كيري: واشنطن تعمل على دعم القاهرة بالتعاون مع السعودية والإمارات

دعا لإعطاء السيسي فرصته.. وقال إن «أميركا ليست مسؤولة عما يحدث في ليبيا والعراق»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي جون كيري في القاهرة أمس (رويترز)
TT

قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عقب لقاءات مع كبار المسؤولين المصريين في القاهرة أمس، إن بلاده ليست مسؤولة عما حدث في ليبيا ولا ما يحدث في العراق، مشددا على أن ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) تهدد المنطقة كلها. والتقى كيري الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، في إطار جولة يقوم بها لعدة دول عربية وأجنبية لبحث التطورات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة. وقال إنه ناقش خلال لقائه مع السيسي الوضع الأمني في العراق، وعددا من «القضايا الحرجة بالمنطقة». والتقى كيري قبل توجهه من القاهرة إلى الأردن مساء أمس الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي.

وشدد كيري في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، على ضرورة قطع أي محاولات لإرسال أموال أو دعم للمنظمات الإرهابية مثل «داعش»، قائلا إن بلاده تبذل جهودا مضنية في هذا الشأن، وأضاف أن واشنطن ملتزمة بتقديم مساعدات للعراق وليبيا لكي يستكملا التحول الديمقراطي، وأنها ليست مسؤولة عما يحدث في العراق أو ما حدث في ليبيا، وقال إن واشنطن لن ترسل أي جنود أميركيين إلى أرض العراق، وإن بلاده يكفيها ما قدمته من دماء في سبيل تحقيق الديمقراطية في هذا البلد.

وقال وزير الخارجية الأميركي إنه ناقش أيضا مع الرئيس السيسي ومع الوزير شكري، التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، وضرورة التمسك بحقوق التعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وإنه تطرق مع المصريين إلى عدة قضايا منها حبس صحافيين من قناة «الجزيرة» القطرية بمصر، والأحكام القضائية الصادرة بحق قيادات في جماعة الإخوان، لكنه أكد أنه تلقى شعورا قويا من الرئيس السيسي بأن لديه التزاما بأمور تخص إعادة النظر في قوانين تتعلق بحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن السيسي لم يمض على تقلده لمنصبه سوى عشرة أيام فقط، و«يجب إعطاؤه فرصته».

وأضاف كيري: «كما قال الرئيس باراك أوباما للرئيس المصري في أعقاب تنصيبه رئيسا لمصر إننا ملتزمون بالعمل معا لاحترام الوعود التي قطعتها ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 ودعم التطلعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب المصري وحقوق الإنسان»، مشيرا إلى أن أوباما أكد على مضمون تلك الرسالة خلال الاجتماعات في إطار مناقشات كبيرة وبناءة لتلك القضايا بما فيها العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وعودة مصر للاتحاد الأفريقي، ومواجهة التهديد المشترك للإرهاب والتطرف.

وتعد زيارة كيري لمصر أمس أول زيارة لمسؤول أميركي على هذا المستوى، منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق محمد مرسي. وكانت واشنطن انتقدت عزل مرسي القادم من جماعة الإخوان المسلمين، الصيف الماضي، ولوحت بتعليق مساعدات مالية وعسكرية للقاهرة من بينها عشر طائرات أباتشي، لكن كيري أعلن أمس أن واشنطن تسعى لتمرير المعونات والأباتشي لمصر لمواجهة الإرهاب، قائلا: «علينا إعطاء فرصة للسيسي ونعمل على دعم مصر بالتعاون مع السعودية والإمارات».

وفيما يتعلق بالمساعدات الأميركية لمصر والمعلقة منذ الصيف الماضي، قال كيري إن الطائرات التي تستخدم لمحاربة الأنشطة الإرهابية سوف تصل للقاهرة قريبا، وإن الرئيس باراك أوباما وافق على سداد 650 مليون دولار لمصر، وسنسعى لتوصيل باقي المبلغ كاملا (إجمالي المساعدات السنوية يبلغ أقل قليلا من 1.5 مليار دولار). وأضاف أنه بحث مع المسؤولين بالقاهرة أيضا التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، مؤكدا في الوقت نفسه على دعم بلاده للحقوق والحريات لجميع المصريين بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي وسيادة القانون.

ومن جانبها، قالت مصادر الرئاسة المصرية إن الرئيس السيسي استقبل كيري أمس، وبحثا التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة في العراق وسوريا وليبيا وعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بالإضافة إلى تطورات العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد فتور دام نحو سنة، وذلك منذ الإطاحة بنظام مرسي.

وقال السفير إيهاب بدوي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، إن كيري أكد أثناء اللقاء، الذي اتسم بروح إيجابية بناءة، على حرص بلاده على علاقاتها التاريخية المهمة بمصر، واصفا إياها «بالاستراتيجية»، وأنها مهتمة بنجاح مصر التي تمثل ربع سكان العالم العربي وحدها، وبكل ما لها من مكانة وثقل في العالم العربي، فضلا عن دورها في إرساء واستقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف أن كيري أعرب خلال اللقاء، الذي دام لما يزيد على ساعة ونصف الساعة، عن اهتمام بلاده بدعم مصر على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية، وذلك مع اهتمام مواز بأوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية، حيث أكد الرئيس أن مصر عازمة على المضي قدما في استكمال إنجازات استحقاقات خارطة المستقبل، مشيرا إلى أنه سيجري الإعلان عن البدء في إجراءات عقد الانتخابات البرلمانية قبل الثامن عشر من يوليو (تموز) المقبل.

