السيسي: الأمن القومي العربي «خط أحمر» وعلاقتنا بالعالم ستكون «متوازنة»

الرئيس المصري قدم خطوطا عريضة لبرنامجه.. وسياسيون أثنوا على ما جاء في كلمته

الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقطة تذكارية مع المستشار عدلي منصور عقب منح الأخير قلادة النيل ليلة أول من أمس في قصر القبة بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

قدم الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي خطوطا عريضة لبرنامج عمله خلال الفترة المقبلة، وأعطى أهمية كبيرة للأمن القومي المصري والعربي والاقتصاد. وتعهد بإنجاز كافة استحقاقات خارطة الطريق، والسهر على احترام السلطة التنفيذية، قائلا في كلمة وجهها للشعب الليلة قبل الماضية خلال حفل تنصيبه في قصر القبة بشرق القاهرة، إن «الوطن تعرض لتهديد حقيقي كان سيطال وحدة الشعب وسلامة أرضه، ولكن ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 استعادت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وصوبت المسار صونا للوطن ووحدته».

وأثنى عدد من السياسيين على كلمة السيسي. وقال محمد العزبي، المتحدث الإعلامي باسم جبهة «ثوار وحكماء» لـ«الشرق الأوسط» إن «خطاب الرئيس كان إيجابيا وفيه الكثير من الأشياء التي يحتاجها الشعب»، بينما أكد جورج إسحاق، القيادي في حركة كفاية وجبهة الإنقاذ، لـ«الشرق الأوسط» أنه، فيما يخص الملف المصري الخارجي «أرى أن وجود زعماء عرب وأفارقة في حفل تنصيب السيسي مؤشر جيد، لا بد أن نعمل عليه في المرحلة المقبلة»، وهو ما أشار إليه الرئيس الجديد في كلمته.

وشدد السيسي على أن «مصر العربية يتعين أن تستعيد مكانتها التقليدية، كشقيقة كبرى تدرك تماما أن الأمن القومي العربي خط أحمر». وقال إن «أمن منطقة الخليج العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري». وأضاف أن «مصر الداخل» هي التي «ستوجه دفة سياستنا الخارجية، وهي التي ستحدد موقعنا على الصعيد الدولي، فكلما كانت جبهتنا الداخلية قوية وموحدة واقتصادنا قويا كان قرارنا مستقلا وصوتنا مسموعا وإرادتنا حرة».

وعلق العزبي قائلا إن الاهتمام العربي في كلمة السيسي يعكس أسلوب عمل جديدا لمصر يعيد لها موقفها الريادي في العالم العربي. بينما أضاف إسحاق أن مصر في العهد الجديد ينبغي أن تكون مرجعيتها الأساسية العالم العربي والوسط الأفريقي، «لأنه اتضح أن أميركا والغرب لا تهمهما الديمقراطية ولا الانتخابات، وإنما تهمهما مصالحهما فقط».

وقال الرئيس السيسي: «إننا بحاجة إلى مراجعات شاملة لكافة أوجه آليات العمل العربي المشترك، لا نجتمع ونتحدث، بل نتخذ القرارات الكفيلة بتحقيق أمننا العربي المهدد في العديد من دوائره». وتطرق إلى القضية الفلسطينية، وأكد أنها ستظل قضية العرب الأولى، وأن مصر ستواصل مسيرتها لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق حتى يحصل على حقوقه المشروعة ويحقق حلمه وحلمنا جميعا.. «دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية».

وأضاف السيسي أنه «لن أسمح لموضوع سد النهضة أن يكون سببا لخلق أزمة أو مشكلة أو أن يكون عائقا أمام تطوير العلاقات المصرية سواء مع أفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة، فإن كان السد يمثل حقها في التنمية، فالنيل يمثل لنا حقنا في الحياة». وأشار العزبي إلى أن سياسات السيسي ستتسبب في إيجاد انفراجة مطلوبة في علاقات مصر مع أفريقيا قريبا، خاصة أن هناك العديد من الملفات المعلقة على رأسها ملف نهر النيل.

ومن جانبه، قال الرئيس الجديد في كلمته، عن علاقة مصر بالعالم إنها ستكون «متوازنة» و«لا بديل فيها لطرف عن آخر»، وشدد على انتهاء «عهد التبعية»، مؤكدا أن مصر اختارت بإرادتها «ومن موقع القوة والانتصار أن تكون دولة سلام، فإنني أجدد بهذه المناسبة التزامنا بتعهداتنا الدولية واتفاقياتنا التعاقدية التاريخية منها أو الحديثة والمعاصرة، وما سيكون من تعديل فيها إن استدعى الأمر، فسيجري بالتشاور والتوافق بين الأطراف المتعاقدة وبما يحقق المصالح المشتركة».

