تضارب المعلومات حول مصير هدنة لوقف إطلاق النار في طرابلس

رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا لـ «الشرق الأوسط»: نرفض أي محاولة للتدخل الأجنبي

TT

تضاربت، أمس، المعلومات حول مصير أحدث مساعٍ للتوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار بين الميلشيات المسلحة التي تسعى للسيطرة على مطار العاصمة الليبية طرابلس، حيث قالت مصادر ليبية مطلعة إنه جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق بمبادرة من مدينة جادو، ووافقت عليه ميليشيات الزنتان، لكن رفضته قيادات من مدينة مصراته في غرب البلاد.

وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» في البداية أعلنوا التزامهم به ثم خرج متحدثوهم ليعلنوا رفضهم له، لكنه أكد في المقابل أن الاشتباكات توقفت في محيط المطار، وهو الهدف الرئيس للعملية، وأضاف: «لم يتوصلوا إلى هدنة، إلا أنها على الأرض مطبقة بالفعل».

في المقابل قال شعبان هدية (أبو عبيدة الزاوي) رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن الهدنة قائمة ولم تنهَر، مشيرا إلى أن هناك مساعي تبذل من أجل إنجاح هذه الهدنة.

وأضاف هدية في تصريحات خاصة عبر الهاتف من طرابلس: «الهدنة ما زلت مستمرة، وسنتوصل إلى حل خلال الساعات والأيام المقبلة. الطرفان وافقا على معظم النقاط المطروحة»، وعدّ أنه حصلت أخطاء كثيرة في المطار في السابق مما سبب احتقانا بين كل الليبيين وكل المناطق شاركت في المعارك الأخيرة.

وكان قد جرى الإعلان في ساعة مبكرة من صباح أمس بمقر المجلس المحلي للعاصمة طرابلس، وبحضور ممثلي الأطراف المتنازعة حول مطار طرابلس الدولي واللجنة الحكومية المشكلة بشأن تسليم المطار للدولة الليبية، عن التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع بين الأطراف كافة. ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين وخروج جميع التشكيلات المسلحة بالكامل من محيط المطار خارج نطاق طرابلس الكبرى، والرجوع إلى مناطقها الأمنية، وتكليف قوة محايدة من منطقة جادو تنتشر في المطار منطقة النزاع.

كما ألزم الاتفاق الأطراف بالالتزام بتطبيق القرار رقم 27 الصادر العام الماضي عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بشأن خروج جميع التشكيلات المسلحة من طرابلس بصورة عاجلة في مدة أقصاها أسبوعان من تاريخه، على أن تتحمل كل الأطراف مسؤولية الإخلال بهذا الاتفاق، ويجري الإعلان عن المتسبب في ذلك بجميع وسائل الإعلام.

ونص الاتفاق على تكليف لجنة تتولى الإشراف ومتابعة تسلم جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية للدولة الليبية، بالإضافة إلى الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة من جميع ربوع ليبيا لردع كل من يرفض تنفيذ القرار، ويجري التنسيق في ذلك مع الهيئات ذات العلاقة، وأخرى لتقصي الحقائق في أحداث المطار.

وكان محمود الحتويش المتحدث باسم المجلس المحلي لمدينة الزنتان قد أعلن أن الميليشيات المسحوبة على الزنتان مستعدة لتسوية سلمية بعد خمسة أيام من المعارك الضارية حول مطار طرابلس.

وقال الحتويش إنه جرى التوصل إلى اتفاق بين أطراف الصراع على وقف إطلاق النار وتسليم المطار إلى لجنة يكلفها رئيس الوزراء إيجاد حل سلمي.

وكان الصراع للسيطرة على المطار يدور بين مقاتلين من الزنتان في الشمال الغربي كانوا يسيطرون على المطار منذ الإطاحة بمعمر القذافي وجماعات مسلحة من مصراته، وهي مدينة ساحلية في الغرب. ويقول نص الاتفاق إن قوة «محايدة» من جزء مختلف من ليبيا ستقوم بحماية المطار في المستقبل بموجب اتفاق اقترحه رئيس الوزراء عبد الله الثني. لكن الميليشيات ليست جبهة موحدة، وهو ما يجعل من الصعب الالتزام بالاتفاقات في بلد تنتشر في ربوعه الأسلحة الثقيلة. وفي وقت سابق سقطت قذائف على مبنى مطار طرابلس الدولي مع احتدام الاشتباكات بين ميليشيات متناحرة للسيطرة على المطار لليوم الخامس على التوالي.

