ضعف التدريب والانقسام المذهبي وراء تراجع الجيش العراقي أمام «داعش»

محللون: معنويات جنوده متدنية ويفتقرون إلى الرغبة في القتال

TT

لم تجد القوات الأمنية والعسكرية العراقية التي تعاني ضعف التدريب والمعنويات المتدنية، وسط الانقسام المذهبي الحاد، حافزا يدفعها لمواجهة الهجوم المباغت الذي يشنه مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في مناطق واسعة من البلاد، منذ نحو أسبوع، بحسب محللين.

وانسحب الجنود وعناصر الشرطة من مواقعهم بشكل دراماتيكي في مواجهة هجمات متلاحقة شنها مسلحون، أبرزهم عناصر «داعش»، مما أدى إلى سيطرة مقاتلي التنظيم على كامل محافظة نينوى شمال البلاد، والتقدم في محافظتي صلاح الدين وديالى، ليصبحوا على بعد أقل من مائة كلم من العاصمة بغداد. ويرى خبراء أن هذا التراجع هو نتيجة مشاكل متعددة في الأجهزة الأمنية والعسكرية، منها التدريب المحدود والفساد وأجواء الانقسام المذهبي الحاد.

وأعيد بناء الجيش العراقي بعد الاجتياح الأميركي في عام 2003، الذي أدى إلى إطاحة الرئيس السابق صدام حسين. وحلت الإدارة الأميركية الجيش السابق، وطبقت قانون «اجتثاث البعث» الذي أبعد قيادات بارزة تتمتع بخبرة عسكرية، وجعل آلافا من الجنود المدربين خارج الخدمة. ويعتقد أن كثيرا من هؤلاء شاركوا في الهجمات الأخيرة.

ويقول الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنطوني كوردزمان لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الجيش الحالي ليس قوة ناضجة»، مضيفا أن اجتثاث البعث تسبب «بمنع العديد من الأشخاص الجيدين من دخول السلك العسكري أو إرغامهم على مغادرته أو حرمانهم الترقيات».

ويرى كوردزمان أن ما زاد الأمر سوءا فشل واشنطن وبغداد في التوصل إلى اتفاقية أمنية تبقي مدربين عسكريين أميركيين في العراق، قبل انسحاب القوات الأميركية بشكل كامل في عام 2011. ويضيف أن الجيش «درب على عجل، وقليلون من أفراده شاركوا في القتال، وكانت هيكليته غير منظمة بشكل جيد، لأن الولايات المتحدة كانت تخطط للبقاء عامين إضافيين»، عندما سحبت قواتها بشكل كامل.

ويشير أيضا إلى حال من الفساد في صفوف الجيش، تشمل «شراء» الوظائف ودفع الأموال مقابل الترقيات، إضافة إلى قيام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتعيين ضباط «موالين له، بغض النظر عن كفاءتهم».

ويقول جون درايك، المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية في مجموعة «آي كاي آي»، إن القوات العراقية تفتقد الخبرة، وتعاني ضعف المعنويات بسبب «الهجمات غير المتكافئة» التي تتعرض لها.

ويوضح أن هذا الأمر «أدى إلى مقتل العديد من عناصرها، بينما تآكلت المعنويات بشكل تدريجي»، مترافقة مع «محدودية الخبرة القتالية».

في المقابل، نشأت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من رحم «دولة العراق الإسلامية» بزعامة أبو بكر البغدادي الذي سعى إلى دمج الفرعين العراقي للتنظيم مع الفرع السوري المتمثل بجبهة النصرة، إلا أن زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري رفض هذه الخطوة، داعيا كلا الفرعين إلى القتال في ميدانه حصرا.

وواجه الجيش العراقي في المناطق التي قاتل فيها ضد المسلحين (قبل الهجمات الأخيرة)، ومنها الفلوجة غرب بغداد، التي يسيطر المقاتلون منذ مطلع العام الحالي على أقسام كبيرة منها، اتهامات بعدم التمييز بين المسلحين والمدنيين، مما أدى إلى ازدياد الشعور بالتمييز في أوساط السنة في البلاد.

ويقول أيهم كامل، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «أوراسيا» البحثية، إن تصاعد الانقسام المذهبي في البلاد أثر سلبا على معنويات القوات العراقية.

ويواجه رئيس الحكومة الشيعي نوري المالكي اتهاما بإقصاء السنة عن السلطة، مما دفعهم للشعور بالغضب والتهميش والتعرض لسوء المعاملة، بحسب الخبراء. كما تعرضت الأحياء ذات الغالبية الشيعية مرارا لتفجيرات وهجمات يقف خلفها متطرفون سنة.

وفي الموصل، ثاني كبرى مدن البلاد، دفعت التوترات المذهبية بعناصر الجيش والشرطة إلى خلع ملابسهم العسكرية وعدم الدفاع عن مواقعهم في مواجهة هجوم المسلحين. ويقول كامل: «في مناخ كهذا، ليس هناك رغبة لدى الجنود بالقتال، كما أن السكان لم يكونوا مرحبين بوجود الجيش»، مشيرا إلى أن العناصر الشيعة «كانوا يشعرون بأنهم بعيدون عن منازلهم، وأنهم يخاطرون بحياتهم للدفاع عن مدينة ليسوا شديدي التعلق بها».

في المقابل، يتحدث كامل عن «تواطؤ» بين بعض الجنود من السنة والمسلحين الجهاديين.

ويوضح أن هؤلاء الجنود «عقدوا اتفاقات مع المسلحين قاموا بموجبها بخلع زيهم العسكري وترك أسلحتهم، في مقابل أن يتاح لهم الهرب».

وتحول ما جرى في الموصل إلى ما يشبه «كرة الثلج»، التي عكست آثارها على المناطق الأخرى، بحسب درايك. ويقول هذا المحلل إن «المعنويات المتدنية، مقرونة بالصيت الشرس للدولة الإسلامية في العراق والشام، أدت إلى انسحابات بالجملة لدى حصول الهجوم».

ويرى كوردزمان من جهته أن الفرق العسكرية الأفضل تدريبا في الجيش العراقي، لم تكن حتى قادرة على مواجهة الهجوم. ويقول: «عندما يكون ثمة ثلاث فرق عسكرية بينها واحدة جيدة فقط، لن يكون في إمكانها أن تصمد إذا استسلمت الأخريان».