وقال إنه سيعمل على الملفات الداخلية للتنمية في بلاده من خلال محورين أساسيين أحدهما يدشن للمشروعات الوطنية العملاقة مثل مشروع تنمية محور قناة السويس وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية وغيرها، مشيرا إلى أن المحور الآخر سيختص بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق انتشارا أفقيا في المناطق المحورية. وكشف عن أن التنمية الزراعية سيكون لها نصيب كبير من جهود التنمية، فضلا عن مشروع إعادة تقسيم المحافظات المصرية وتصنيع المواد الخام في الداخل وخلق ظهير زراعي لكل محافظة، مع النهوض بأوضاع الفلاح المصري، والارتقاء بالخدمات والتعليم والثقافة والصحة والتنمية الاجتماعية.

وعلق إسحاق حول الجانب الاقتصادي قائلا إن أهم شيء في كلمة السيسي بشأن هذا الموضوع هو حديثه عن «القيمة المضافة» للاقتصاد، وهي أنه «ليس هناك مادة خام ستخرج من مصر إلا إذا كانت مصنعة، لأن ثروتنا استنزفت في التصدير كمواد خام»، مشيرا إلى أن هذا النهج سبق واتبعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتمكنت مصر في ذلك الوقت من تحقيق استفادة كبيرة من هذا الأسلوب في التعامل مع الثروات المحلية.

وتحدث السيسي عما سماه الفترة العصيبة التي مرت بها مصر قبل 30 يونيو، في إشارة غير مباشرة لمدة حكم جماعة الإخوان التي استمرت لمدة سنة. وقال السيسي إن تلك الفترة شهدت استقطابا حادا كان ينذر بحرب أهلية، وسوء استغلال للدين للتستر خلفه لارتكاب أفعال تجافي صحيح الدين، وتكون الشعوب والأوطان هي الخاسر الأكبر، بالإضافة إلى ظروف اقتصادية متردية.

وتابع السيسي قائلا إن القوات المسلحة المصرية انحازت إلى إرادة الشعب و«نجحت بإخلاص ووطنية رجالها في مواجهة ما دبر وخطط لضرب استقرار وأمن الوطن». وقال: «إذا تأملنا واقعنا الإقليمي سندرك تماما معنى أن يكون جيش الدولة وطنيا موحدا لا يؤمن بعقيدة سوى الوطن بعيدا عن أي انحيازات أو توجهات». وشدد على أن الجيش المصري من الشعب وللشعب، وسيظل يؤمن بأن عطاءه ممتد حربا وسلاما.

وأعرب السيسي عن تطلعه إلى عصر جديد «يقوم على التصالح والتسامح، من أجل الوطن»، لكنه شدد على أنه «لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لأبنائنا.. لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة». وقال: «لن أسمح بخلق قيادة موازية تنازع الدولة هيبتها وصلاحيتها بكل ما أعنيه ذلك من أثر وانعكاسات هدامة على الاثنين معا.. قيادة مصر واحدة فقط».

ومن جانبه، قال العزبي إن المقصود بأنه لن يسمح بوجود «ازدواجية في الحكم»، هو إشارة إلى النظام السابق الذي كان فيه مكتب إرشاد الإخوان يدير الحكم مع رئيس الدولة محمد مرسي، وأن السيسي لن يسمح بتكرار مثل هذه التجربة من أي كيانات قد تسعى للمناطحة على الحكم أو التدخل في شؤونه.

وتعهد السيسي باستعادة الدولة المصرية لهيبتها «على التوازي مع جهدنا جميعا - أنتم وأنا - لتحقيق الآمال والتطلعات»، قائلا إن «تحقيق التنمية الشاملة بمختلف صورها وشتى مناحيها يتطلب بيئة أمنية مواتية تطمئن رأس المال وتجذب السياحة والاستثمار وتؤمن للمشروعات الصناعية مناخها المناسب، ومن ثم فإن دحر الإرهاب وتحقيق الأمن يعد على رأس أولويات مرحلتنا المقبلة».

وأضاف السيسي أن هزيمة الإرهاب وتحقيق الأمن يتطلبان «تطوير جهاز الشرطة ومضاعفة قدرته على تحقيق الأمن وإقرار النظام، وإعادة الأمن والاطمئنان النفسي للمواطن المصري»، لافتا إلى حاجة البلاد إلى «تحديث المنظومة الأمنية وقدرة العاملين بها وإعادة نشر الأمن والاستقرار في الشارع المصري وإرساء علاقة صحية بين أجهزة الأمن والشعب».