ابن كيران: يوجد في المغرب حزبان فقط «الإصلاح» و«الإفساد».. وواحد هو من سينتصر

رئيس الحكومة يتهم خصومه بتوظيف أبنائهم خارج اطار القانون.. ويدعو إلى إصلاح الإدارة

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية، ومحمد مبديع الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، خلال افتتاح الجمع العام للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية في الرباط أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

اتهم رئيس الحكومة المغربية عبد الإله ابن كيران خصومه السياسيين بتوظيف أبنائهم وأحبابهم خارج إطار القانون. وقال ابن كيران، أمس، في كلمته خلال افتتاح الجمع العام العادي للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية بالرباط، إن «من يحتجون على الحكومة هم من يوظفون عائلاتهم وأحزابهم، وهم في مؤسسات من المفروض أن تكون نموذجا في القانون بالمغرب»، في إشارة ضمنية إلى الضجة التي عرفتها التعيينات الأخيرة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، حيث طالب نواب من حزب العدالة والتنمية متزعم التحالف الحكومي بفتح تحقيق بشأنها، بعد اتهام برلمانيين معارضين باستغلال نفوذهم، وتوظيف أبنائهم وأقاربهم خارج الإجراءات القانونية.

ونفى ابن كيران توفر المغرب على 36 حزبا مرخصا له من طرف وزارة الداخلية، عادا البلاد «لا تتوفر سوى على حزبين.. حزب للإصلاح وآخر للإفساد، وواحد هو من سينتصر». واعترف ابن كيران بوجود اختلالات في التعيينات في المناصب الشاغرة في مؤسسات الدولة، داعيا إلى الشروع في «إصلاح الإدارة من دون عقد لخدمة مصالح المواطنين»، مع ما يتطلبه ذلك من مراجعة شاملة للقوانين والمراسيم التي عمرت أكثر من 60 سنة.

وأكد ابن كيران أن الخدمة العمومية «من المؤسسات التي تأثرت بالمناخ والصراع السياسي منذ الاستقلال»، مبرزا أن هذا السياق الصراعي أسهم في «تأسيس الكثير من السلوكات غير الصحية التي جعلت المواطن لا ينظر إلى الإدارة بنظرة جيدة، ويعدها لا ترقى لتطلعاته التي ينفق عليها من أموال ضرائبه ومن ثروته الوطنية». وأوضح ابن كيران أن «الجميع متفق على أن الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن. لكن الشعور الحالي ليس إيجابيا»، فهناك «مواطنون مبعدون لا يستطيعون الدخول إلى الإدارة بلباس قروي تقليدي»، لذلك يضيف رئيس الحكومة «نحن بحاجة من الناحية الأخلاقية إلى إعادة الاعتبار إلى المواطن حتى يصبح محترما في الإدارة».

ودعا ابن كيران أعضاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية إلى «اقتراح الحلول حتى لو كانت تبدو مستحيلة لمعالجة الاختلالات غير المعقولة الواقعة في بلادنا». بيد أن الصورة القاتمة التي قدمها ابن كيران عن الإدارة العمومية وانتقاده الشديد «للموظفين الأصنام الذين لا تهمهم مصلحة البلاد» لم يمنعاه من الثناء على الموظفين الأكفاء. وأبرز ابن كيران أن مبدأ الأجر مقابل العمل، الذِي اعتمدته الحكومة لوقف نزيف إضراب الموظفين، قد «آتى أكله، رغم أنه لم يكن في البداية محط إجماع داخل الحكومة»، موضحا أن هذا القرار أسهم في «تقليص مدة انتظار بعض المواطنين لقضاء أمورهم الإدارية، وكيف أن شخصا صار يتسلم وثائقه في حدود ساعتين بدل يومين». وذكر ابن كيران أن قرار الحكومة القاضي باعتماد المباريات لولوج الوظيفة العمومية، عوض التوظيف المباشر الذي كان معمولا به، كان «مكلفا سياسيا»، في هذا السياق، أعلنت الحكومة المغربية، أمس، عن مجموعة من الإجراءات التي تعتزم اتخاذها من أجل إصلاح شامل للإدارات الحكومية، وتصحيح الاختلالات التي تعرفها بهدف الارتقاء بخدماتها وتقريبها من المواطن. ومن أبرز هذه الإجراءات، التي جرى عرضها أمس خلال انعقاد الجمع العام للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية برئاسة رئيس الحكومة، ومحمد مبديع الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي سيشمل مراجعة نظام الرواتب والتعويضات الذي يعرف تباينات كبيرة بين الموظفين، ويفتقد إلى الإنصاف والعدالة، بسبب تعذر ربط الرواتب بالعمل المنجز. كما ستشمل عملية الإصلاح تأهيل الموظفين واستفادتهم من دورات تكوين لرفع كفاءتهم المهنية، ومحاربة التغيب غير المشروع عن العمل، أو ما يعرف بظاهرة الموظفين الأشباح، وهي ظاهرة وصفها الوزير مبديع بـ«المشينة».

كما سيجري في إطار هذا الإصلاح مراجعة أنظمة التقاعد، وقانون التعيين في المناصب العليا، بالإضافة إلى إقرار قوانين لترسيخ الحكامة والنزاهة، ومحاربة الرشوة المتفشية في بعض الإدارات.

وأوضح رئيس الحكومة المغربية أن معالجة الاختلالات في الإدارة ليست أمرا مستحيلا، لكن لا ينبغي أن يخضع هذا الأمر للتوافقات والسعي لإرضاء الجميع، لأن من شأن ذلك عرقلة التقدم. وكشف أن الوظيفة العمومية مهمة لصورة الدولة، خاصة أن بعض المستثمرين الذين يأتون إلى المغرب يصطدمون بالعراقيل الإدارية الناجمة عن بعض الموظفين الذين يعتقدون أنهم يحق لهم تقاسم الأرباح مع هؤلاء المستثمرين، لكنه أقر أيضا بوجود موظفين شرفاء «من أولياء الله الصالحين».

وانتقد رئيس الحكومة إصرار العاطلين الجامعيين على الحصول على وظائف حكومية، واستعدادهم للانتحار من أجل ذلك، ورفضهم العمل في القطاع الخاص، وهو مؤشر على وجود ارتباك واضطراب لديهم، مشيرا إلى أن قرار وقف التوظيف المباشر في الإدارات الحكومية كان مكلفا، ويدخل في إطار تصحيح الأوضاع في هذه الإدارات. وذكر بأن تفعيل قرار ربط الأجر بالعمل كان له تأثير إيجابي على خدمات الإدارة، والحد من التماطل في تسليم الوثائق وتقديم الخدمات للمواطنين.

وأقر ابن كيران بظهور اختلالات عند تطبيق قانون التعيين في المناصب العليا، الذي كان يهدف إلى إرساء الشفافية وتكافؤ الفرص، معلنا أنه ستجري مراجعته.