الموت يلاحق أطفال سوريا في لبنان و50 ألفا منهم منخرطون في سوق العمل

ناطق إقليمي في «اليونيسيف» : المطلوب حل سياسي سريع للحد من الظاهرة

TT

ليس الطفل السوري محمد الخولي ابن السنوات الخمس الذي وُجد مقتولا في مكب للنفايات شمال لبنان نهاية الأسبوع الماضي، إلا واحدا من عشرات الأطفال السوريين الذين فروا من الموت في بلادهم ليموتوا بظروف أبشع في دول اللجوء ومنها لبنان. فمن لا يموت منهم قتلا أو من الجوع والبرد يعاين الموت بعينيه في سوق العمل بعد تخطي عدد العاملين منهم 50 ألفا في لبنان و60 ألفا في الأردن.

وأعربت منظمة «كير» الإنسانية العالمية أمس عن قلقها من تزايد أعداد الأطفال السوريين المنخرطين في سوق العمل في دول اللجوء، خصوصا في الأردن ولبنان، مؤكدة أنهم يعملون لساعات طويلة «في ظروف بائسة واستغلالية بشكل خطير».

وأشارت دراسة أعدتها المنظمة بمناسبة «اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال» الذي يصادف غدا (الخميس)، إلى أن الأطفال اللاجئين «يعملون ما يزيد على 12 ساعة يوميا، وغالبا تحت ظروف بائسة واستغلالية بشكل خطير دون توفير معدات السلامة الملائمة لهم، ما يزيد الآثار المؤلمة للأطفال الذين لا يزالون يعانون للتأقلم مع ذكريات الحرب واللجوء، حتى إن بعضهم يجمعون المخلفات المعدنية والقوارير البلاستيكية، بينما يعمل آخرون في مقاه أو مواقع بناء».

ويستضيف لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وقد تخطى عددهم أخيرا المليون و93 ألفا، يُتوقع أن يكون نصفهم من الأطفال، في حين لا تتعدى نسبة الأطفال السوريين الذين يذهبون إلى المدارس في لبنان 30 في المائة.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من تفاقم أحوال أطفال اللاجئين السوريين كلما طالت الأزمة في بلادهم. وأشار مدير الإعلام الإقليمي في المنظمة سايمون أنجرام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأطفال هم أكثر المتضررين من استمرار الأزمة في سوريا»، لافتا إلى أن «أحوالهم تزداد سوءا بعد ثلاث سنوات من النزاع باعتبار أن القسم الأكبر من عائلاتهم لم يعد قادرا على إعالتهم لذلك يُدفع بهم إلى سوق العمل». وقال: «هم يعملون في كراجات السيارات أو في حقول الزراعة وأماكن أخرى حيث هم عرضة للخطر».

وأوضح أنجرام أن أبرز التحديات التي تواجه الأطفال اللاجئين «وجودهم في خيم غير صالحة للعيش، سوء التغذية، البرد، الحر الشديد، الأمراض ونقص المياه الصالحة للشرب»، لافتا إلى أن «أزمة المياه تفاقمت كثيرا في الفترة الأخيرة داخل سوريا وفي دول الجوار ما بات ينذر بتفاقم الأوبئة والأمراض».

وحذرت «اليونيسيف» مطلع الشهر الحالي من أن هناك مناطق في سوريا تعاني من أدنى مستويات هطول أمطار منذ أكثر من نصف قرن، ما يضع أكثر من أربعة ملايين طفل في البلاد التي مزقتها الحرب في خطر أكبر. وأظهرت دراسة أعدتها «اليونيسيف» في فبراير (شباط) الماضي أن قرابة ألفي طفل من اللاجئين السوريين في لبنان يعانون سوء التغذية الحاد، ويحتاجون إلى علاج فوري كي يكتب لهم البقاء على قيد الحياة. وشدد أنجرام على «وجوب تأمين الحماية للأطفال اللاجئين، وإن كانت زيادة أعدادهم تشكل تحديا كبيرا يواجه سلطات البلدان المضيفة»، مشددا على أن «المطلوب حل سياسي للأزمة بأسرع وقت ممكن لوضع حد لمعاناة أطفال سوريا».

وتفاقمت ظاهرة التسول في لبنان في السنوات الثلاث الماضية مع اندلاع الأزمة في سوريا، وينتشر الأطفال السوريون عند التقاطعات على الطرقات اللبنانية حيث يتسولون أو يبيعون الأزهار أو يمسحون زجاج السيارات. ويفتقد معظم الأطفال في المخيمات المنتشرة في معظم المناطق اللبنانية مدارسهم وأصدقاءهم في سوريا، وهم يملأون أوقات فراغهم بابتداع ألعاب جديدة قوامها الأحذية المهترئة ودواليب السيارات والشاحنات المستخدمة.

ولعل مصطفى (سبع سنوات) الذي يعيش في إحدى صالات الأعراس في منطقة عرسال الحدودية شرق لبنان، واحد من القلائل الذين التقوا أصدقاءهم وجيرانهم في رحلة اللجوء؛ إذ إن عمر (ثماني سنوات) صديق طفولة مصطفى يعيش في مرأب منزل متاخم لصالة الأعراس في عرسال، ما يسمح للصديقين بالبقاء معا معظم أوقات النهار.

وقال مصطفى لـ«الشرق الأوسط»: «أعيش وأسرتي مع عشرات الأسر الأخرى في الصالة وما يفصل بيننا فرش وأغطية، ولكن الشيء الوحيد الجميل في كل ذلك هو أنه بات لدي الكثير من الأصدقاء، كما أن الوقت الذي كان مخصصا للمدرسة أصبح مخصصا للعب». وينكب اهتمام المنظمات المحلية والعالمية على تأمين دعم نفسي للأطفال اللاجئين خاصة أن «القسم الأكبر منهم متأثر بمشهد مقتل أفراد أسرهم وأصدقائهم ومصابون بالهلع من أصوات ومشاهد النزاع الدائر»، بحسب «اليونيسيف».

وحذرت وكالات الإغاثة العالمية في مارس (آذار) الماضي من تعرض جيل سوري كامل ولد منه 37 ألف طفل في دول اللجوء، لـ«خطر فقدانه إلى الأبد» بعد ثلاث سنوات من الصراع الدموي والمستمر في سوريا، ودعت إلى نهاية سلمية للأزمة ولمأساة 5.5 مليون طفل سوري يعيشون في «حلقة من العنف والتشرد».