الفيصل: نريد أن تكون العلاقات الخليجية تضامنية.. وما حدث مع قطر لا يدعو للارتياح

وزير الخارجية السعودي يؤكد خلال اجتماع استثنائي لنظرائه في منظمة التعاون الإسلامي على أهمية المقترح العربي للسلام

الأمير سعود الفيصل لدى ترؤسه اجتماع اللجنة التنفيذية وإلى جانبه رامي الحمد الله رئيس الوزراء الفلسطيني وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لـ«الشرق الأوسط» أن المباحثات بين وزراء دول مجلس التعاون الخليجي مستمرة، وقال: «الذي حدث بيننا وبين قطر ليس بالشيء الذي يدعو للارتياح، ونحن نريد أن تكون العلاقات بين الدول الخليجية علاقات تضامن وتكافل واتفاق، خاصة على الجوانب الأساسية للسياسة الخارجية، وفي المواقف تجاه القضايا الدولية، هذا ما نأمل أن نصل إليه»، مضيفا أن «الأمور تسير في هذا الاتجاه، وإذا ما سارت في هذا الاتجاه فسيكون يوم فرح للجميع بنهاية المشكلة».

جاءت تأكيدات وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحافي في أعقاب اجتماع اللجنة التنفيذية الاستثنائي الموسع على مستوى وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بشأن الموضوع في فلسطين الذي عقد برئاسته في مدينة جدة يوم أمس.

وأشار الفيصل إلى أن التنسيق بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائهما أخيرا في جدة، كان حول فلسطين، وقال: «من البديهي أن البلدين يبذلان كل جهد لإيقاف العدوان على الفلسطينيين، وهما يتعاونان ويتصلان بكل الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي القادر على التأثير على إسرائيل لحثها على ممارسة الضغوط على تل أبيب».

حول الجهود المبذولة بإيقاف إطلاق النار، قال: «سواء نجحت تلك المجهودات أم لم تنجح، نحن هدفنا تحرير أراضي الفلسطينيين وعودة الحقوق إليهم»، مبينا أن هذه المباحثات ليست خطوة جوهرية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني، وقال: «المحاولة ستكون لبحث القضية برمتها، وجذب فكرة مفاوضات الدولتين، والمقترح العربي للسلام»، مشيرا إلى أن «المشكلة الجوهرية أن الإسرائيليين يريدون جعل المشكلة جزئيات: وقف إطلاق النار، وتوفير الأمن لإسرائيل، وإعطاء مساحات لسكانهم».

وعن تقاعس دور المنظمات الدولية ومجلس الأمن حيال ما يحدث في غزة، قال وزير الخارجية السعودي: «لا نستطيع إلا أن ندعو مجلس الأمن للاستمرار في ممارسة أدواره كما هي منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة»، موضحا أن دور المجلس ليس للتمييز بين القضايا، وأن هناك ازدواجا في المعايير يمارسه مجلس الأمن، حيث توجد قضايا يؤازرها على مبادئ الميثاق، وقضايا أخرى، مثل القضية الفلسطينية، يتركها ولا يعود للميثاق في تقييمها «وهذا هو احتجاجنا ضد مجلس الأمن، خاصة أن له سلطة الفيتو على القرارات، وهم يستطيعون أن يوقفوا أي جهد تجاه قضية، ويمارسوا جهدهم على قضايا أخرى»، وأضاف: «مجلس الأمن مستمر في هذا الأسلوب، فمرة يكون السبب هو توحيد موقف مجلس الأمن تجاه قضية معينة، وتموت القضية، أو يكون بالتنافس بين الدول المختلفة في مجلس الأمن وجميع المصالح حتى وإن كانت تشارك فيها بعض الدول في مجلس الأمن».

وحول ما تردد من أنباء عن إلغاء الدعم السعودي المقدر بثلاثة مليارات دولار للبنان بذريعة أخذ حصة من شركة فرنسية، قال الفيصل: «لم أسمع أبدا ما ذكر عن اكتشاف شركة فرنسية تأخذ عمولات على المبيعات»، مبينا أن المساعدات التي قدمتها بلاده إلى لبنان تنبع من إيمانها بأن الجهة التي تؤمن الأمن في لبنان هي قوى الأمن اللبناني، وأن تقويتها لتتمكن من القيام بواجبها؛ «مساعدة للمؤسسات السياسية والأمنية اللبنانية»، وقال: «آمل من الصحافة ألا تفسد أمرا فيه مصلحة للبنان».

وعن مقارنة ما تقوم به حركة حماس بإسرائيل، قال: «لا تمكن المقارنة بين إسرائيل وحماس». وتساءل: «كيف يمكن أن تقول إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها وهي تحتل الأرض، ولا تعطي الحق لحماس بالدفاع عن نفسها، ضد دولة كإسرائيل، التي ترى أن لها الحق في قتال آلاف من الفلسطينيين»، مشددا على أنه لا يوجد قانون في العالم يجيز لدولة محتلة لأخرى أن تدافع عن نقسها، وقال: «إسرائيل لا تهتم بأمن المنطقة تماما، ولن نستطيع تحقيق أي شيء في المنطقة ما لم يحل السلام أولا».

