روحاني يبحث الانفتاح الاقتصادي عبر تركيا.. وتحييد الملفات الخلافية

الرئيس الإيراني اقترح خفضا للأسلحة التقليدية.. وغل دعاه إلى احترام الجيرة مع دول الخليج

الرئيس التركي عبد الله غل والرئيس الإيراني حسن روحاني يستعرضان حرس الشرف في القصر الرئاسي بأنقرة أمس (إ.ب.أ)
TT

بدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس، زيارة رسمية إلى تركيا، هي الأولى على هذا المستوى منذ 18 سنة، بدا من خلالها أن الجانب الإيراني يأمل بمزيد من الانفتاح على تركيا في الجانب الاقتصادي الذي يجمع الطرفين بعد «تحييد» العامل السياسي الذي يفرقهما، خصوصا في الملف السوري، بالإضافة إلى الملف المصري والعلاقة مع دول الخليج.

وقال مسؤول تركي لـ«الشرق الأوسط» إن الجانب التركي أبلغ روحاني بضرورة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وحسن الجوار، مشيرا إلى أن غل أكد لنظيره التركي أن بلاده حريصة على أمن دول الخليج ورفاهها وتطلعاتها، من دون تدخل أي أحد في شؤونها الداخلية.

وأوضح كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلو أن اللقاء بين غل وروحاني تطرق إلى الأمور الاقتصادية والسياسية، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه جرى التركيز على موضوع الاستثمارات المتبادلة، خاصة في قطاعي الفنادق والسياحة. وقال إن الجانب الإيراني ركز خصوصا على تعزيز المواصلات بين البلدين، وخطوط السكك الحديد، وربط البلدين بالبلدان المجاورة.

واعترف هورموزلو باستمرار «الاختلاف في وجهات النظر» في الشأن السوري، مشيرا إلى أنه جرى الاتفاق على استمرار التشاور بين البلدين في الملف السوري، كما الاتفاق على مبدأ يقول بضرورة الحل السلمي للأزمة السورية بما يرضي الشعب السوري ويراعي حقوقه المشروعة. كما أشار إلى توافق الجانبين على حق استخدام الطاقة النووية السلمية ورفض أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، موضحا أن الرئيس الإيراني اقترح إزالة بعض الأسلحة التقليدية.

واستقبل الرئيس التركي عبد الله غُل نظيره الإيراني في مراسم رسمية في قصر «تشانكايا» الرئاسي، بالعاصمة التركية أنقرة. وحضر المراسم من الجانب التركي، نائب رئيس الوزراء علي باباجان، وعدد من الوزراء، بينهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية طانر يلدز، ووزير الداخلية إفكان آلا، وغيرهم من المسؤولين.

وأعرب الرئيس روحاني في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي عن أمله بأن تكفل زيارته إلى تركيا تحقيق المصالح الثنائية. وأضاف: «نتطلع لتوظيف الإمكانات التي تتوفر عليها إيران وتركيا بشكل جيد، فضلا عن تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين». وأشار الرئيس روحاني إلى أن علاقات تاريخية تجمع بين البلدين. وقال: «نسعى لتطوير العلاقات الثنائية في كافة الأصعدة، لأن تنمية العلاقات الثنائية تصب في مصلحة دول الجوار وبلدان المنطقة أجمع». وقال روحاني إن المنطقة تعاني العديد من الأزمات وإيران وتركيا مصرتان على حلها. وقال: «نريد أن يكون الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية».

من جانبه، أكد الرئيس التركي أن بلاده تطمح إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين طهران وأنقرة إلى 30 مليار دولار. وقال: «إن تطوير العلاقات بين تركيا وإيران يترك آثاره على المنطقة برمتها». وأشار إلى أنه بحث مع الرئيس روحاني التعاون بين إيران وتركيا على صعيد مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، منوها إلى أن وجهات نظر البلدين متفقة بشأن الكثير من القضايا الدولية والإقليمية، معربا عن تأييد بلاده للبرنامج النووي الإيراني السلمي.

