الرؤساء الثلاثة في تونس ينصبون هيئة الحقيقة والكرامة لترسيخ مسار العدالة الانتقالية

حركة «قائد السبسي» تتراجع عن عقد مؤتمرها التأسيسي المبرمج منتصف يونيو

TT

أشرف الرؤساء الثلاثة في تونس (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان) يوم أمس بمقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بالعاصمة التونسية، على تنصيب «هيئة الحقيقة والكرامة»، المندرجة ضمن مسار العدالة الانتقالية، وذلك في ظل جدل سياسي محتدم حول مدى تمتع بعض أعضائها بالحياد والاستقلالية تجاه المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان خلال الـ 58سنة الماضية، أي منذ استقلال تونس سنة 1956. وتعهدت السلطات الرسمية من خلال الرؤساء الثلاثة بتسهيل عمل الهيئة الجديدة، وتوفير الظروف المناسبة لتأمين عملها.

وجرى الإعلان عن تنصيب هذه الهيئة الجديدة بحضور علي العريض، القيادي في حركة النهضة، ورئيس الحكومة التونسية السابق، وحافظ بن صالح وزير العدل. وأوكلت لها مهمة الكشف عن كل الانتهاكات ضد حقوق الإنسان والحريات منذ الاستقلال سنة 1956 إلى ما بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.

وقال الرئيس المنصف المرزوقي إن رئاسة الجمهورية ستضع جميع الملفات تحت تصرف الهيئة. وأضاف أن تحقيق العدالة الانتقالية يعد على حد قوله: «ضرورة سياسية». ومن ناحيته، أكد مهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية في كلمة ألقاها بالمناسبة أن الحكومة ستمد هيئة الحقيقة والكرامة بكل ما لديها من معطيات ووثائق حول العدالة الانتقالية. فيما أشار مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى أهمية استقلالية هيئة الحقيقة والكرامة، وهذا ما سيخول لها، على حد قوله، تحديد مسؤولية أجهزة الدولة التونسية في سلسلة الانتهاكات التي شهدتها تونس منذ الاستقلال، وذلك ضمن ثلاثة أبعاد تشمل المساءلة والمحاسبة والمصالحة.

ولم تلق تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة التوافق الكامل حول أعضائها البالغ عددهم 15 عضوا، واعترض أعضاء من المجلس التأسيسي عند التصويت على بعض الأسماء وطعنوا في حيادهم واستقلاليتهم السياسية، إلا أن تلك الطعون لم تتمكن من إسقاط عضوية أي من أعضاء تلك الهيئة. وتوافق اليوم الأول من تركيز الهيئة عن إعلان وزراء وقيادات سابقة من حزب التجمع المنحل، عن اعتراضهم على مفهوم العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة.

وذكرت مصادر مقربة من أنصار التجمع المنحل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنها ستقدم شكوى إلى المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان. وأضافت أن عددا من منتسبي النظام السابق عكفوا منذ نحو أسبوعين على إعداد الشكوى إلى المنتظم الأممي على خلفية الخروقات التي تضمنها قانون العدالة الانتقالية من قبيل رفض اعترافه بمبدأ اتصال القضاء، وغياب فصل قانوني يمنح المتهم إمكانية الاختيار بين المثول أمام هيئة الحقيقة والكرامة أو القضاء العدلي.

وشككت المصادر ذاتها في حياد بعض أعضاء الهيئة، وقالت إنهم «معروفون بانتماءاتهم السياسية» وهم على طرف نقيض من كل من عملوا مع النظامين السابقين في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وتوقعت أن تسعى الهيئة بتركيبتها الحالية إلى التشفي والانتقام من أنصار نظامي بورقيبة وبن علي.

في غضون ذلك، أنهى الباجي قائد السبسي رئيس حركة «نداء تونس» الجدل الطويل حول عقد المؤتمر التأسيسي للحركة يوم 15 يونيو (حزيران) الحالي. وأقر في اجتماع الهيئة التأسيسية للحركة المجتمعة يوم أمس في العاصمة عقد مجلس وطني فقط في نفس تاريخ المؤتمر التأسيسي على أن يعقد أول مؤتمر انتخابي بعد سنتين من الآن.

ولن يحسم هذا القرار «حرب المواقع» المندلعة بين قيادات حركة «نداء تونس» على بعد أشهر قليلة من الانتخابات، إلا أن تأجيل المؤتمر التأسيسي أجل، حسب متابعين للوضع داخل الحركة، الخلافات إلى وقت لاحق. وسوف تبقى هيكلة الحزب الذي تأسس قبل نحو سنتين، على حالها، وسيحافظ بالتالي حافظ قائد السبسي نجل رئيس الحركة على موقعه مسؤولا عن الهيكلة داخلها.

يذكر أن حركة «نداء تونس» متهمة بفتح أبوابها أمام قيادات من النظام السابق كما أنها لم تشارك في انتخابات سنة 2011 التي فازت بها حركة «النهضة الإسلامية».