الموصل.. بوابة استقرار العراق وإرثه المختلف عليه

سقوطها سيكون حجة بيد معارضي الولاية الثالثة للمالكي

TT

حتى سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، كانت محافظة نينوى (400 كم شمال العراق) لها أكثر من تسمية؛ أشهرها الحدباء. وطوال حقبة «البعث»، التي استمرت 35 سنة، كانت مدينة الموصل التي تشتهر أيضا باسم «أم الربيعين» تحتضن مهرجان الربيع خلال شهر أبريل (نيسان) من كل عام الذي يعد من أشهر المهرجانات التي تتميز بها المدينة قبل أن تشتهر عبارة «الربيع العربي».

تحتل الموصل أهمية خاصة في جسم الدولة العراقية الحديثة، التي أنشئت عام 1921، بعد أن شكلت إحدى أهم نقاط الخلاف مع الإمبراطورية العثمانية التي طالبت، بنسختها الحديثة «تركيا الأتاتوركية»، بالولاية التي تحمل اسم المدينة. بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وطبقا لشروط الحرب، وقع العثمانيون معاهدة مودروس مع الحلفاء يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1918، غير أن المعاهدة لم تحدد الحدود الجنوبية للدولة العثمانية، ومن ثم طالبت حكومة الأستانة بالموصل كجزء من أراضيها. غير أن اتفاقية سايكس - بيكو قضت بضم الموصل إلى الدولة العراقية الناشئة بعد استفتاء لسكانها.

واليوم بعد احتلال مسلحي «داعش» الموصل، فإنه ورغم أن هناك من يرى في الوسط السياسي العراقي أن هذا الأمر مرتبط بمؤامرة تقف تركيا وعائلة النجيفي طرفا فيها باتجاه إعلانها إقليما فيدراليا مستقلا، وهو ما يعني أن ذلك سيكون بوابة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طبقا لخطة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن - فإن رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي بات يرفض بشدة حكاية الأقاليم في العراق ولو بنسختها الدستورية ويقاوم كل من يدعو إلى ذلك حتى من قبل بعض القيادات الشيعية، بات يجد أن استعادة الموصل من أيدي «داعش» ليست مهمة من أجل إنقاذ سلطة خصمه أسامة النجيفي رئيس البرلمان وشقيقه أثيل، محافظ المدينة، بقدر ما يريد سحب البساط من تحت أقدامهما من أجل الحيلولة دون إقامة الإقليم السني بدعوى عدم قدرة المركز على الدفاع عن الأطراف.

المالكي، وفي قرار استنسخ فيه قرارات الرئيس الأسبق صدام حسين أيام الحرب العراقية - الإيرانية التي تقضي بإنزال عقوبة الإعدام بالمتخاذلين والمنسحبين من ميدان المعارك، أصدر قرارا يقضي بإنزال أقصى العقوبات بحق من يتخاذل في الدفاع عن الموصل. وقال المستشار الإعلامي للمالكي، علي الموسوي، في بيان، إن «القيادة العامة للقوات المسلحة أصدرت توجيهات مشددة تنص على محاسبة من يثبت بحقهم التخاذل أو التقصير في أداء الواجب وفقا لقانوني العقوبات العسكري وقوى الأمن الداخلي». وأضاف الموسوي أن «العقوبات تصل في حالات معينة حد الإعدام».

المتابعون للشأن السياسي في العراق يرون أن قرار المالكي هذا هو من أجل تأكيد سيطرته على البلاد خشية أن يتخذ خصومه السياسيون من سقوط الموصل، في حال استمرار المسلحين في السيطرة عليها، ذريعة بعدم صلاحيته لولاية ثالثة، لا سيما بعد أن بدأت المدن الغربية من البلاد تتداعى الواحدة تلو الأخرى.

عدنان السراج، القيادي في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الموصل عنوان كبير في الجسد العراقي، ولا يمكن النظر إليها على أنها مجرد محافظة أو مدينة، بل هي وجود حضاري له رمزية كبيرة في العراق، فضلا عن أنها ثاني أكبر مدينة في البلاد»، مبينا أن «الأهم في وضع الموصل هي أنها مجتمع مدني ولها إرث وموروث كبير، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي وامتداداتها بين المحافظات الغربية من البلاد ومحافظات إقليم كردستان، ومن ثم فإن استقرار الموصل هو بوابة لاستقرار العراق، وخسارة الموصل تعني فقدان التوازن الحضاري والسكاني والجغرافي في عموم العراق، وهو أمر ينبغي النظر إليه من هذه الزاوية بصرف النظر عن الخلاف بشأن هذه المسألة أو تلك».