سكان غوطتي دمشق يعتمدون خططا زراعية لتلافي مصير «الموت جوعا» في المعضمية واليرموك

استكمالا لتدابير الاكتفاء الذاتي وبهدف التخفيف من تداعيات الحصار

TT

يستعد سكان الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق، لجني المحصول الزراعي حيث بدأوا بزراعته ضمن مشاريع غذائية بديلة عن الحصار المفروض عليهم، تجنبا لتكرار مأساة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق، في مناطقهم. وأطلق سكان تلك المناطق المحاصرة مشاريعهم الزراعية في الخريف الماضي، كتعويض عن النقص بالغذاء الذي يعانون منه، ولـ«تفادي الموت جوعا»، كما تقول لـ«الشرق الأوسط» مصادر ميدانية في الغوطة الشرقية.

وتمتاز الغوطتان الشرقية والغربية للعاصمة السورية، بمساحة شاسعة من السهول التي تمكن السكان من زراعتها، علما أن الغوطة الشرقية وحدها، كانت في السابق بمثابة «صوامع العاصمة السورية»، نظرا لقدرتها على توفير حاجة جزء كبير من سكان العاصمة من الحبوب والمزروعات الموسمية. وكان تنشيط العمل الزراعي، أولى استراتيجيات المعارضة، لتوفير الغذاء لسكان مناطقها، بعد إحكام السيطرة عليها العام الماضي.

ويقول ناشط ميداني في الغوطة الشرقية عرف نفسه بأبو محمد الدوماني لـ«الشرق الأوسط»، إن «زراعة الخضراوات والحشائش الموسمية نجحت خلال الفترة الماضية بتوفير جزء من الغذاء لآلاف السوريين المحاصرين في الغوطة الشرقية»، مشيرا إلى أن الاستراتيجية التي دعمتها كتائب المعارضة في الداخل، عملت على شقين: «توفير الغذاء العاجل، لسد النقص الكبير بالمواد الغذائية، وزراعة الحبوب لتوفير الدقيق المستخدم في صناعة الخبز، وأهمه القمح».

وكان مئات الآلاف يسكنون بلدات ومدن الغوطة الشرقية لدمشق قبل اشتعال الأزمة السورية، وقد نزح منها قسم كبير من السكان، تحت الضغط العسكري الذي تمارسه القوات الحكومية السورية، بعد سيطرة قوات المعارضة على جميع بلدات الغوطة. وتواصل القوات الحكومية عملياتها الحربية، عبر محاولة اختراق حصون المعارضة على أطراف الغوطة من جهتي المليحة وجوبر، بالتزامن مع قصف مناطق في دوما وزملكا وعربين وغيرها. وبموازاة ذلك، أطبق النظام السوري حصارا خانقا على مدن الغوطة، مانعا دخول المواد الغذائية والطبية التي يحتاجها السكان، إذ تدخل بمقدار محدود ومراقب، فيما تعمد كتائب مقاتلة إلى تهريب الغذاء عبر معابر سرية من شرق الغوطة.

ويؤكد مصدر عسكري في الغوطة الشرقية لـ«الشرق الأوسط» أن استراتيجية دعم الغذاء، تحظى بإجماع جميع الفصائل العسكرية في داخل الغوطة الشرقية، لتجنب التسليم للنظام تحت وطأة حصاره بلدات الغوطة ومدنها، مشيرا إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تنقذ السكان، وتتيح للمعارضة قدرة أطول على الصمود، وتخفف من ضغط الناس على المعارضين، كما تمنع تكرار تجربة المعضمية ومخيم اليرموك وحمص.

وكانت المعضمية في جنوب دمشق وقعت اتفاقا مع السلطات السورية قضى بتسليم الأسلحة الثقيلة ووقف الأعمال الحربية، تحت وطأة الحصار والضغط السكاني الذي مارسه المدنيون على المعارضين، بعدما أدى منع دخول المواد الغذائية إلى وفاة أطفال ومدنيين من المحاصرين. وتلت هذه الاتفاقية، اتفاقيات أخرى في جنوب دمشق، أهمها في مخيم اليرموك الذي قضى فيه عشرة أشخاص على الأقل جوعا، وآخرين بسبب المرض، كما في حمص التي خرج المقاتلون المعارضون من أحيائها القديمة مطلع الشهر الماضي بموجب اتفاق مع نظام دمشق. ويواصل نظام الرئيس السوري بشار الأسد إتباع هذه الاستراتيجية، بهدف الضغط على المعارضة. لكن المعارضين يستكملون بالزراعة خططهم للاكتفاء الذاتي في مناطق سيطرتهم شمال وجنوب دمشق، وكانوا أطلقوها بالاكتفاء بالتسليح وصناعة الذخائر، في حين يحتاجون إلى الأدوية لسد نقص هائل على هذا الصعيد. وبدأ مشروع التنشيط الزراعي في الخريف، علما أن السكان المحاصرين حصدوا أكثر من موسم، أهمها الحشائش مثل الفجل والسبانخ والفول والبازلاء، ويباشرون هذا الأسبوع جمع المحصول من القمح والشعير والفول والحمص.

واتبعت المعارضة خططا زراعية لجمع المحاصيل خلال 40 يوما أو ستة أشهر أو سبعة مثل القمح. وفيما لم يحمل المشروع في دوما (وهي أكبر مدن الغوطة الشرقية)، أي مسمى، أطلق المعارضون في الغوطة الغربية على المشروع اسم «سنابل العطاء»، وخصص لزراعة الأراضي الخصبة داخل مدينة داريا المحاصرة (جنوب دمشق)، وهي سهول الجهتين الجنوبية والغربية الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر.

وعمل في المشروع ما يزيد على 50 عاملا مؤقتا ومتفرغا، وزرعت في تلك الأراضي مائة كيلوغرام من بذور الحشائش غطت نحو 30 ألف متر مربع من مساحة الأراضي الزراعية، ما مكن السكان من اعتمادها مصدرا أساسيا للغذاء طوال فترتي الشتاء والربيع، علما أنها بذرت مرتين. كما بذرت الأراضي الباقية بنحو طنين من الفول والبازلاء، التي غطت نحو 80 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية، بحسب ما أكدت مصادر المدينة لـ«الشرق الأوسط». وقالت إن «إجمالي بذور القمح التي بذرت في الشهور، بلغت ثلاثة أطنان، غطت 120 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية. واحتاجت الأراضي المزروعة بالحشائش والحبوب إلى نحو 15 برميلا من المازوت، استخدمت في معدات حراثة الأرض وريها».

وعلى الرغم من أن الموسم هذا العام لم يكن ممتازا نظرا للشح في المطر، لكنه يستطيع أن يوفر الغذاء للسكان طوال الفترة المقبلة، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»، بما «يمنع الجوع عن المدينة». وتؤكد مصادر المعارضة أن هذه الخطة ستستكمل بهدف التخفيف من حجم معاناة المحاصرين.