ويذكي هذا الصراع المخاوف من أن تتحول ليبيا إلى دولة فاشلة عاجزة عن السيطرة على الميليشيات التي ساعدت في الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، لكنها تتحدى الآن سلطة الدولة. وفي علامة أخرى على الفوضى توقف المراقبون الجويون عن العمل في طرابلس متسببين في عزل الكثير من أجزاء البلاد عن حركة الطيران الدولية.

وعرفت طرابلس من جديد عودة ظاهرة السيارات المفخخة، حيث انفجرت أمس سيارة مفخخة أمام المجمع الصحي بطريق المطار، لكن دون وقوع أي ضحايا.

وبينما قال عصام النعاس المتحدث الرسمي باسم قوة الردع والتدخل المشتركة إن السيارة كانت في طريقها باتجاه طرابلس، وانفجرت قرب حاجز تابع للجيش الليبي، فقد قالت وكالة الأنباء المحلية إن الانفجار جرى أمام مركز العقم بمنطقة غرغور بالعاصمة طرابلس.

ونقلت عن مصدر أمني قوله إن السيارة انفجرت بالقرب من حاجز للسرية الأولى باللواء الثالث التابع لرئاسة الأركان العامة بمنطقة غرغور، دون حدوث إصابات بشرية، موضحا أن مسلحين توقفا بسيارة كانت متجهة من طريق المطار إلى وسط العاصمة بالقرب من الحاجز، وترجل منها مسلحان، ثم وقع الانفجار.

وقال مسؤول أمنى ليبي لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع كان لا يزال محتقنا في منطقة جنوب غربي العاصمة، مشيرا إلى أن بقية المناطق هادئة تماما، كما أن أغلب محطات الوقود مغلقة.

واندلعت مساء أمس اشتباكات في حي بوسليم بين مجموعات من شباب حي الأكواخ الرافضين للميليشيات الإسلامية، التي يقودها عبد الغني الككلي رئيس اللجنة الأمنية في المنطقة.

إلى ذلك، عدّ شعبان هدية رئيس غرفة ثوار عمليات ليبيا أن طلب الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني من الأمم المتحدة التدخل والحصول على مساعدات أمنية وعسكرية مرفوض من معظم الليبيين، لافتا إلى أن هناك بيانات تصدر في هذا الاتجاه.

وتابع: «مصالحة وندعم إخلاء طرابلس من كافة التشكيلات المسلحة، كافة أشكال الشعب الليبي يرفضون التدخل الأجنبي، وإذا دخل شخص سيتصدى له الجميع بالسلاح مهما اختلفوا سياسيا، هذا ما أنا متأكد منه».

وأكد هدية لـ«الشرق الأوسط» أنه رسميا لم يعد رئيسا للغرفة التي جرى تغيير تبعيتها إلى رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، مشيرا إلى أن هذا القرار جرى اتخاذه العام الماضي عندما كان في مصر.

وقال إنه ترك هذا المنصب بمحض إرادته، لافتا إلى أنه يفترض أن يتولى الغرفة ضابط عسكري خاصة بعد نقل تبعيتها للجيش الليبي.

وكان موقع بوابة الوسط الإلكتروني الليبي قد نقل عن مصدر عسكري رفيع المستوى بالغرفة أن العقيد صلاح معتوق لم يتسلم فعليا الغرفة رغم تكليفه رسميا من قبل رئاسة الأركان العامة، مشيرا إلى العقيد معتوق طالب بسحب الختم غير المعتد به رسميا، الذي يحمل شعار المؤتمر الوطني العام «البرلمان».

وقالت غرفة عمليات ثوار ليبيا إنها تشارك في العملية العسكرية التي تدور منذ ستة أيام في محيط مطار طرابلس واستهدفت المطار نفسه، ووصفت العملية بأنها البداية لتحرير طرابلس.

وأوضحت في بيان بثه عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن هدف العملية محاربة من وصفتهم بزعماء الجريمة المنظمة واللصوص والانقلابيين، كما تعهدت بملاحقة من سمتهم «مديري الميليشيات الإعلامية المتورطين في قيادة الانقلاب»، على حد تعبيرها.

من جهة أخرى، أعلنت مجموعة من منظمات المجتمع المدني بمدينة طرابلس عن إدانتها ورفضها لدعوات التدخل الخارجي في الشأن الداخلي لليبيا.

وقالت المنظمات في بيان مشترك صدر عقب اجتماعها أول من أمس بخصوص الأوضاع الراهنة في طرابلس: «إننا ندين ونرفض دعوة الحكومة الانتقالية للتدخل الخارجي، وما وصفته بالتحرك المشبوه لوزير الخارجية (محمد عبد العزيز)، الذي يعد سرقة للجهود الوطنية الخالصة للمحافظة على المكاسب التي حققها أبناء هذا الشعب الليبي من خلال انتفاضته المباركة والمسار السلمي الديمقراطي».

