الأفغان حسموا بكثافة أمر رئيسهم رغم هجمات طالبان

نسبة المشاركة تتجاوز 50 في المائة.. وسقوط أكثر من مائة قتيل في اعتداءات نفذت بقنابل وصواريخ

أفغانيات يجلسن في طابور طويل للإدلاء بأصواتهن في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة في مدينة هرات الواقعة غرب أفغانستان أمس (إ.ب.أ)
TT

صوت ملايين الأفغان، أمس، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية لاختيار خليفة لحميد كرزاي، وسط أعمال عنف شنتها حركة طالبان أسفرت عن مقتل أكثر من مائة شخص.

وأعلن وزير الداخلية الأفغاني عمر داودزاي للصحافيين مساء أمس أن «11 شرطيا و15 عنصرا من الجيش الوطني الأفغاني و20 مدنيا استشهدوا»، مشيرا أيضا إلى مقتل 60 مسلحا متمردا.

وأوضح أن بين القتلى موظف في اللجنة الانتخابية المستقلة، وقال: «لقد سقط ضحايا في صفوفنا، لكن العدو لم يتمكن من تعطيل العملية الانتخابية». كما قال نائب وزير الداخلية محمد أيوب سالانجي إنه جرى تسجيل وقوع 150 هجوما في مختلف أنحاء البلاد، مشيرا إلى أن هذه الاعتداءات نفذت في المقام الأول بقنابل على جوانب الطرق وبالصواريخ.

وقبل ارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من مائة، قال الوزير داودزاي مع بدء الاقتراع، أمس، إن «تأثير الهجمات كان محدودا»، مشيرا إلى أن «النجاح اليوم يوجه إلى أعدائنا وأصدقائنا رسالة مفادها أن الانتقال الديمقراطي يمكن القيام به في مواعيده، وأن قواتنا قادرة على ضمان أمن البلاد». ورغم الهجمات يمكن أن تتجاوز نسبة المشاركة في الدورة الثانية من الانتخابات الـ50 في المائة، كما أعلن رئيس اللجنة الانتخابية المستقلة أحمد يوسف نورستاني.

وقال نورستاني للصحافيين في كابل: «بحسب التقديرات فإن أكثر من سبعة ملايين شخص شاركوا في الدورة الثانية؛ 38 في المائة منهم من النساء و62 في المائة من الرجال» من أصل عدد الناخبين البالغ 13.5 مليون شخص. وأضاف: «رغم الصعوبات الهائلة، سواء التقنية أو الأمنية، التي واجهتها الانتخابات، فإنها نظمت بنجاح». وتعد هذه الانتخابات، وهي أول عملية تداول للسلطة بين رئيسين أفغانيين منتخبين ديمقراطيا، اختبارا مهما لهذا البلد الفقير الذي تسيطر عليه حركة طالبان جزئيا، والذي ينتظره مصير مجهول بعد انسحاب قوة الحلف الأطلسي بحلول نهاية العام.

وإذا كان من المبكر جدا إجراء عملية تقييم للعملية الانتخابية، فإن مجرد إجراء هذه الانتخابات يشكل انتصارا لكرزاي والمجتمع الدولي الذي قاده إلى الرئاسة، بعد سقوط نظام طالبان في نهاية 2001. وبعد دورة أولى طبعتها مشاركة كبيرة، انتهت الدورة الثانية في الساعة الرابعة مساء أمس، وبدأت على الفور عمليات فرز الأصوات. لكن التضاريس الوعرة في أفغانستان، حيث تُنقل صناديق الاقتراع من بعض المناطق النائية على ظهور البغال والحمير يعني أن النتائج الأولية لن تُعرف حتى مطلع الشهر المقبل. وقال تايس بيرمان كبير مراقبي فريق الاتحاد الأوروبي لتقييم الانتخابات الأفغانية «استنادا إلى ما رأيته كان يوما انتخابيا هادئا، وكان الأمن يقظا».

بدوره، رحب البيت الأبيض أمس بإجراء هذه الدورة الثانية من الانتخابات، وعدّها «خطوة مهمة» تجاه الديمقراطية في أفغانستان، كما شدد على أهمية عمل اللجان الانتخابية في إضفاء شرعية على الاقتراع.

وقال البيت الأبيض في بيان إن «عمل اللجان الانتخابية في الأسابيع المقبلة سيكون شديد الأهمية»، وهنأ «الناخبين والهيئات الانتخابية والقوى الأمنية على التزامها بالعملية الانتخابية». وأضاف البيت الأبيض أن «هذه الانتخابات تشكل خطوة مهمة على طريق أفغانستان ديمقراطية»، وعدّ أن «شجاعة وتصميم الشعب الأفغاني على إسماع صوته يشهدان على أهمية هذه الانتخابات في ضمان مستقبل أفغانستان».

ودُعي الأفغان للاختيار بين المرشح الأوفر حظا عبد الله عبد الله (53 عاما) المتحدث السابق باسم القيادي مسعود، الذي تقدم الدورة الأولى بفارق كبير (45 في المائة) وأشرف عبد الغني (65 عاما) الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي (31.6 في المائة).