وقال بدوي إن الرئيس المصري أكد حرصه على أن تجري بلورة تطلعات وطموحات الشعب المصري التي عبر عنها خلال السنوات الثلاث الماضية في أسرع وقت؛ استجابة للثقة الكبيرة التي أولاه الشعب إياها، وأوضح أن انتخاب مجلس النواب الجديد تمثل خطوة أساسية نحو استكمال البناء التشريعي اللازم لتحويل نصوص الدستور إلى قوانين وقواعد ملزمة، لا سيما فيما يتعلق بجانب الحقوق والحريات، التي يأتي في مقدمتها تمكين المرأة ومشاركة الشباب.

وعلى صعيد مكافحة الإرهاب، قال بدوي إن الرئيس السيسي حذر من مغبة عدم تدارك الأوضاع في الكثير من دول المنطقة، التي تنذر بامتدادها إلى دول أخرى في المنطقة، وربما خارجها أيضا، آخذا في الاعتبار أن عددا لا يستهان به من المقاتلين الأجانب منخرطون في الصراعات الدائرة في عدد من دول المنطقة. وأضاف أن الرئيس نوّه بأنه يتعين الانتباه لكيفية اعتناق هؤلاء المقاتلين للفكر التكفيري في دولهم الأصلية، مستغلين بشكل سلبي أجواء الحريات التي تتيحها القوانين المعمول بها.

أما فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية، فقال السفير بدوي إنه جرى خلال اللقاء استعراض الأوضاع في العراق وسوريا وليبيا، لا سيما مع التطورات التي يشهدها العراق، ودور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» (داعش) في هذا الصدد، حيث أعرب كيري عن تطلع بلاده إلى العمل مع مصر وعدد من الدول المعنية بالمنطقة لمحاصرة الإرهاب الذي تمددت خارطته في المنطقة، وبما يحول دون تحول النزاعات الطائفية إلى وقود لتأجيج الأوضاع في دول المنطقة المختلفة.

وأضاف بدوي أن الرئيس حذر أيضا من ارتباط الصراع الدائر في العراق وسوريا وتأثير كل منهما في الآخر، فضلا عن خطورة الأوضاع في ليبيا، آخذا في الاعتبار طول حدود مصر الغربية المشتركة مع ليبيا، التي تتطلب جهدا مضاعفا لتأمينها والسيطرة عليها، وقال إن السيسي عبر عن ترحيب مصر بالعمل على محاصرة الإرهاب في المنطقة، من خلال جهد جماعي، مشيرا إلى أن مصر طالما نادت بأهمية تضافر جهود المجتمع الدولي في هذا الشأن.

وقال بدوي إن الرؤى «اتفقت حول أهمية تعزيز التنسيق الأمني بين مصر والولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة المعنية، من أجل تحقيق استقرار المنطقة، والحفاظ على سلامتها الإقليمية، وضمان أمن شعوبها».

ومن جانبه أكد وزير الخارجية المصري أن مصر تسعى دائما إلى استقرار دولة العراق ووحدتها وأمن منطقة الشرق الأوسط ووحدتها، وأضاف أن مباحثات السيسي وكيري «تناولت مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك»، مشيرا إلى أن المباحثات شهدت توافقا على ضرورة حشد الجهود للتصدي للتحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة وما لها من آثار وانعكاسات على السلم والأمن الإقليمي والدولي ولا سيما الاضطرابات الخطيرة القائمة في كل من ليبيا وسوريا والعراق، بالإضافة إلى تعثر جهود السلام في الشرق الأوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وقال شكري، خلال مؤتمر صحافي، إن استقبال السيسي لوزير الخارجية الأميركي جسد اهتمام مصر على أعلى مستوى للعمل على دفع العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك على أسس واضحة والانتقال بها إلى معترك أوسع خال من الشوائب وذلك على درب ترسيخ طبيعتها الاستراتيجية، بالإضافة إلى أهمية العمل المخلص نحو إزالة أي عوائق قد تحول دون تطويرها وتطورها الطبيعي خدمة لمصالح الدولتين والشعبين، مؤكدا أن كيري شدد على أهمية العلاقات المصرية الأميركية وبعدها الاستراتيجي والدفع بها إلى آفاق أرحب.

وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف الرئيس من زيارة كيري لمصر والمنطقة يدور حول الوضع المعقد في العراق، مشيرة إلى أن كيري يأمل في التوصل مع الأطراف المصرية والعربية إلى وضع تصورات للحل؛ لأن ما يجري في العراق يؤثر بالسلب على المنطقة وعلى دول الجوار.

وأضافت المصادر أن واشنطن لديها قلق عميق من مجريات الأمور في العراق، وأنها غير راضية عن سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، المستمر في موقعه رئيسا للحكومة منذ نحو ثماني سنوات، لكنها ترفض في الوقت نفسه ما يقوم به ما يعرف بـ«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وقالت المصادر، التي اطلعت على جانب مما دار في زيارة كيري للقاهرة أمس، إن واشنطن تطمح إلى أن يتمكن العراقيون من تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل فيها جميع الأطياف في أسرع وقت ممكن لتفويت الفرصة على «المتطرفين».