اقتراب موعد انتخابات الرئاسة التركية يحرك عملية السلام مع الأكراد

إردوغان يطمع في الدعم الكردي لشغل المنصب في أغسطس المقبل

أنصار حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض يتظاهرون ضد حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أعاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، المرشح المرجح فوزه، فجأة إحياء عملية السلام الكردية المعلقة تحت ضغط المتمردين الواثقين بقدرتهم على انتزاع تنازلات منه؛ فبعد أن حجبتها الأزمة السياسية المستمرة التي تهز أنقرة لأشهر طوال عادت المسألة الكردية منذ 15 يوما لتحتل واجهة الأحداث السياسية في تركيا.

فمنذ نحو أسبوعين قام مئات الشبان، خصوصا تحت راية حركة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، بسد طريق بين دياربكر وبنغول للتنديد ببناء منشآت عسكرية. ووقعت صدامات بين رجال الدرك استخدمت فيها أحيانا أسلحة نارية، مما أسفر عن سقوط ستة جرحى في صفوف قوات الأمن في الأيام الأخيرة. وما يزيد من أجواء التوتر أيضا اعتصام عشرات الأمهات أمام بلدية دياربكر «عاصمة» الأقلية الكردية في تركيا للتنديد بـ«خطف» أولادهن من قبل الحركة الكردية المتمردة. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، دافعت الحكومة عن هؤلاء الأمهات من خلال نشر تقرير أشار إلى 700 عملية «تجنيد بالقوة» لقاصرين من قبل حزب العمال الكردستاني منذ بداية عام 2013، حتى إن إردوغان نفسه تدخل للمطالبة بالإفراج عنهم، وقال مهددا: «إن لم يفرج عنهم حزب العمال الكردستاني فلدينا خطة (ب) وخطة (ج)». فرد زعيم حزب السلام والديمقراطية الكردي صلاح الدين دميرطاش: «إنها سياسة ولهجة رئيس الوزراء التي تدفع الأطفال إلى الانضمام للمقاومة».

وهكذا تصاعدت اللهجة المتبادلة علنا بين الفريقين بشكل ملحوظ في موازاة المحادثات الجارية بينهما.

وفي مارس (آذار) 2013 أعلن الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة أمرالي (شمال غربي تركيا) وقفا لإطلاق النار من جانب واحد أُتبع بعد شهرين من ذلك ببداية انسحاب مقاتليه نحو قواعدهم الخلفية في العراق، لكن المتمردين علقوا هذا التحرك في الخريف التالي متذرعين بوعود لم تف بها أنقرة. وبعد أن تباطأت خلال أشهر، تشهد عملية السلام وتيرة متسارعة في الوقت الحاضر.

وصرح نائب رئيس الوزراء بشير أتالاي المكلف الملف الجمعة: «إننا متفائلون ومصممون. وقد بتنا أقرب من حل»، مشيرا إلى «خطة تحرك جديدة» قيد الإعداد دون مزيد من التفاصيل. وتوقع نائب حزب الشعب والديمقراطية، سري ثريا أوندر، من جهته بعد لقاء مع أوجلان أن تفضي هذه المحادثات «إلى نتائج».

وفي أواخر عام 2013 اتخذت الحكومة مبادرات تجاه الأكراد، مثل منح حق التعليم الخاص باللغة الكردية في المدارس الخاصة، لكن ممثلي هذه الأقلية المقدرة بـ15 مليون نسمة عدوها خجولة جدا وكرروا مطالبهم خصوصا بالحصول على حكم ذاتي واسع في الجمهورية التركية.

وأيا تكن النتائج يبدو أن هذا التحرك المفاجئ لإحياء عملية السلام مرتبط مباشرة بالاستحقاق الرئاسي المرتقب في أغسطس (آب)، وينطوي على الكثير من النوايا المبطنة. وأشار نهاد علي أوزجان خبير الشؤون الأمنية في مؤسسة «تيباف» للأبحاث الاقتصادية السياسية في أنقرة إلى أن «متمردي حزب العمال الكردستاني يريدون انتزاع أكبر عدد ممكن من التنازلات من إردوغان الذي هو بحاجة للصوت الكردي لانتخابه رئيسا».

لكن التوصل إلى اتفاق محتمل يبدو أمرا معقدا، لأن الكثير من الأتراك ما زالوا معارضين للحوار مع أوجلان الذي لا يزالون يصفونه بـ«الإرهابي». وحذر زعيم حزب الحركة القومية المعارض، دولت بهتشلي، الحكومة بقوة، وتساءل: «بماذا وعدهم؟ وما التعهد الذي حصل عليه؟»، منددا بـ«ضعف» النظام.

لكن المراقبين يرون أن إردوغان لا يبدو مع ذلك مستعدا للقبول بالمطالب الكردية لوضع حد لهذا النزاع الذي أسفر عن سقوط 45 ألف قتيل منذ عام 1984، ويرى أوزجان أن إردوغان «سيسعى جاهدا في البداية إلى عدم استفزاز القوميين أكثر من سعيه إلى دعم الناخبين الأكراد». وقال: «أتوقع أن يقوم ببعض التنازلات غير الاستراتيجية (...) التي لن ترضي الأكراد لكن لن تثير أيضا رفضا عنيفا من قبل القوميين».