«حزب الله» يكرر التجربة الإيرانية في العراق للاستفادة من إعادة إعمار سوريا

تجار يجوبون بين اللاجئين لشراء بيوتهم المتضررة.. وشركة إسمنت جديدة في لبنان ينشئها الحزب

TT

باع ماجد (52 عاما) منزله المدمر في مدينة حمص، التي تهجر منها مع أفراد عائلته منذ أكثر من سنتين، جراء المعارك الطاحنة. المبلغ لم يتجاوز سبعة آلاف دولار، وهو رقم قليل جدا بقيمته الحقيقية، لكن حصوله على هذا المبلغ هو بمثابة «عصفور في اليد» كما يقول النازح السوري لـ«الشرق الأوسط»، مبررا إقدامه على هذه الخطوة بالحاجة التي جعلته يبيع جنى العمر.

بالنسبة إلى ماجد، ومئات (أو آلاف) من السوريين المهاجرين، العودة إلى بيوتهم السليمة غير مضمون، فكيف بالمدمرة أو المتضررة. وبدلا من أن ينتظر انتهاء الحرب وإمكانية التعويض عليه، يفضل أن يستفيد ببعض الأموال التي تستطيع أن تؤمن حياتهم لفترة مقبولة في هجرتهم القسرية عن بلادهم.

البائعون معروفون، أما الشارون، فهم غالبا من مناصري النظام الذين يسعون للاستفادة من عملية إعادة الإعمار في سوريا، حيث أفادت مصادر لبنانية مواكبة لوضع اللاجئين، بوجود عشرات حالات البيع المماثلة، لمنازل مدمرة أو متضررة، أو حتى سليمة تعود لمعارضين يخشون العودة إلى بيوتهم، أو بدأوا يفقدون الأمل منها، كحال ماجد الذي يقول إن الشاري سهل عليه كل شيء: «أتاني مع ورقة شراء جاهزة وموقعة من الشهود وعليها الأختام الرسمية».

وتبدو شهية الطامحين إلى الاستفادة من عملية إعادة الإعمار التي لمح إليها الرئيس السوري بشار السد في خطابه الأخير مفتوحة. فكلفة إعمار ما تدمر في سوريا تتجاوز الآن 200 مليار دولار، وفقا لتقديرات دولية. ويقول الخبير الاقتصادي اللبناني وليد أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط» إن «إعادة سوريا إلى سكة الدول الحديثة، يتطلب مجهودا ضخما، وسنوات من العمل، التي يفترض أن تعالج البشر والحجر قبل الانتقال إلى البناء الاقتصادي»، ويشير إلى أن بعض الدراسات ترجح «أن لا تقل تكلفة إعادة الإعمار ودعم التنمية في سوريا عن 200 مليار دولار، على أن تتصاعد الأرقام إلى مستويات أعلى إن لم يتوقف مسلسل التدمير والقصف العشوائي».

ولا يشذ «حزب الله»، ولا إيران، عن قاعدة الراغبين بالإفادة من هذه العملية، إذ تؤكد مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب بدأ عبر مقربين منه بإنشاء شركة إسمنت جديدة في لبنان، تضاف إلى الشركتين الموجودتين، بهدف الاستفادة من عملية إعادة الإعمار. وقال المصدر إن العملية تجري بتمويل إيراني مباشر يعيد إلى الأذهان ما قامت به طهران بعيد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وتؤشر هذه الخطوة إلى أن الإيرانيين عازمون على تنفيذ جزء كبير من إعادة إعمار سوريا، عبر شركات تابعة لهم، أو شركات وسيطة، كما أنهم عازمون على توفير المواد الأولية لإعادة إعمار البلاد.

ويشبه هذا المخطط ما نفذه الإيرانيون في لبنان بعد حرب يوليو (تموز) 2006 وإطلاق ورشة إعمار جنوب لبنان. فإلى جانب الهيئات الإيرانية التي أشرفت هندسيا، ورسمت مخططات لفتح طرقات، اشترت شركات إيرانية مصانع للمواد الأولية المستخدمة في إعادة الإعمار، أهمها كسارات ومرامل في جنوب لبنان، وأنشأت فيها خلاطات للخرسانات الجاهزة والإسفلت، لا تزال تعمل حتى اليوم، وتحتكر بيع المواد الأولية التي تغذي جزءا من المشاريع الإعمارية الإنمائية في الجنوب.

ويمتلك الإيرانيون خبرة واسعة في تجارة الإسمنت، وكانوا أول من استثمر في هذا القطاع بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وإطلاق ورشة إعمار البلاد بعد رفع العقوبات الدولية عن العراق.

وكان أثرياء لبنانيون من أوائل العاملين في هذا القطاع، لكن التجار المقربين من «حزب الله»، اعتمدوا على استيراد الإسمنت من مصانع إيرانية، محاذية للحدود العراقية - الإيرانية، ووفرت أرباحا طائلة بحكم انخفاض سعر الإسمنت الإيراني، وانخفاض تكلفة نقله. وقدر حجم الاستثمار في هذا القطاع في عام 2005، بنحو 130 مليون دولار.

والخبرة في إعادة الإعمار، لا تقتصر على تنفيذ المشاريع. فبعد يوم واحد على إعلان وقف إطلاق النار في الضاحية الجنوبية لبيروت، في حرب يوليو 2006. أنشأ «حزب الله» جهازا منظما للإشراف على عملية نزع الحديد والإسمنت من حطام الأبنية، بغية إعادة تذويبها. وتوكلت شركات مخصصة عملت تحت إشراف إيراني تلك المهام، ونجحت في سحب الحديد والمعادن الخردة التي قدر سعرها بملايين الدولارات.

