«داعش» تسيطر على الأرض والنفط والماء السوري.. وتنتزع المبايعات من خصومها

نفوذها يمتد من دير الزور إلى تخوم حلب.. وتقاتل لاستعادة محيط معبر باب الهوى

مقاتل من المعارضة السورية يوجه صاروخا لإطلاقه نحو القوات النظامية في ريف اللاذقية أمس (رويترز)
TT

أحكم تنظيم «الدولة الإسلامية» المتشدد، أمس، سيطرته على كامل أرياف محافظة دير الزور في شرق سوريا، وجميع آبار النفط فيها، وضمها إلى مواقع نفوذه التي تمتدّ إلى تخوم مدينة حلب، فيما يخوض مقاتلوه معارك في ريف حلب الشمالي، منذ أسبوع، بهدف الوصول إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في أعزاز.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان يقاتل في السابق تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»: «بات يسيطر الآن على مساحة تقدر بخمسة أضعاف مساحة لبنان»، أي نحو 50 ألف كيلومتر مربع، وذلك بعد سيطرته أمس على مدينة «الميادين» ومنطقة العشارة، لافتا إلى أن السيطرة تحققت بعد انسحاب مقاتلي «جبهة النصرة» وفصائل أخرى ضمن المعارضة السورية من بلدات ومدن في الريف الشرقي، أو مبايعتهم «الدولة».

وأكد ناشطون أن تقدم مقاتلي «داعش» لم يصل إلى مدينة دير الزور التي تتقاسم القوات الحكومية ومقاتلو الجيش الحر و«جبهة النصرة» السيطرة على أحيائها ومطارها العسكري.

وتمتد سيطرة «الدولة» من الحدود السورية العراقية في دير الزور (شرق سوريا) باتجاه معقل التنظيم في الرقة، وتنتهي على تخوم مدينة حلب في المنطقة الواقعة شرق الشيخ نجار، وهي منطقة ريفية تفصل المحافظة عن ريف مدينة الباب (30 كيلومترا شرق حلب) التي يسيطر عليها التنظيم منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن مدينة الميادين، أبرز مدينة في ريف دير الزور الشرقي، «أصبحت تحت سيطرة الدولة الإسلامية، بعدما أخلت جبهة النصرة مقارها في المدينة حيث رفعت الدولة الإسلامية راياتها». وكانت فصائل عدة بينها مجموعات تابعة للنصرة في منطقة العشارة القريبة من الميادين ومحيطها أعلنت في شريط فيديو نشر ليلا على حسابات جهاديين على الإنترنت «توبتها من مقاتلة الدولة الإسلامية»، وتبرؤها من الجيش السوري الحر والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

وأعلنت «الدولة الإسلامية» الأحد إقامة «الخلافة الإسلامية» منصّبة «خليفة» عليها زعيمها أبو بكر البغدادي.

وإلى جانب الميادين، قالت مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر التنظيم «تحاصر حاليا منطقة أبو حام التي تسيطر عليها عشيرة الشليطات قرب البوكمال»، مشيرة إلى أن المقاتلين في الداخل «يستطيعون صد هجوم مقاتلي الدولة لساعات، لا أكثر قبل أن تسقط بيد (داعش)».

وجاء هذا التطور عقب سيطرة مقاتلي التنظيم على الشحيل، معقل «جبهة النصرة» ويتحدر منها قياديون من الجبهة، ومدينة العشارة والقرى المجاورة، وذلك بعدما بايعوا «الدولة»، كما بايعها مقاتلون في الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية.

وكان المرصد السوري أورد قبل أيام معلومات حول «مفاوضات غير معلنة تجري بين (جبهة النصرة) و(داعش) بوساطات عشائرية من أجل وقف إطلاق النار في محافظة دير الزور».

وقال رئيس المجلس العسكري في دير الزور المقدم مهند الطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن الدافع الأساسي وراء مبايعة «داعش»، هو «عجز المقاتلين عن المواجهة نظرا لانعدام الأسلحة والذخيرة، وضعف إمكانات الصمود»، مشيرا إلى أن ألف مقاتل من تشكيلات «الحر»، بالإضافة إلى مقاتلي «جبهة النصرة» بايعوا في الشحيل، فيما «قدم مئات المقاتلين الذين ينتمون إلى ألوية كثيرة في مدينة الميادين، مبايعتهم اليوم (أمس) للدولة وأميرها أبو بكر البغدادي».