وقال غل في مؤتمر صحافي في ختام مباحثاته مع الرئيس الإيراني: «نرغب معا في إنهاء المعاناة في المنطقة ونعتزم التوصل إلى ذلك. ويمكن للجهود المشتركة لتركيا وإيران أن تقدم مساهمة كبرى في هذا الصدد»، فيما قال روحاني: «الاضطرابات موجودة في منطقتنا (...) وإيران وتركيا عقدتا العزم على زيادة تعاونهما لتحقيق الاستقرار في المنطقة». وأضاف: «مكافحة العنف والتطرف والصراعات الطائفية والإرهاب هي هدف إيران الرئيس».

وأكد روحاني من جانبه أن «إيران وتركيا، أكبر بلدين في المنطقة، عازمتان على محاربة التطرف والإرهاب». وأضاف الرئيس الإيراني أن «عدم الاستقرار السائد في المنطقة لا يخدم أحدا لا في المنطقة ولا في العالم. وقد وافق بلدانا على العمل معا وبذل أقصى ما في وسعهما». ورأى روحاني بخصوص مصر وسوريا أنه «من المهم أن يتمكن هذان البلدان من تحقيق الاستقرار والأمن وأن يجري احترام تصويت شعبيهما ووضع حد للحرب وإراقة الدماء والاقتتال الأخوي».

وتطغى مسائل الطاقة على جدول المباحثات. ويهدف البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار بحلول العام المقبل، فيما ينتظر أن يجري بحث انضمام إيران إلى مشروع خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب)، الذي ينقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا.

وينتظر أن يجري اليوم توقيع اتفاقيات تعاون مشتركة بين البلدين عقب اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، بالإضافة إلى إيجاد حل لقضايا الغاز الطبيعي بين الجانبين والتي لجأت فيها إيران إلى التحكيم الدولي. ويستمر التحكيم بين البلدين بشأن خلافات حول أسعار الغاز الإيراني المصدر إلى تركيا منذ 17 فبراير (شباط) الماضي، إذ خفضت إيران السعر بموجب ذلك بنسبة 16 في المائة، وبناء عليه حصلت تركيا على تعويضات بلغت 900 مليون دولار، في حين تستمر الأخيرة بالمطالبة بتخفيض الأسعار بنسبة 25 في المائة. وتؤمن تركيا الجزء الأكبر من احتياجاتها من الغاز من روسيا، فيما تستورد عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا من إيران، وبسعر أغلى.

ووقعت إيران وتركيا بحضور الرئيسين روحاني وغل في أنقرة، على عشر وثائق للتعاون الثنائي في مختلف المجالات. وتضم وثائق التعاون التي جرى التوقيع عليها إنتاج الأفلام السينمائية بصورة مشتركة والتبادل في الشؤون الثقافية والعلمية والتعليمية واتفاقا حول التراث الثقافي والتعاون في القطاع البريدي وتعاون مؤسسات المواصفات القياسية وملحق الاتفاقية الجمركية ووثيقة التعاون في شؤون تسجيل النفوس لرعايا البلدين ووثيقة الاستثمارات في كلا البلدين.

يُذكر أن هذه الزيارة تأتي بعد 18 سنة منذ آخر زيارة دولة أجراها الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني للعاصمة التركية أنقرة عام 1996، ثم قام الرئيس التركي الأسبق نجدت سيزر بزيارة طهران عام 2002 ردا على زيارة رفسنجاني، وقرر بعد ذلك الرئيس الإيراني محمد خاتمي زيارة تركيا عام 2004، لكنه ألغاها في اللحظات الأخيرة. وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، قام بزيارتين غير رسميتين إلى إسطنبول، الأولى عام 2008، تلبية لدعوة من الرئيس التركي، والثانية عام 2009، للمشاركة في اجتماع اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)، حيث التقى مع غُل مجددا على هامش الاجتماع.

بدوره، أوضح كبير المستشارين الإعلاميين في رئاسة الجمهورية التركية، أحمد سَوَر، أن زيارة الرئيس الإيراني لا تتضمن زيارة ضريح مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، وذلك لأن بروتوكولات الزيارة بين البلدين على مستوى الرؤساء لا تتضمن زيارة الأضرحة، وعليه فلم يزر الرؤساء الأتراك ضريح المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية، روح الله الخميني، خلال زياراتهم إلى إيران.