التونسيون يتخوفون من عودة الرقابة بعد قرار إغلاق مساجد ووسائل إعلام

الحكومة بررت ذلك بمكافحة الإرهاب.. ومنع المحطات الداعية إلى الجهاد

TT

أثار قرار الحكومة التونسية إغلاق وسائل إعلام ومساجد يسيطر عليها متطرفون، وإعلانها الجيش والأمن «خطيْن أحمرين»، مخاوف من عودة الرقابة، التي تخلصت منها تونس بعد ثورة 2011.

جاء هذا القرار إثر مقتل 15 جنديا غرب البلاد، في هجوم نفذه مسلحون محسوبون على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وكانت تلك أسوأ حادثة في تاريخ الجيش التونسي منذ استقلال البلاد سنة 1956، وبعد ذلك أعلنت الحكومة التونسية نهاية الأسبوع الماضي أن رئيسها مهدي جمعة قرر «الإغلاق الفوري للمساجد التي تقع خارج إشراف وزارة الشؤون الدينية إلى حين تعيين القائمين عليها من قبل سلطة الإشراف، وتلك التي ثبت الاحتفاء داخلها باستشهاد جنودنا البواسل». كما قرر رئيس الحكومة «الإقفال الفوري للإذاعات ومحطات التلفزيون غير المرخص لها، بعد أن تحولت منابرها الإعلامية إلى فضاءات للتكفير والدعوة إلى الجهاد»، وأصدر في الوقت ذاته «تعليمات لوزير التعليم وتكنولوجيات الاتصال بالتكفل بالإجراءات اللازمة للتصدي لصفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك أساسا)، المنادية بـ«التحريض على العنف والإرهاب والتكفير».

وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت في بيانها أن «المؤسستين الأمنية والعسكرية خطان أحمران»، وحذرت من أن «أي شخص أو مجموعة، أو حزب أو مؤسسة، تقدح في المؤسستين الأمنية والعسكرية، أو تنال من شرفيهما، تعرض نفسها للمتابعة القضائية العدلية والعسكرية».

وتهدف هذه الإجراءات، حسب السلطات، إلى استرجاع «هيبة» الدولة التي ضعفت منذ اندلاع ثورة 2011، ومحاولة السيطرة على إذاعات وتلفزيونات عديدة تعمل من دون تراخيص.

لكن بعض الأصوات المعارضة ارتفعت لتحذر من تراجع الحريات التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة، ودعت إلى إيجاد توازن بين الحق في الحصول على المعلومة ومكافحة الإرهاب، إذ قالت رشيدة النيفر، عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال المسموع والمرئي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «السياسيين في تونس، التي تمر بأوضاع صعبة، قد يتخذون إجراءات متسرعة لطمأنة الرأي العام». وأضافت محذرة «مكافحة الإرهاب لا يجب أن تكون بالتعسف أو الشعبوية، وإذا كنا نريد دولة قانون فعلينا احترام القانون».

وأعلنت الحكومة التونسية حتى الآن إغلاق إذاعة «النور» وتلفزيون «الإنسان» (محسوبان على التيار السلفي)، بعد أن صرحت وسائل إعلام بأنهما لا يتوفران على رخصة.

وقالت في بيان لها إن قرار الإقفال بمقتضى ما ينص عليه القانون، وذلك بعد التشاور مع هيئة الاتصال المسموع والمرئي، وهو أمر نفته الهيئة، التي أكدت في بيان لها أنها «لم تستشر في هذا القرار».

وأعلن ناجي البغوري، رئيس نقابة الصحافيين في تونس، رفض النقابة «وضع أي خطوط حمراء أمام الصحافيين في بلاده، إثر إعلان الحكومة الجيش والأمن «خطين أحمرين»، ورأى أن الحل يكمن في قيام وسائل الإعلام بـ«التعديل الذاتي»، على الرغم من اعترافه بأن ذلك يتطلب بعض الوقت، لأن صحافة تونس «لا تملك تجربة في هذا المجال».

وبخصوص إغلاق المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة، وصف محمد بن سالم، القيادي في حركة النهضة، هذا القرار بـ«الخاطئ» لأنه سوف يوسع «الحاضنة الشعبية للإرهابيين، وفق تعبيره. وقال إن «تغيير الأئمة الخارجين عن القانون هو الحل».

لكن منير التليلي، وزير الشؤون الدينية الجزائرية، أكد أن التغيير «أمر غير هين» لأن الذين يسيطرون على هذه المساجد أشخاص «عنيفون»، وقال إن المساجد للمصلين، وإن السلطات لن تعود إلى ممارسات «ما قبل الثورة».

وفي ظل تواصل سقوط قتلى من الجيش والأمن في هجمات تنسبها السلطات إلى «إرهابيين وتكفيريين»، أصبح جل التونسيين يرددون مقولة «لا تحدثني عن حقوق الإنسان إذا ما تعلق الأمر بالأمن القومي».

وفي هذا السياق، قال الشيخ فريد الباجي، وهو إمام معروف في تونس: «نحن في حرب وجود ضد الإرهاب، ومن يتحدث عن حقوق الإنسان الآن هو شريك في الإرهاب».