الجيش النيجيري يفتش سيارات الصحف ويعتقل ثلاث مراهقات يتجسسن لـ«بوكو حرام»

تقارير عن مئات القتلى خلال الـ48 ساعة الماضية

طلاب إحدى المدارس الثانوية يستعدون لعقد اجتماع وطني في أبوجا من أجل الإفراج عن المختطفين أمس (رويترز)
TT

اتهمت ثلاث صحف نيجيرية الجيش بمصادرة بعض نسخها المطبوعة، أمس، ومنع عربات التوزيع في أنحاء البلاد، بينما اتهمت إحدى الصحف الثلاث الجيش باللجوء إلى قمع وسائل الإعلام.

وقالت وزارة الدفاع، إن الجنود فتشوا عددا من العربات بحثا عن مواد حساسة غير محددة سمع أنه يجري نقلها مع الصحف المطبوعة، لكنها أصرت على أن الجنود لم يكونوا يعتزمون منع الصحف نفسها.

وذكرت صحيفة «ذا بانش» اليومية واسعة الانتشار على موقعها الإلكتروني، أنه جرى تعطيل توزيع طبعتها وطبعات صحف أخرى في مطار لاغوس وفي محاور أخرى في خطوات تعيد إلى الأذهان الديكتاتورية العسكرية في البلاد.

وقال عاملون في صحيفتي «ذا نيشن وليدرشيب» لـ«رويترز»، إنه جرى منع بعض عربات التوزيع التابعة لهما دون إبداء أسباب.

وتخلصت نيجيريا من الديكتاتورية العسكرية في عام 1999 وحظيت بإشادة واسعة النطاق لصحافتها الحرة، حيث يهاجم الكتاب ورسامو الكاريكاتير عادة كبار المسؤولين بمن فيهم الرئيس جودلاك جوناثان.

وكان الجيش النيجيري أعلن أمس أنه بدأ حملة تفتيش سيارات تنقل صحفا، لأسباب أمنية، نافيا مع ذلك أي نية لكم أفواه وسائل الإعلام التي تنتقده.

وبحسب المتحدث باسم الجيوش كريس أولوكالودي، فإن عمليات التفتيش هذه «تأتي عقب معلومات لأجهزة الاستخبارات حول نقل مواد يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على الأمن في البلد مستخدمة شبكة توزيع الصحف المكتوبة».

وأعلن أولوكالودي، أن «الجيش يقدر ويحترم دور وسائل الإعلام التي تعد شريكا لا غنى عنه في عملية مكافحة التمرد القائم».

وأضاف: «وبهذه الصفة، لن يخرق الجيش حرية الصحافة عمدا ومن دون سبب». وأوضح أن عملية التفتيش هذه «عملية أمنية روتينية».

في غضون ذلك، ذكرت وكالة الأنباء النيجيرية، أمس، أن الجيش اعتقل أربع مراهقات متهمات بالتجسس لصالح جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتشددة. واحتجزت قوات خاصة من الجيش في البداية فتاة 13 عاما في منطقة الحكومة المحلية «جوزا» بولاية بورنو شمال البلاد، والتي قادت الجنود إلى ثلاث فتيات أخريات مجندات من قبل «بوكو حرام» لنقل معلومات عسكرية.

وعثر على بندقية آلية «إيه كيه 47» مع إحدى الفتيات. وقالت الوكالة النيجيرية، إن الاعتقالات أثارت مخاوف داخل الجيش من وجود استراتيجية أوسع لـ«بوكو حرام» لتجنيد الأطفال للتجسس على الجنود، استعدادا لشن هجمات.

ولقي نحو 200 شخص حتفهم خلال عدة هجمات لـ«بوكو حرام» في منطقة جوزا الأسبوع الحالي فقط. وقتلت «بوكو حرام» (التي تعني التعليم الغربي حرام) أكثر من 1500 شخص في شمال نيجيريا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

وتتالت المجازر المنسوبة إلى إسلاميي جماعة «بوكو حرام» خلال الساعات الـ48 الماضية في شمال شرقي نيجيريا، حيث سقط «مئات» القتلى ودمرت قرى بأكملها الثلاثاء وأطلق مسلحون النار على حشد من الناس الأربعاء فقتلوا 45 شخصا.

وأفاد سكان ومسؤولون محليون الخميس بأن مئات الأشخاص قتلوا برصاص مقاتلين مدججين بالسلاح يرتدون الزي العسكري دمروا مساء الثلاثاء بالكامل قرى غوشي واتاغارا وأغابلوا انغاجارا في ولاية بورنو (شمال شرق).

وتحدث زعماء محليون عن مقتل ما بين 400 و500 شخص، لكن السلطات لم تؤكد هذه الحصيلة التي إذا تتبين أنها صحيحة ستكون من الأكبر منذ بداية حركة التمرد الإسلامية في 2009 التي تسببت في سقوط ألفي قتيل هذه السنة.

وقال بيتر بيي نائب المنطقة، إنه «لا أحد يستطيع الوصول إلى ذلك المكان الذي ما زال فيه المتمردون. لقد سيطروا على كل المنطقة»، مؤكدا أن «جثثا ممددة في كامل المنطقة وقد فر السكان».

ووقعت مجزرة مماثلة في مدينة غمروبو نغالا في المنطقة التي سقط فيها 300 قتيل مطلع مايو (أيار) .

ووقعت مجزرة أخرى مساء الأربعاء قتل فيها 45 نيجيريا في ضواحي مايدوغوري، كبرى مدن ولاية بورنو معقل حركة التمرد الإسلامية، وفق ما أفاد به الخميس الماضي اثنان من السكان.

