باريس لا ترى فائدة من تدخل عسكري في العراق من دون دينامية سياسية جديدة

هولاند رأس مجلسا مصغرا للدفاع للبحث في الخيارات المتاحة

TT

تشهد باريس حركة دبلوماسية نشطة مرتبطة بالتطورات العراقية التي تثير مخاوف كبيرة للغاية بسبب ما تراه فرنسا من تشابكات مع الأزمة السورية ومن انعكاسات مؤكدة على أوضاع المنطقة ككل. ومن المؤشرات التي تدل على المخاوف الفرنسية التئام مجلس الدفاع المصغر بعد ظهر أمس في قصر الإليزيه برئاسة الرئيس فرنسوا هولاند وحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس أركان القوات المسلحة ومسؤولي الأجهزة المخابراتية. وكان لافتا أن الاجتماع التأم تحت عنوان: الخيارات الفرنسية في سوريا والعراق.

واليوم يستقبل الرئيس هولاند رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كما يستقبل الاثنين المقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وكان اجتمع أول من أمس بوزير الحرس الوطني السعودي الأمير مقرن بن عبد الله. وقالت أوساط الإليزيه إن هولاند يجري مروحة واسعة من الاتصالات المتعاقبة وهو ما يفعله كذلك وزير الخارجية لوران فابيوس.

وأفادت أوساط القصر، عقب اجتماع مجلس الدفاع المصغر بأن هولاند شدد على أن «وحدة العراق مهددة بسبب تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» وأنه يتعين منع «داعش» من الوصول إلى بغداد عبر اتخاذ «خطوات فورية». وترى باريس أن الخطر الأكبر يتمثل في قيام «جهادستان» على طرفي الحدود السورية - العراقية ما يعكس الربط بين الأزمتين. ومن جهة ثانية، أشار هولاند إلى أن حكومته تبحث الخيارات المفتوحة أمامها من خلال المشاورات مع الحلفاء والأصدقاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.

وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى ردا على تساؤلات «الشرق الأوسط» حول احتمال مشاركة فرنسا بطريقة أو بأخرى في هذه الإجراءات العسكرية بأن «الأمر غير مطروح اليوم لأن الحكومة العراقية طلبت التدخل من الولايات المتحدة الأميركية ولم تطلبه من فرنسا وبالتالي لسنا معنيين به وبالتالي فإن الأمر نظري في المرحلة الراهنة». بيد أن هذه المصادر أردفت أن باريس «ليس لها موقف مبدئي رافض» لمشاركة من هذا النوع ولكنها عدت أن «الحل الأمني» غير كاف بذاته وأن من شروط نجاحه «قيام حوار سياسي يشمل جميع مكونات الشعب العراقي»، ذاكرة منها بالتحديد الأكراد والسنة و«توفير ضمانات صلبة حول جدية مسار يضع حدا للسياسات الاستئثارية» التي انتهجها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الذي انتقدته المصادر الرئاسية بشدة.

من هذا المنطلق، ترى باريس أن التعاطي مع التطورات «الخطيرة جدا» في العراق يجب أن يقوم على مستويين: الأول، الرد «الفوري» العسكري الذي يجب أن يعني منع «داعش» من استمرار تقدمه ومن وضع اليد على بغداد. لكنها نبهت إلى أن عملا كهذا يجب ألا يفهم أنه وقوف إلى جانب رئيس الوزراء نوري المالكي ضد الآخرين. والمستوى الثاني هو المستوى السياسي الذي يفترض العمل من أجل تطبيق نصوص الدستور ومشاركة الجميع في إدارة شؤون البلاد ووقف سياسة الاستئثار والإبعاد ومد اليد للجميع.

وقالت هذه المصادر إنه يتعين على المالكي أن يقبل «تقاسم السلطة في بلاده ووضع حد لسياسة الهيمنة» التي ترى فيها أحد الأسباب التي سهلت لـ«داعش» إحراز تقدم ميداني سريع.

فضلا عن ذلك، تشدد باريس على الحاجة لمساهمة بلدان الجوار بما لها من تأثير من أجل الإبقاء على العراق موحدا ومن أجل «فك الارتباط» بين «داعش» وبعض المكونات السياسية والاجتماعية على غرار ما حصل في عام 2007 عندما نجح قائد القوات الأميركية في العراق وقتها الجنرال ديفيد بترايوس في إنشاء الصحوات وعزل «داعش» مجتمعيا. لكنها تربط بين قبول بلدان الجوار القيام بدور كهذا وبين الضمانات التي يجب توافرها لقيام حالة سياسية جديدة في العراق مختلفة تماما عما عرفه في السنوات السابقة.

وتنبه باريس من أن مسار الأزمة كما هو في الوقت الحاضر «سيفضي إلى حرب طائفية جميع عناصرها متوافرة» على الساحة العراقية. فضلا عن ذلك، فإن باريس التي كررت أمس أنها تعد المالكي رئيسا شرعيا للحكومة العراقية، نبهت إلى أنه «ليس الخيار الشيعي الوحيد»، منتقدة العلاقات السيئة التي يقيمها مع سنة العراق ومع الأكراد ومع مكونات من الطيف الشيعي الأمر الذي ينعكس في الرفض لتوليه ولاية ثالثة على رأس الحكومة العراقية.

أما عن الدور الإيراني في المنطقة، فقد عدت باريس أن البؤر الثلاث التي لطهران ضلع فيها وهي لبنان وسوريا والعراق «تشهد تصعيدا خطيرا ما يدل على الدور السلبي» الذي يشكله العامل الإيراني رغم الاعتراف بأهمية إيران وأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه. كذلك انتقدت المصادر الفرنسية صلة الوصل التي يقيمها المسؤولون الإيرانيون بين استعدادهم للعب دور معتدل في العراق وبين مطالبتهم بـ«ثمن» في موضوع المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني الدائرة حاليا وحتى اليوم في فيينا.

ولخصت المصادر الفرنسية مواقفها بتأكيد الحاجة للإسراع في العمل من أجل منع «داعش» من مد سيطرتها على أراض جديدة في العراق وقطع الطريق لوصولها إلى بغداد من جهة وبالحاجة إلى دينامية سياسية حقيقية وجدية تكون بمثابة قطيعة مع السياسات التي اتبعت في الماضي والتي أدت إلى تهميش فئات وإغضاب فئات أخرى الأمر الذي سهل مهمة داعش. ولا تنسى باريس سوريا وهي تؤكد مجددا أنه يتعين عدم ترك الملف السوري يهترئ لأن اهتراءه هو ما ولد التطورات في العراق وبالتالي يتعين العودة إلى البحث في صيغة حل تستعيد مبادئ جنيف. لكن لهذه المسألة حكاية أخرى.