وكان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي افتتح جلسة الأمس بكلمة أكد فيها بالقول: «نجتمع اليوم هنا، في منظمة التعاون الإسلامي التي تمثل الأمة، وتجسد ضميرها، وتتحدث بصوتها، وتعبر عن إرادتها، وتبلور عزيمتها، حيث تعقد اللجنة التنفيذية اجتماعها الثاني خلال شهر واحد، وذلك من أجل التداول في كيفية التصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في قطاع غزة بعد أن استمر العدوان وتواصل ليلا ونهارا.. جوا وأرضا وبحرا، على مدى شهر كامل لقتل الفلسطينيين بشكل جماعي، مستهدفا المدنيين، وعلى نحو خاص الأطفال والنساء الذين يشكلون أكثر من نصف الضحايا». وأضاف: «لقد تابع العالم أجمع بشاعة ووحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو يستخدم أعتى أنواع السلاح لقتل الأبرياء المدنيين داخل بيوتهم وهدم الأسقف على رؤوسهم، حيث رأى العالم أطفالا ورضعا يقتلون وهم في أحضان أمهاتهم، ورأى أمهات يقتلن وفي أحشائهن أجنة أحياء، إن ما شاهده العالم في الحرب على غزة من صور مأساوية ووقائع غير مسبوقة من الوحشية والدمار الشامل يتجاوز كل الحدود الإنسانية».

واستطرد وزير الخارجية السعودي: «كما أن علينا ونحن نقف موقف الداعم والمؤيد مع الإخوة الفلسطينيين في صراعهم من أجل البقاء أمام قوة احتلال غاشمة تفلت من القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، علينا أن نسعى مع الإخوة لنضمن وحدتهم، وليكون الوطن وليس الفصيل هو مربطهم، وأن يكون الحق الفلسطيني لا الأجندات السياسية هي مأربهم، ولا بد هنا من الإشارة إلى المبادرة المصرية والجهود الخيرة التي قامت بها قيادة جمهورية مصر العربية لإنهاء هذه الأزمة ووقف العدوان الإسرائيلي وتحقيق التهدئة، تلك الجهود التي تستحق الإشادة والتقدير».

وأكد الفيصل أن بلاده لم تدخر جهدا في دعم القضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية وهي مواقف ثابتة ومعروفة للجميع، وقال: «ليس المقام هنا لاستعراضها، فقد أولتها حكومة المملكة اهتماما خاصا بوصفها قضية العرب والمسلمين الأولى، وعنصرا رئيسا في سياستها الخارجية، ولم تتخاذل أو تتقاعس يوما عن نصرتها، بل نذرت نفسها لخدمتها، وما زالت المملكة تواصل جهودها في المحافل الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، والاتصال بالأطراف الفاعلة في مجلس الأمن من أجل وقف سفك الدماء وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المشروعة».

وأشار الفيصل إلى أنه قد صدرت أخيرا توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتخصيص مبلغ 300 مليون ريال سعودي لوزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطيني، لمواجهة أعباء الخدمات الإسعافية ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، «وهي الآن في مرحلة الإنجاز، حيث تم إيصال ما يمكن إيصاله من أدوية ومستلزمات طبية، وجارٍ العمل على استكمال ما تبقى».

وأشار الأمير سعود الفيصل إلى «برنامج إعادة الإعمار في قطاع غزة، فإن الصندوق السعودي للتنمية مستمر في تخصيص التزام المملكة في هذا الإطار، وسيجري العمل بالتنسيق مع المانحين الآخرين لتمويل إعادة إعمار المنشآت والمساكن المتضررة جراء العدوان الغاشم بمبلغ 500 مليون دولار».

وعن ظروف إعادة الإعمار، أكد أنها «تمر بصعوبات كثيرة نتيجة للحصار المستمر والمفروض من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة، مما يعيق دخول المواد اللازمة للبناء والإعمار، وإن هذا الأمر يتطلب أن تقوم الأمم المتحدة والجهات المانحة الأخرى بالعمل على تسهيل إدخال المواد، كما أنها أيضا لم تتوان عن تقديم المساعدات الإنسانية والمالية لتخفيف معاناة أشقائنا في فلسطين وتعزيز صمودهم داخل الأراضي المحتلة، وستظل هذه السياسة - بإذن الله - هي سياسة المملكة إدراكا من المملكة لحجم هذه المأساة بكل أبعادها».

وأضاف: «لا نريد أن يكون اجتماعنا اليوم تكرارا لاجتماعاتنا السابقة، ولا نريد أن نحيل اجتماعنا إلى مجلس عزاء، فلا وقت للعزاء أو استجداء الحلول، علينا نحن أن نتغيّر فالله يقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فيجب أن نتحرك بكل صدق وأمانة، وبكل ما أوتينا من قوة وإمكانيات وهي كثيرة إذا ما استغلت ببصيرة واستخدمت بشكل جماعـي».