وبحكم الجهود الآيلة لإعادة تفعيل بعض القطاعات الإنتاجية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، زاد الطلب على المواد المستخدمة في قطاع البناء في لبنان أيضا، بحسب تجار يعملون في القطاع، مما أدى أيضا إلى ارتفاع بعض السلع فيه. ويقول يسار محيي الدين، وهو واحد من أكبر تجار مواد البناء، لـ«الشرق الأوسط» إن نسبة إقبال التجار السوريين على المواد المستخدمة في قطاع البناء والتأهيل: «تتراوح بين الـ30 والـ40 في المائة من مجمل نسبة التجار العاملين في القطاع»، مشيرا إلى «ارتفاع إقبال ملحوظ في الآونة الأخيرة»، من غير أن يجزم بأن جميع السلع تصدر إلى سوريا.

ويضيف: «لا ننكر أن بعض التجار السوريين من المتمولين افتتحوا متاجر لهم في لبنان، وينافسون التجار اللبنانيين على هذه السلع»، لكن «ارتفاع الطلب على السلع في الآونة الأخيرة، يؤشر إلى أن بعضها يصدر إلى سوريا، حيث تفتقد السوق إلى سلع أساسية مستخدمة في القطاع نتيجة انحسار الاستيراد من الخارج، وتوقف بعض المصانع عن إنتاجها».

وفي حين ينوء لبنان تحت وطأة اللجوء، ودخول سوريين ميسورين بعض القطاعات التي نافسوا عليها التجار والحرفيين اللبنانيين، يتوقع خبراء في مجال الاقتصاد «أزمة في لبنان إذا بدأت ورشة الإعمار في سوريا تساوي الأزمة الحالية المترتبة على اللجوء».

ويقول رئيس مجلس إدارة «المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان - إيدال» المهندس نبيل عيتاني لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان «ينتظر أزمة في اليد العاملة في قطاعي الزراعة والبناء، نتيجة احتياجات السوق السوري لهما، في حال بدأت ورشة إعادة الإعمار»، موضحا أن هذين القطاعين «كانا في الأساس مقتصرين في لبنان على العمال السوريين، بحكم اعتمادنا، منذ الخمسينات من القرن الماضي، على العمال السوريين بشكل أساس لتلبية احتياجات العمالة في هذين القطاعين».

غير أن انطلاق ورشة الإعمار، التي ستستقطب شركات متعددة الجنسيات إلى سوريا بهدف الاستثمار، وفي ظل تدهور قطاع الخدمات في سوريا «سينعكس إيجابا على لبنان في قطاع الخدمات بشكل أساسي».

ويوضح عيتاني أن إعادة الأعمار «ستحمل بذورا اقتصادية إيجابية لناحية إدارة الملف، أو وجود بعض الشركات الكبرى في لبنان، وإقامة مقراتها الأساسية في بيروت أو شرق لبنان أو الشمال»، قائلا إن توسيع فرص العمل أمام السوريين في بلادهم «سيخلق نقصا في اليد العاملة السورية العاملة في قطاعات محددة بلبنان، لكنه سيعوض في مكان آخر».

ويوضح أن «لبنان قادر على تقديم الخدمات الهندسية وعمليات الاستشفاء، وبإمكانه توفير جميع الخدمات في القطاعات المرتبطة، مثل قطاعات النقل والتأمين والإسكان»، مشددا على أن انطلاق ورشة الإعمار في المناطق القريبة من لبنان «سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد اللبناني أيضا».

وفي ظل العمليات العسكرية المتواصلة في سوريا، يصبح من الصعب انطلاق ورشة الإعمار في كثير من المحافظات، واقتصارها، في حال تأمين الموارد المالية في سوريا المخصصة لها، على حمص وريفها الجنوبي والغربي التي استعاد النظام السيطرة عليها، وبعض مناطق ريف دمشق المحاذية للحدود اللبنانية.

وحتى انطلاق عملية إعادة الإعمار، يشكل اللاجئون السوريون ضغطا كبيرا على الاقتصاد اللبناني لناحية المنافسة على اليد العاملة، والولوج في عمليات إنتاجية كانت حكرا على اللبناني في السابق.

ويقول عيتاني لـ«الشرق الأوسط» إن ازدياد اليد العاملة السورية في هذا الوقت «خلق منافسة حقيقية على اليد اللبنانية العاملة في قطاعات مثل المطاعم والنقل، مثل سائقي سيارات الأجرة، إلى جانب التجار الذين يعملون في مؤسسات صغيرة، مثل تجارة الخضراوات والمواد الغذائية والحلويات وغيرها»، فضلا عن المنافسة في قطاع «الخدمات التجارية والصناعية ومندوبي المبيعات والعاملين في الفنادق»، من غير أن تطال قطاعي الزراعة والبناء.

وتسببت الحرب في سوريا والتدفق الضخم للنازحين منها على لبنان والأزمة السياسية الداخلية في أضرار شديدة لاقتصاد لبنان، وهو ما دفع المصرف المركزي لإطلاق حزمة تحفيز قوامها 1.4 مليار دولار في 2013، إضافة إلى حزمة جديدة هذا العام، يدرس المصرف المركزي زيادتها، تبلغ قيمتها 800 مليون دولار، وتشمل أسعار إقراض منخفضة لقطاع الإسكان والمشروعات الجديدة، ومن بينها مشروعات الطاقة المتجددة، كما مددت أجل قروض للشركات المتوسطة والصغيرة.