الحكومة الليبية تندد باختطاف الولايات المتحدة لـ«أبو ختالة» وتطالب بمحاكمته على أراضيها

مصادر أكدت مشاركته في القتال ضد حفتر.. وعملية الكرامة تنفي صلتها بـ«تسليمه»

TT

نددت ليبيا أمس رسميا باعتقال قوات أميركية خاصة للمواطن الليبي أحمد أبو ختالة، المتهم بتدبير الهجوم الدامي على القنصلية الأميركية في بنغازي العام قبل الماضي، وعدت احتجازه بمثابة خرق لسيادة الدولة. فيما كشفت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» عن أن أبو ختالة كان يقاتل ضد قوات الجيش الوطني بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في وقت نفى فيه الناطق باسم قوات حفتر أن تكون لقواته علاقة باعتقال أبو ختالة أو دخل في «تسليمه إلى القوات الأميركية».

وكشفت المصادر، التي طلبت حجب هويتها، النقاب لـ«الشرق الأوسط» عن أن جيرانا يقطنون في منطقة الليثي الشعبية التي يسكن فيها أبو ختالة، وتعد من أكبر أحياء بنغازي واشتهرت بوجود الإسلاميين، شاهدوه للمرة الأخيرة نحو الساعة الخامسة من مساء يوم الأحد الماضي مستقلا سيارته ذات الدفع الرباعي قبل أن تنقطع أخباره وتعلن الولايات المتحدة رسميا أنها مسؤولة عن اعتقاله. وروت المصادر أن الجيران شاهدوا أبو ختالة قبل ذلك وهو عائد إلى منزله بملابس رثة ويبدو عليه العناء بعد مشاركته في إحدى المعارك ضد قوات حفتر.

من جانبه، قال العقيد محمد الحجازي، الناطق باسم قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إن قواته «لا علاقة لها باعتقال الجهادي أبو ختالة»، نافيا أن يكون «للواء حفتر دخل في تسليمه للقوات الأميركية». وأضاف لوكالة «الأناضول» التركية «نقول بوضوح، هذا الأمر لا علاقة لنا به. وحربنا موجهة بشكل محدد ضد الإرهاب، وغير صحيح أننا شاركنا في هذا الأمر»، رافضا التعليق على الاعتقال، ورأى أن «الأمر شأن أميركي، تسأل عنه الخارجية الأميركية».

وبينما التزم المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، الذي يعد أعلى سلطة سياسية في البلاد، الصمت وتجاهل حتى وقت إعداد هذا التقرير الحادث، فقد نددت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني في بيان لها بما وصفته بـ«هذا الاعتداء المؤسف على السيادة الليبية»، وقالت إنه جرى «دون علم مسبق للحكومة الليبية، في وقت تعاني فيه مدينة بنغازي من اختلالات أمنية، تعمل الحكومة جاهدة على احتوائها ومنع تفاقمها».

وأكد البيان الذي تلاه سعيد الأسود، وكيل وزارة الخارجية الليبية والناطق الرسمي باسمها، في مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس بالعاصمة الليبية طرابلس مع وزير العدل الليبي صلاح الميرغني، على حق ليبيا في محاكمة «السيد أبو ختالة» على أراضيها وبموجب قوانينها، وطالبت الحكومة الأميركية بتسليمه لليبيا للتحقيق معه ومحاكمته أمام القضاء الليبي.

كما طلبت الحكومة الليبية من حكومة الولايات المتحدة ضمان صحة وسلامة وكل الحقوق القانونية والإنسانية للمتهم، بما فيها حق الدفاع والمحاكمة العادلة وفق المعايير الدولية وحق الاتصال بقنصل الدولة والمحامين. وأكدت حكومة الثني على عزمها الأكيد على متابعة هذا الموضوع عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية والقنصلية والإنسانية لاحترام سيادتها وحماية مواطنيها وحقها في محاكمة مواطنيها، مهما كانت اتهاماتهم، خاصة أن لليبيا سياسة واضحة معلنة في مواجهة كل أشكال الإرهاب.

ونفى وزير العدل الليبي علم حكومته المسبق بعملية الاختطاف، وقال «نحن جرى إعلامنا بالعملية بعد أن جرت وليس قبلها، الحكومة لم يكن لديها أي علم وإلا لكنا قد اعترضنا عليها. ولقد أخذنا كل الوقت مع حكومة الولايات المتحدة». وأضاف «أعتقد أن حماية حقوق هذا المواطن الليبي الذي ما زالت لديه حقوق من ضمنها محاكمة عادلة أمر واجب؛ وهو مطلوب أيضا في ليبيا وهناك مذكرة جلب له ولغيره، ولكن للوضع الأمني السيئ في بنغازي لم نتمكن من أن نجعله يمثل للعدالة».