وروى الناجي ملام بونو، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن قرويين تجمعوا في برديري للاستماع لرجال قالوا إنهم دعاة متجولون، وهي ظاهرة عادية في شمال نيجريا، حيث أغلبية السكان من المسلمين، فخرج حينها «من حيث لا يدري أحد» مسلحون أطلقوا النار على الحشود. وأضاف: «أحصيت 45 جثة».

وقال كلامو بوكار الذي نجا أيضا من المجزرة، إن رجالا «متنكرين في هيئة دعاة» انضموا بعدها إلى المسلحين و«أضرموا النار في عدة منازل ومحلات تجارية».

كذلك يشتبه بأن «بوكو حرام» أطلقت النار مساء الخميس الماضي على حاجز للجيش وأحرقت كنيسة كاثوليكية وبناية حكومية في مدينة مداغالي (شمال شرقي ولاية أداماوا) على مسافة 25 كلم من مقاطعة جووزا، حيث وقعت مجزرة الثلاثاء، كما قال زعيم البلدة ماينا أولارامو.

وقال هذا الأخير إنه لم يبلغ بسقوط ضحايا، لكن شاهدا قال إنه رأى مدنيين قتلا لأنهما علقا بين الجيش والمهاجمين.

من جانب آخر، قتل أربعة أشخاص الخميس الماضي بانفجار سيارة مفخخة أمام منزل حاكم ولاية كومبي (شمال شرقي مدينة كومبي) وفق ما أفاد به وكالة الصحافة الفرنسية مصدر حكومي.

وفي مقاطعة جووزا، حيث تقع القرى الأربع التي هوجمت الثلاثاء، ما زال الوضع خطيرا. وأعلن زعيم محلي طلب عدم ذكر اسمه، أن «مئات الجثث منتشرة هناك لأنه لا يستطيع أحد الذهاب إلى هناك لدفنها». وقال إن أطفالا صغارا «انتزعوا من ظهور أمهاتهم وقتلوا».

وتقع مقاطعة جووزا على طول الحدود الكاميرونية قرب غابة سمبيزا، حيث يركز الجيش النيجري بحثه على التلميذات المائتين اللاتي خطفهن مقاتلو «بوكو حرام» في 14 أبريل (نيسان).

وفر الكثير من سكانها إلى الكاميرون وانتشر جنود لقتال الإسلاميين الذي سيطروا على سبع قرى على الأقرب ترفرف عليها الراية السوداء، كما قال بيي الأربعاء الماضي.

وتحدث الزعيم القبلي طالبا عدم كشف هويته عن «أزمة إنسانية»، وهو ما أكده نظيره زكاري هابو، مؤكدا أن «النساء والمسنين في قريتنا في حاجة إلى ماء وطعام والجرحى في حاجة إلى أدوية، والجميع في حاجة إلى مأوى». وقصف الطيران مواقع «بوكو حرام» في محاولة استعادة المنطقة، وفق ما أعلن بيي.

وقال عبا غوني من سكان قرية غوسي ومعظمهم من المسلمين، إن نحو 300 منزل من تلك القرية دمرت وكذلك مساجدها و«ما لا يقل عن مائة شخص قتلوا».

وفي أتاغارا، حيث أغلبية السكان من المسيحيين، أحرقت المنازل والكنائس وقتل عشرات الأشخاص وفق الشاهد بولوس ياشي الذي عد أن أعمال العنف هذه «انتقام» من قبل الإسلاميين من سكان هذه القرية الذين قتلوا بعض المهاجمين خلال الأيام الأخيرة.

ويقول السكان إنهم طلبوا حماية الجيش بعد هجوم الأحد، لكن لم يرسل إلى أتاغارا أي جندي.

ولم يعلق المسؤولون العسكريون والشرطيون المحليون في ولاية بورنو على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية في هذا الشأن.

وازدادت هجمات «بوكو حرام» عددا وشراسة خلال الأشهر الأخيرة ودمرت قرى بأكملها، لا سيما في شمال شرقي نيجيريا المجاور للكاميرون وتشاد والنيجر.

ونزح نحو 250 ألف شخص من ديارهم منذ فرض حالة الطوارئ في المنطقة قبل سنة، وفق تقرير مرصد وضع التنقلات الداخلية وتحدثت منظمة غير حكومية استنادا إلى أرقام الأمم المتحدة عن ثلاثة آلاف قتيل في الفترة نفسها. وأوضحت المنظمة أن نحو 800 شخص ينزحون يوميا بسبب أعمال العنف. وتساعد ميليشيات دفاع ذاتي مدنية الجيش في مكافحة الإسلاميين ما يدفع بهؤلاء إلى الانتقام من السكان.

وأصبحت الكاميرون التي كانت جارة غير عابئة بخطر «بوكو حرام»، تشن «حربا» على الإسلاميين واعتقل عشرون شخصا يشتبه بانتمائهم إلى الجماعة الإسلامية الأربعاء في أمشيدي (أقصى الشمال) وفق مصدر أمني.

ورغم هذه التطورات أعربت الحكومة الألمانية عن تشككها حيال تقديم دعم عسكري لنيجيريا. وفي مقابلة مع القناة الأولى بالتلفزيون الألماني، قال كريستوف شتراسر، مفوض الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، أمس: «أعتقد أن تقديم مساعدة عسكرية سيكون له نتائج عكسية تماما، فهذا سيقود إلى مذبحة مرعبة ولن يساعد أحدا».

وفي نفس الوقت، رأى شتراسر أنه من الممكن الحديث عن تعاون بين القوى الشرطية وتقديم الدعم لنيجيريا في مجال تأمين الحدود.

وأعرب شتراسر عن اعتقاده أن الهجمات التي تحدث في نيجيريا لا تتعلق بحرب دينية، بل بصراع على السلطة ومصادر الثروة، وقال: «إنه صراع على النفوذ والمال».