ووعد المرشحان التقدميان المعتدلان اللذان صوتا صباحا في كابل، بمكافحة الفساد المزمن، وإطلاق التنمية الاقتصادية للبلاد الخاضعة لتبعية المساعدات الدولية. وبدا واضحا أمس أن ما وعدت به طالبان من عنف شديد لم يردع الناخبين الذين تفاخروا رجالا ونساء بالحبر على أصابعهم، في دلالة على تصويتهم. وقال الطالب أحمد جويد (32 سنة): «سمعنا فعلا بعض الانفجارات في المدينة لكن ذلك لا يخيفنا، وعلى كل حال فإن ذلك يومي هنا، ولن يمنعنا من التصويت لحسم مستقبل البلاد».

وفي كابل، انتشرت قوات أمنية كبيرة في الشوارع إلى جانب القوات الأفغانية التي وضعت في «حالة تأهب قصوى»، وأكدت تصميمها على إفشال أي محاولة هجوم لطالبان. وجرى نشر نحو 400 ألف جندي وشرطي في كل البلاد، بينما أكدت القوة الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي (إيساف) استعدادها للتدخل في حال الضرورة. وقال جنات غول (45 عاما) وهو تاجر كان ينتظر أمام أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته: «جئت لأشارك في الانتخابات ليجلب صوتي تغييرا إلى حياتنا». وأضاف: «سأصوت للمرشح الذي سينهض بالاقتصاد وسيخلق فرص عمل وسيغير حياتنا اليومية»، ورأى أنه «إذا أصبح اقتصادنا بخير، فلن يعود هناك تمرد، وبدلا من أن يتقاتلوا سينشغل الناس بأعمالهم».

وسيشكل هذا الاقتراع نهاية عهد كرزاي الرجل الوحيد الذي قاد أفغانستان منذ سقوط حركة طالبان في 2001، والذي لم يسمح له الدستور بالترشح لولاية ثالثة. وأدلى الرئيس المنتهية ولايته بصوته في الصباح الباكر في مدرسة قريبة من القصر. وقال: «تعالوا للتصويت! تعالوا للتصويت». وأضاف: «بمشاركتكم في الانتخابات ستسمحون لأفغانستان بالتوجه إلى مزيد من الاستقرار».

وبحيازته 13 نقطة أكثر من منافسه، يبدو عبد الله عبد الله الأوفر حظا للفوز، بعد أن انسحب من الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية السابقة في 2009 احتجاجا على عملية تزوير مكثفة. وقال عبد الله: «لا يمكن أن نقبل بصوت واحد مزور لمصلحتنا، ونأمل في أن يقول الآخرون الأمر نفسه»، بينما طلب منافسه من «كل أفغاني أن يتصدى للتجاوزات».

ويخشى كثيرون أن تسفر الانتخابات عن نتيجة متقاربة، مما يقلل من احتمال أن يقبل المرشح الخاسر الهزيمة ويؤدي إلى جر أفغانستان إلى مواجهة مطولة ومحفوفة بالمخاطر بسبب الانتخابات. وقال عبد الغني بعد أن أدلى بصوته في غرب كابل: «نطلب من الجميع منع التزوير وعدم تشجيع أحد عليه حتى تكون الانتخابات شفافة وحرة ونزيهة». ويستعد كلا المرشحين لتقديم شكاوى، واتهما المشرفين على الانتخابات مرارا بعدم الكفاءة والتحيز.

وحثت الأمم المتحدة المرشحين على تجنب الهجوم على المشرفين على الانتخابات لتأمين العملية. وقال مساعد الممثل الخاص للأمم المتحدة لدى أفغانستان نيكولاس هايسوم إن محاولة تقويض أو ترويع المؤسسات على حساب شرعيتها يمكن أن يحقق مكسبا لمن يقوم بذلك على المدى القصير فقط. وأضاف: «هذا سينتقص من شرعية الانتخابات التي ستعطي شرعية للرئيس الجديد».

وسعى أحمد يوسف نورستاني رئيس مفوضية الانتخابات المستقلة لطمأنة الناخبين والمراقبين بأن عملية التصويت ستسفر عن مرشح شرعي. وقال: «لا نقبل بالتزوير على الإطلاق، وإذا رصدنا أي حالات يخدم فيها العاملون في الانتخابات مرشحا فستجري إقالتهم على الفور».

وستنشر النتائج المؤقتة لهذه الانتخابات في الثاني من يوليو (تموز) المقبل، على أن يتسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم في الثاني من أغسطس (آب) المقبل، ليولي الاهتمام الأكبر لتسوية مسألة ملحة، هي توقيع معاهدة أمنية ثنائية مع واشنطن تتيح بقاء فرقة أميركية تضم عشرة آلاف جندي، بعد انسحاب 50 ألف جندي من الحلف الأطلسي، أواخر 2014.