وكان مقاتلو «الدولة» فرضوا حصارا قاسيا على خصومهم من المقاتلين الإسلاميين المعتدلين ومقاتلي «جبهة النصرة» والجيش السوري الحر في دير الزور، ما حال دون إمداد خصوم «الدولة» بالسلاح والذخيرة. وقال الطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن خصوم التنظيم «كانوا يستفيدون من النفط في دير الزور، عبر بيعه وشراء السلاح والذخيرة من عائداته، قبل أن يسيطر مقاتلو (الدولة) على محيط المحافظة ويمنعوا التجار من التحرك أو بيع النفط إلى الخارج»، مؤكدا أن «شل الحركة التجارية الذي مارسته الدولة، وحظر بيع النفط على السوريين، ساهم في تردي حال المعارضة في دير الزور».

غير أن إجراءات «داعش» لم تتوقف عند محاصرة النفط السوري واحتكار تصديره بطرق غير شرعية إلى معقلها في العراق، وبيعه، إذ قاتلت في معارك تقودها للسيطرة على حقول النفط كاملة شرق سوريا، في دير الزور والرقة، وهو ما تحقق أمس بالسيطرة على آخر وأكبر حقول النفط السورية في دير الزور، وهو حقل العمر الذي كانت «جبهة النصرة» تسيطر عليه.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الدولة الإسلامية سيطرت على حقل العمر النفطي، الواقع شرق بلدة البصيرة، وشمال شرقي مدينة الميادين بمحافظة ريف الزور، مشيرا إلى أن السيطرة تحققت بعد انسحاب مقاتلي «النصرة» بلا قتال.

وللمرة الأولى، تسيطر «الدولة الإسلامية» على الأراضي التي تمتد من بلدة البوكمال الاستراتيجية على الحدود السورية العراقية إلى الحدود الشمالية الشرقية لحلب، علما بأن البوكمال تبعد نحو 400 كيلومتر عن حلب.

وقال رئيس مجلس أمناء الثورة في منبج بريف حلب منذر السلال لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلي الدولة «باتوا على تخوم مدينة حلب»، بعد تقدمهم من مدينة الباب التي يسيطرون عليها شرق المدينة، باتجاه الأرياف المتصلة بمنطقة الشيخ نجار، وهي منطقة صناعية تقع شرق مدينة حلب وتتبع إداريا لها. وأوضح أن مقاتلي «داعش» يوجدون في تلة الطعانة، والقرى المحيطة بجامعة المأمون في حلب، مشيرا إلى أن مقاتلي «داعش» يفصلون بين القوات الحكومية ومقاتلي الجيش السوري الحر في أحياء حلب الشرقية.

ويسيطر مقاتلو «الدولة» على أربع مدن رئيسة في ريف حلب الشرقي، توصل محافظة حلب بالرقة، هي الباب ومنبج وجرابلس والراعي، بالإضافة إلى تجمعات مائية حيوية هي سدّ تشرين وسد البعث وبحيرة الأسد. وتشهد هذه المناطق هدوءا حذرا، في حين تواصل قوات «الدولة» التقدم إلى الريف الشمالي لحلب.

وقال السلال إن مقاتلي الدولة «سيطروا على ثلاث قرى في الشمال هي تل بحورتا وتل شاينير وتل جيجان، في محاولة للتقدم إلى مدينتي مارع، وأعزاز الحدودية مع تركيا وتتضمن أكثر المعابر الحدودية نشاطا، هو معبر باب الهوى». وكانت «داعش» انسحبت من المنطقة الحدودية مع تركيا في فبراير (شباط) الماضي، باتجاه مناطق جرابلس، لكنها في هذا الوقت «تحاول أن تعود إلى الريف الشمالي لحلب باتجاه نقاط التركمان ومارع وتل رفعت ثم أعزاز».