وعبر البيان الذي وقعه ممثلون لنحو 32 منظمة عن الاستغراب من صمت المؤتمر الوطني والحكومة حيال ما يجري في طرابلس وعدم إدانتها للجماعات الخارجة عن القانون، وما سببته من إرباك للمشهد السياسي في ليبيا.

في المقابل، حصل عبد الله الثني رئيس الحكومة الليبية على تأييد السفيرة الأميركية ديبورا جونز، التي التقاها مساء أول من أمس، بطرابلس، لمساعي حكومته للحصول على دعم دولي لحفظ الأمن وحماية حقول النفط.

وقال بيان لمكتب الثني تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن اللقاء تناول الأوضاع الراهنة والوضع الأمني بشكل عام وفي العاصمة طرابلس بشكل خاص، مشيرا إلى أن السفيرة الأميركية عبرت عن قلق بلادها والمجتمع الدولي إزاء الأحداث الأخيرة والمؤسفة في طرابلس، واصفة إياها بأنها لا تصب في مصلحة ليبيا وبناء الدولة.

ونقل البيان عن جونز طلب حكومتها من الأطراف المتنازعة الوقف الفوري لأعمال العنف وترويع المواطنين وتعريض المنشآت ومؤسسات الدولة إلى الدمار والخراب.

وبحسب البيان فقد كشفت جونز النقاب عن أنها قد أجرت لقاءات مع الأطراف المتنازعة، ونقلت لهم رسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي يراقب بقلق شديد ما يحدث في ليبيا من تهديم وتدمير لمؤسسات الدولة، مشيرة إلى أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تكون ليبيا طرفا فيها تجرم الاعتداء على المطارات الدولية وتخريب الطائرات التي تعمل على نقل المسافرين.

وفى تهديد واضح، قالت السفيرة الأميركية إن المجتمع الدولي لن يقف متفرجا وسوف تجري ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم القانونية.

من جهته، قال الثني إن حكومته قد شكلت لجنة تضم أعضاء من عدة مناطق تعمل على التواصل مع الجهات المتنازعة لحل الأزمة، وضمان سلامة الملاحة الجوية، وتحديد الأماكن التي على القوى المتصارعة المكوث فيها.

وأضاف أن الحكومة قد أخطرت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بهذا القرار.

وكان الثني قد ترأس اجتماعا لحكومته جرى خلاله مناقشة معاودة قصف مطار طرابلس الدولي مجددا، حيث جرى قصف صالة الركاب وأماكن أخرى بالمطار.

كما بحث الاجتماع طلب سكان وأهالي منطقة قصر بن غشير بضرورة توفير الحماية لهم من الاقتتال الدائر في المنطقة، حيث طلب سكان المنطقة من الحكومة ضرورة اللجوء للأمم المتحدة لحمايتهم، وفق قرارات مجلس الأمن الخاصة بحماية المدنيين، أو سيذهبون بأنفسهم لطلب ذلك من الأمم المتحدة.

وأعلنت الحكومة رفضها وبشدة لما وجه إليها من اتهامات من قبل المجلسين المحلي والعسكري بمصراته بالتواطؤ مع أي طرف من الأطراف المتنازعة، وأكدت الحكومة أنها بمنأى عن هذا ولن تنحاز لأي طرف كان إلا لتحكيم العقل وترسيخ منطق الحوار.

وقال بيان منفصل للحكومة إنها ناقشت أيضا لقاء الثني بمنظمات المجتمع المدني بطرابلس، الذين أكدوا أنهم سيدافعون عن العاصمة التي تحتضن وتمثل كل الشعب الليبي بكل قواهم.

من جهة أخرى، نفى مسؤول حكومي ليبي لـ«الشرق الأوسط» رفض الأمم المتحدة طلب ليبيا الذي قدمه وزير خارجيتها إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على مساعدة في حماية منشآتها النفطية والموانئ التي يتم تصدير النفط عبرها ومطاراتها المدنية. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم تعريفه: «لم نتلق أي إشارات سلبية في هذا الإطار، بالعكس تلقينا وعودا إيجابية بدراسة طلبنا قبل الرد عليه». وكان سفير رواندا في الأمم المتحدة يوجين جاسانا، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن عن الشهر الحالي قد أعلن مساء أول من أمس في مؤتمر صحافي، أن المجلس أخذ في الحسبان طلب عبد العزيز للمساعدة، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل.