نازحون من الموصل: هربنا خوفا من هجوم حكومي وتكرار سيناريو الفلوجة

مواطنون من داخل المدينة يؤكدون استقرار الأوضاع لكنهم يخشون المجهول

مبعوث الأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف يتفقد مخيم خازر للنازحين من الموصل قرب أربيل عاصمة إقليم كردستان أمس (أ.ب)
TT

مرت عدة أيام وعائلة رحاب بعيدة عن منزلها الذي يقع وسط مدينة الموصل، وهي ما زالت تتذكر اللحظات الأخيرة من سقوط المدينة بيد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

رحاب أو «أم أحمد» نزحت من الموصل مع عائلتها المكونة من عشرة أشخاص بعد الانهيار الأمني الذي شهدته المدينة الأسبوع الماضي لتستقر بهم الأحوال في مخيم خازر بمحافظة أربيل، وهو واحد من المخيمات التي أقامتها حكومة إقليم كردستان لإيواء الآلاف من المواطنين النازحين من مدينة الموصل.

وقصص النزوح من الموصل كثيرة، ولكل عائلة نازحة من المدينة قصتها الخاصة عن كيفية خروجها من المدينة تاركة خلفها الكثير من الذكريات إلى جانب منازلها التي قد تتعرض للنهب، لكن سبب النزوح كان عند أغلب هذه العائلات هو ذاته: الهروب من قصف وهجوم حكومي متوقع على المدينة.

وروت رحاب، البالغة من العمر 40 سنة، قصة خروج عائلتها من الموصل لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «كنا في تلك الليلة نياما عندما نهضنا مفزعين على صوت طرق الباب بشكل سريع وقوي من قبل أحد الجيران، الذي كان ينادي بصوت مرتفع (لنهرب.. الموصل سقطت بيد «داعش»)، فنهضت مسرعة إلى الباب لأن زوجي معاق منذ سنين بسبب تعرضه لانفجار في المدينة أصبح على أثرها مستندا على عكاز تسلمناه من إحدى المنظمات الأجنبية». وتابعت رحاب: «سالت الجار: هل أنت متأكد مما تقول؟ كيف سقطت الموصل هناك الكثير من جنود الجيش وآلياتهم موجودون فيها؟ لكنه أجاب: لم يبق فيها أحد سوانا نحن المدنيين، الكل هربوا وتركوا أسلحتهم، اهربوا أنتم أيضا».

وأضافت رحاب: «عند خروجنا من المدينة مع جارنا كان المسلحون قد انتشروا في كل أنحاء المدينة، وكانت سياراتهم تجوب الشوارع وتدعو عناصر الجيش والشرطة إلى تسليم أنفسهم، لم يتعرضوا لنا، بل دعونا نخرج من المدينة، كانوا يتكلمون بالعربية وكانت لهجة بعضهم قريبة من لهجة البدو، الكثير منهم ملتحون بلحى طويلة». وتابعت: «طردوا الحكومة وأخذوا مواقع الجيش والشرطة وفرضوا قوانينهم منذ اللحظة الأولى».

وأشارت رحاب إلى أن سبب نزوح عائلتها من الموصل كان خوفها من قصف حكومي متوقع على المدينة خلال الأيام المقبلة، وقالت: «هربنا لأننا كنا نخشى من قصف بغداد، وتكرار أحداث الرمادي والفلوجة في نينوى».

عائلة رحاب ليست الوحيدة التي نزحت من الموصل بسبب الخوف، الخوف من مصير مجهول. الآلاف من العوائل تصطف على الطريق الرابط بين أربيل والموصل، رغم أن المصادر الحكومية في إقليم كردستان أشارت إلى انخفاض نسبة النزوح خلال الساعات القليلة الماضية، إلا أنها تتوقع تدفقا كبيرا للنازحين إذا قامت بغداد بتنفيذ عملية عسكرية في نينوى لإعادتها إلى سلطة الحكومة العراقية.

النازح محمد سلمان كانت علامات التعب والخوف بادية على وجهه. تسلم قبل أيام خيمته في مخيم خازر الذي يبعد عن أربيل عاصمة إقليم كردستان نحو 50 كيلومترا، وبدأ بترتيب الأغراض التي تسلمها من حكومة الإقليم ومؤسسة بارزاني الخيرية والمنظمات الدولية. قال محمد لـ«الشرق الأوسط»: «لم يبق ما نقوله، الجيش والحكومة هربت من الموصل وتركنا نحن المواطنين أمام نيران (داعش). أطفالنا خافوا من البقاء في ظل سيطرة المسلحين الذين طافوا على البيوت بحثا عن منتسبي الجيش والشرطة ودعوهم إلى تسليم أسلحتهم وفرضوا قوانينهم علينا من منع التدخين ومنع النساء من الخروج إلا برفقة رجالهم، وأشياء أخرى نسيناها بسبب الخوف وحر الطريق، لكن السبب الحقيقي للهرب هو الخوف من قصف الطائرات الحكومية وتنفيذ هجوم عسكري على الموصل ونكون نحن المواطنين حطبا لهذه الحرب».

النازحة نادية كمال لم تنطق سوى عدة كلمات وهي: «أين الحكومة؟ ألم يقولوا صوتوا لنا لتتحسن أحوالكم؟ لكن بالعكس، صوتنا لهم ساءت أحوالنا، هل سيتكلمون مرة أخرى عن الولاية الثالثة؟». وطالبت رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالرحيل عن كرسي الحكم، وعزت سبب طلبها هذا إلى أن رئيس الوزراء «لم يفلح في مهمته بإدارة هذا البلد الذي أتعبته حوادث الأمس واليوم».

بدورها تعمل حكومة الإقليم باستمرار من أجل توفير المأوى للنازحين الذين بلغ عددهم في أربيل وحدها 120 ألف نازح، وفي دهوك أكثر من 180 ألف نازح، ليصل العدد الكلي إلى أكثر من 300 ألف نازح دخلوا الإقليم منذ أزمة الموصل.

وقال مدير إعلام محافظة أربيل حمزة حامد في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن مخيم خازر في محافظة أربيل الذي أنشأته حكومة الإقليم لإيواء نازحي الموصل يتسع الآن لـ1000 عائلة، ووفرت لهم كل الاحتياجات الضرورية من قبل حكومة الإقليم وبالتعاون مع المنظمات الدولية ومؤسسة بارزاني الخيرية.

وكشف حامد عن أن دوائر المحافظة المعنية بدأت العمل المستمر في سبيل توسيع المخيم مستقبلا ليسع خمسة آلاف عائلة نازحة، مبينا أن عدد النازحين انخفض خلال الساعات القليلة الماضية. وتوقع زيادة العدد إذا بدأت بغداد عملية عسكرية في الموصل لاستعادتها من المسلحين.

من ناحية ثانية، تباينت الروايات من الموصل عن صحة الوثيقة التي ورد أن «داعش» أصدرها وتضمنت الكثير من التعليمات فضلا عن الأوضاع داخل المدينة. ونقلت وكالة «بيامنير» الكردية عن مواطن في الموصل يدعى «أبو محمد» قوله في اتصال هاتفي: «صدقني إذا قلت لك إن الأوضاع جيدة، ولا يوجد أي خوف وحركة الناس باتت طبيعية شيئا فشيئا.. لن تصدقني طبعا». وأضاف: «منذ ظهر أمس بعد خطبة الجمعة خرج الناس بشكل طبيعي إلى الأسواق ولكن طبعا الرجال فقط». وقال: «كنا قد قررنا أن نترك المدينة (...) لكن بعدما علمنا أن هذه الجماعات المسلحة ليس لها شيء مع المواطنين قررنا الانتظار، وشاهدنا أنهم لا يقتربون من المدنيين فزاد من عزيمتنا على البقاء». وتشير نور محمد الغانم إلى أنها عانت كثيرا إلى أن استطاعت تدبير بعض الحاجيات الضرورية لعائلتها، وكان الخوف يلاحقها في كل لحظة وهي تتجول في محلات قريبة من موقع سكنها برفقة زوجها. وأضافت: «لم نعد نشعر بالخوف لأنه أصبح جزءا من تفكيرنا، بل نفكر في أي لحظة نكون هدفا، صحيح المحلات مفتوحة لكن هناك ارتيابا من زيارتها، التحرك بات في نطاق ضيق جدا، داخل جزء من المحلة، أو شارع منه لا أكثر، الاتصالات تنقطع بين لحظة وأخرى، الإنترنت ضعيف جدا.. المجهول هو حديثنا لا أكثر».

وقال صحافي يعمل في الموصل رفض الإشارة إلى اسمه، إن الوضع بعد إعلان «داعش» وثيقته أول من أمس «تغير نوعا ما، ورغم أن غالبية السكان يعرفون أن (داعش) لا يسيطر على الأوضاع، بل المسلحون الثوار، فإن هذا يعطي شيئا من الأمل بأن الأمور ستمضي على خير».

وعن الوضع الإنساني في المدينة وتوفر الخدمات، نسبت الوكالة إلى المواطن (ع، م، ص) قوله: «لا أعرف ماذا أقول لك عن الأوضاع الإنسانية.. بعض المحلات فتحت أبوابها، علمنا أن هناك نداءات لالتحاق الموظفين بدوائر عملهم، الناس بدأت تخرج إلى الشوارع لتعرف ماهية الأوضاع، لكن الخوف يرافق حركة كل واحد منا لأننا لا نعرف بعد كيف ستدار المدينة ومن سيديرها». وأضاف: «حركة الشارع في بعض المناطق طبيعية إلى حد ما، ولكن في البعض الآخر سيئة، هناك خروج مستمر لبعض العوائل التي تخاف على أرواح أبنائها لأن هناك إشاعات تقول بأن كل من كان عسكريا أو شرطيا وخاصة أصحاب الرتب العليا فهو هدف سهل إذا لم يلتحق بعمله، وهذا الأمر هو سبب كاف للإشارة إلى أن الخوف والارتياب يلاحق الغالبية».

وحسب الوكالة، تشتتت العائلات باتجاهات مختلفة، البعض انقسم إلى ثلاثة أقسام وآخرون أكثر من ذلك، والتواصل لم يعد سهلا كما في السابق. ونسبت إلى المواطن جاسم محمد قوله في اتصال هاتفي: «جزء من عائلتنا في الجانب الأيمن لا أخبار لنا عنهم، جزء آخر التحق بأقرباء لنا في ناحية زمار، وجزء ثالث اتجه إلى أربيل، وأنا في الموصل انتظر رحمة الله مع زوجتي وأطفالي الثلاثة الذين قرروا عدم مغادرة المنزل». وأضاف جاسم: «صدقني، الوضع الآن هادئ، ولكن من يعرف ماذا تخبئه الأيام المقبلة لنا؟ لا يوجد شيء طبيعي».