واعترف الميرغني بأن أبو ختالة وآخرين مطلوبون في عدد من القضايا، مشيرا إلى أن الموقف الأمني في بنغازي أعجز السلطات الأمنية في الفترة الماضية عن تنفيذ هذه الأوامر. وقال «لقد كان معلوما أنه كان مطلوبا، لكن هذا لا يعني قبول إرباك المشهد من قبل الولايات المتحدة.. ولا شك أنها دولة صديقة ودعمت ليبيا، لكن هناك أشياء يجب التحدث فيها بوضوح وصراحة». وردا على ما إذا كانت أميركا بصدد اعتقال مطلوبين آخرين قال الميرغني «لا أعرف إن كانت الولايات المتحدة قالت إنها ستعتقل المزيد أم لا، وبالنسبة لي هذه معلومة جديدة، لكن المفتاح الحقيقي أن إنفاذ القانون من أصل حقوق الدولة صاحبة السيادة، والمشكلة أن هذه المجموعات المسلحة تمنع إنفاذ القانون، وهذه المجموعات مطلوب القبض عليها، وهم متهمون وليسوا بالضرورة مدانين».

من جهته، عد وكيل وزارة الخارجية الليبية أي اختراق لأي مكان من حدود ليبيا البرية والبحرية والجوية من قبل دول في العالم أو من قبل أفراد وجماعات أو مجرمين أو مهربين يمثل «اختراقا للسيادة الليبية»، مشيرا إلى أن ما أسهم في هذه الاختراقات هو ضعف الحكومة المركزية وغياب وجود جيش وطني قادر وشرطة ومؤسسات أمنية قادرة، وظهور الكثير من الجماعات المسلحة، مما أضعف الحكومة المركزية الليبية. وأعلن أن وزارة الخارجية بدأت فور علمها بالخطف إجراءاتها منذ الليلة الماضية بالاتصالات الدبلوماسية مع الحكومة الأميركية من خلال السفارة الليبية في واشنطن لتضمن توصيل طلبات الحكومة الليبية والاستعداد لمتابعة قضية أبو ختالة.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن أن أبو ختالة سيواجه نظام العدالة الأميركي «بكامل قوته». وقال في بيان نشره البيت الأبيض إنه وافق على تنفيذ العملية في ليبيا التي اعتقل خلالها أبو ختالة بيد قوات أميركية تعمل مع أفراد من وكالات إنفاذ القانون. فيما قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، للصحافيين المرافقين للرئيس الأميركي «أوضحنا منذ الهجوم الخسيس على منشآتنا أننا سنذهب إلى أي مدى للعثور على الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة». وأضاف أن «اعتقال أبو ختالة ليس نهاية تلك الجهود، لكنه يمثل علامة فارقة مهمة». وقال كارني إن المشتبه به، أبو ختالة، من الشخصيات الأساسية في هجمات 2012 (ضد القنصلية الأميركية في بنغازي).

على صعيد متصل، أعربت الحكومة الانتقالية في ليبيا رسميا عن قلقها وانزعاجها من تهريب الوقود إلى مالطا. وأبلغ عبد الله الثني، رئيس الوزراء المكلف، السفير المالطي في طرابلس، أن هذه الظاهرة باتت تشكل تهديدا للدولة الليبية وتؤثر على الأمن القومي الليبي وعلى العلاقات المتينة بين الدولتين الصديقتين، وأعلن أنه سوف يجري التعامل معها بكل حزم.

وقال بيان للحكومة الليبية إن الجهات المعنية قد رصدت في الآونة الأخيرة تفاقم ظاهرة تهريب النفط وبكميات كبيرة عن طريق القوارب البحرية وأنابيب ضخ الوقود، فيما أشار الثني إلى أن أفراد العصابات استغلوا الأوضاع الأمنية في ليبيا لتهريب الوقود إلى دول الجوار وتهريب الخمور والمخدرات إلى ليبيا.

ومن جانبه، أكد السفير المالطي أنه سوف ينقل هذه الرسالة لحكومة بلاده، وأنه يتوقع أن تلقى كل التعاون والتجاوب من الجانب المالطي في سبيل محاربة هذه الظاهرة التي تمس الأمن في البلدين.