلَى قِصَرِ الْمُهمّة التي لَمْ تَتجَاوَزْ عَاما وَاحِدا»، وتابع: «هَا نَحْنُ قَدْ أَنْجَزْنَا الاستحقَاقَ الرّئيسِي الثّانِي وهُو الانتخابَاتُ الرِئاسِيّة. لِأُسَلِمَ رَاية الْوَطنِ للرَئيسِ المُنتَخَبِ لِيُكْمِلَ الْمَسيرَة ويَقُودَ هَذِه الْأُمّة نَحوَ آفَاقِ التقدّمِ والاِزْدِهَار».

وقال منصور موجها حديثه للرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي: «أقول له أحسن اختيار معاونيك. فهم سندك ومعينوك على ما سيواجهك من مشكلات داخلية صعبة ووضع إقليمي مضطرب وواقع دولي لا يعرف سوى لغة القوة والمصالح». وأضاف: «تقتضي الأمانة أن أحذر من جماعات المصالح التي تود أن تستغل المناخ السياسي الجديد لطمس الحقائق وغسل السمعة وخلق عالم من الاستفادة الجشعة، يمكن هذه الفئات من استعادة أيام مضت يود الشعب المصري ألا تعود أبدا».