وشدد الأمير سعود الفيصل القول: «إن وقوفنا صفا واحدا خلف حقوق الشعـب الفلسطيني سيجعل العالم يدرك تماما أنه ليس بوسع إسرائيل أن تستمر في عدوانها على الفلسطينيين دون أن تدفع الثمن، وأن على إسرائيل أن تدرك أن السلام هو الخيار الأوحد لبقائهـا، وعلى الدول الأعضاء في منظمتنا التي ترددت في الوقوف والتصويت مع مصلحة القضية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان أن تراجع مواقفها بأن تلتزم التزاما صادقا بمبـادئ ومقاصد ميثاق المنظمة التي أنشئت أصلا من أجل نصرة القدس والقضية الفلسطينية».

واختم كلمته بقوله: «إنني أتطلع إلى آرائكم ومداولاتكم التي أثق أنها سوف تعزز من موقف الأمة الإسلامية في التصدي للعدوان الإسرائيلي وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني بكل وسائل العمل السياسي، والجهد القانوني، والدعم الاقتصادي».

من جهته قال إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إن استجابة الوزراء للدعوة «تأكيد على الإرادة المشتركة، والتضامن الحي الفعّال»، وقال: «إن العدوان الإسرائيلي ما زال يستبيح كل المحرمات والقيم والقوانين والأعراف الدولية بارتكاب جرائم حرب»، موضحا أن المنظمة الإسلامية أطلقت نداء للمجتمع الدولي ومؤسساته للتدخل الفوري لوقف هذا العدوان وتأمين الاحتياجات الإنسانية العاجلة.

وقال مدني: «إن استمرار المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يضع على كاهل دولنا الأعضاء مسؤولية فردية ومشتركة، لاتخاذ التدابير والخطوات اللازمة لمواجهة هذا التحدي»، مبينا أن من ضمن الأهداف «وضع الميزانية اللازمة للتحرك القضائي فيما يخص ملف المحكمة الجنائية الدولية، وملف الدولة الأبارتايد، واعتماد ميزانية لإعداد دراسة جدوى اقتصادية ومالية مفصلة لإعادة إعمار وفتح مطار قطاع غزة، واعتماد ميزانية لإعداد دراسة جدوى اقتصادية وهندسية مفصلة عن إنشاء ميناء بحري في قطاع غزة، وتفعيل ودعم وتمويل صندوق القدس الذي أنشئ من أجل القدس الشريف، ودعم صندوق التضامن الإسلامي».

من جانبه وجه الدكتور رامي حمد الله رئيس وزراء فلسطين، كلمة طالب فيها بالتحرك العاجل والفاعل لوقف جميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب وإرهاب الدولة، وأيضا إيقاف إرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، مطالبا بوضع حد لسياسة العقاب الجماعي واستخدام القوة الفتاكة والعشوائية ضد السكان المدنيين.

وأشار إلى ضرورة التحرك القوي باتخاذ القرارات والإجراءات الجدية من خلال وضع كل الإمكانيات المتوفرة لدى الدول الأعضاء في المنظمة، لممارسة المزيد من الضغط من أجل إنفاذ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بجانب توفير ما يحتاجه القطاع من مساعدات طبية وإنسانية من أدوية وغذاء، وإعادة الكهرباء والماء.

ودعا حمد الله الدول الأعضاء إلى استقبال الجرحى الفلسطينيين، مؤكدا في هذا السياق ضرورة العمل من أجل انتزاع الالتزام الدولي بعملية إعمار شاملة للقطاع، بالإضافة إلى عقد اجتماع عاجل لدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة ليجري إنفاذ واحترام الاتفاقية في دولة فلسطين المحتلة بما فيها القدس الشرقية، باتخاذ الإجراءات العملية اللازمة لوقف انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي وإرهاب مستوطنيه ضد المواطنين الفلسطينيين المدنيين، ومحاسبة مجرمي الحرب، واتخاذ إجراءات جزائية حسب المواد 146 و147 من الاتفاقية.

كما طالب رئيس الوزراء الفلسطيني بالالتزام بالقانون الدولي وتحمل المسؤوليات فيما يتعلق بتجارة الأسلحة والعلاقات مع إسرائيل، لافتا إلى أن استمرار التجارة والمساعدة العسكرية لإسرائيل يعد انتهاكا للمادة 6 من معاهدة تجارة الأسلحة وغيرها من قواعد القانون الجنائي الدولي، عادّا هذا الخرق للقانون الدولي إسهاما في إدامة الصراع وتكرار الجرائم الخطيرة والبشعة التي ارتكبت في قطاع غزة، مشددا على ضرورة فرض حظر على حصول دولة الاحتلال على الأسلحة.