الحكومة المصرية ترفض تقرير «هيومن رايتس ووتش» وتتهمه بـ«السلبية والتحيز»

نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان لـ («الشرق الأوسط») : نتخوف من إحياء العنف في ذكرى «رابعة»

مخاوف من أعمال عنف في ذكرى فض اعتصام ميدان «رابعة العدوية» العام الماضي خاصة في ظل دعوة الإخوان للتظاهر (أ.ف.ب)
TT

قال الدكتور عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الدولة عليها أن تدرك أن علاج حالة التوتر والعنف يجب ألا يكون أمنيا فقط، مشيرا إلى تخوفه من إحياء العنف في ذكرى مرور عام على فض اعتصام أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي في ميدان «رابعة العدوية» العام الماضي، وخاصة في ظل دعوة الإخوان للتظاهر في ذلك اليوم. ويأتي هذا في وقت رفضت فيه الحكومة المصرية أمس تقريرا أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية حول الوقائع، واصفا التقرير بأنه «سلبي ومتحيز.. وأنه تجاهل العمليات الإرهابية لجماعة الإخوان».

وكانت قوات الأمن المصرية قد فضت بالقوة في 14 أغسطس (آب) الماضي اعتصامين لأنصار مرسي من الإسلاميين في رابعة العدوية (شرق القاهرة) والنهضة (الجيزة)، استمر 47 يوما، احتجاجا على عزل مرسي، وشهدت الأحداث وما تلاها مقتل المئات من المحتجين ورجال الشرطة.

ووفقا لتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الصادر في مارس (آذار) الماضي، فقد أسفر فض الاعتصام عن مقتل 632، منهم 624 مدنيا و8 من رجال الشرطة. وتوصل التقرير إلى أن اعتصام رابعة لم يكن سلميا لوجود مسلحين استخدموا معتصمين سلميين «دروعا بشرية»، لكنه ذكر أن قوات الأمن أمهلت المعتصمين 25 دقيقة فقط لمغادرة موقع الاعتصام، وأخفقت في الحفاظ على «التناسبية في كثافة إطلاق النار» على المسلحين.

وأوصى المجلس الحكومة بفتح تحقيق قضائي مستقل في كل الأحداث التي تزامنت مع اعتصام ميدان رابعة وتلك التي صاحبت عملية فضه وإخلائه من قبل قوات الأمن، وكذا تلك التي وقعت في المحافظات المصرية المختلفة نتيجة لذلك، وتحديد المسؤولية عنها جميعا واتخاذ الإجراءات القضائية الواجبة دون إبطاء تجاه كل من يثبت تورطه في ارتكاب أي من تلك الجرائم أو الانتهاكات المشار إليها في تقرير المجلس وتقديمه لمحاكمة تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.

وقال شكر إن «المجلس طالب رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بانتداب قاض مستقل للتحقيق في الوقائع المذكورة، وبالفعل استجاب الرئيس لذلك وأرسل طلبنا لوزير العدل، الذي بدوره لم يفعل ذلك حتى الآن».

وتشمل التوصيات أيضا تعويض كل الضحايا الذين سقطوا نتيجة الاشتباكات المسلحة والذين لم يثبت تورطهم في أعمال عنف أو الدعوة لها، وكذلك اتخاذ التدابير التشريعية التي تنهي وبشكل قاطع إمكانية استخدام العنف أو الدعوة له بوصفه وسيلة للتعبير عن الرأي بين أي من الجماعات أو القوى السياسية، لكن نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أكد أنه لم يجر دفع أي تعويضات للضحايا.

وأشار شكر إلى أنه بعد عام من فض الاعتصام تشهد مصر حالة من التوتر والعنف، وهناك عمليات إرهابية متصاعدة تشارك فيها جماعات كثيرة وليس جماعة الإخوان المسلمين فقط، مما يعني ضرورة أن تدرك الدولة أن العلاج لا يكون أمنيا فقط، بل لا بد من بعد سياسي لتقليل حالات العنف في المجتمع.

وحول إمكانية تجدد مثل هذه الأحداث مرة أخرى خلال ذكرى مرور عام على فض الاعتصام، التي تواكب يوم غد الخميس، قال شكر: «إن الإخوان دعوا للتظاهر، وإذا حدث اشتباك مع قوات الأمن وتم تبادل النيران سيحدث عنف بالطبع وسيسقط قتلى، لكننا لا نأمل ذلك».

ودعا التحالف الوطني لدعم الشرعية أنصاره إلى تدشين ما سماه «موجة ثورية» تبدأ الخميس المقبل تحت عنوان «القصاص مطلبنا» في ذكرى فض الاعتصام، مطالبا الشباب والطلبة بتصدر القيادة الميدانية للحراك الثوري، على حد قوله.

وقال التحالف، في بيان أصدره أول من أمس: «لتكن كافة الميادين بكافة المحافظات هدفا للحراك، والقرار الميداني للأرض بما يحفظ الأرواح ويحقق الأهداف فيما يخص الميادين الثلاثة: رابعة والتحرير والنهضة». وحذر التحالف من «استهداف أرواح المصريين».

وحول أوضاع السجون في مصر وتوقيف المئات من الإسلاميين، طالب شكر الرئيس المصري بأن يعاد النظر في أمر المحبوسين احتياطيا دون اتخاذ قرار بشأنهم، باعتبار أن بقاءهم على ذلك الوضع يعد وضعا غير قانوني وانتهاكا لحقوق الإنسان، وأضاف: «إما إخلاء سبيلهم أو إحالتهم للمحاكمة».

ودعا القومي لحقوق الإنسان كل القوى السياسية والحكومة إلى ضرورة وقف ونبذ أعمال العنف والعنف المضاد وإعلاء قيم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما ناشد الحكومة المصرية التدخل الفوري والعاجل لوقف حملات الكراهية والتحريض على العنف التي تروج لها بعض وسائل الإعلام المحلية، وذلك لما تمثله من خطورة بالغة على استقرار البلاد وأمنها وحالة حقوق الإنسان بها، والبدء الفوري ودون إبطاء في إخضاع العناصر الشرطية لعمليات التدريب والتأهيل المستمر، خاصة في مجالات البحث الجنائي ومكافحة الشغب وفض التجمعات وتدريبها على المعايير الدولية.

وفيما يتعلق بمنع السلطات الأمنية في مصر لوفد منظمة هيومن رايتس ووتش من دخول البلاد أول من أمس لعقد لقاء مع المسؤولين المصريين وإعلان صدور تقرير المنظمة حول فض اعتصامي رابعة والنهضة، قال شكر إن «وفد المنظمة لم يلتزم بالقانون لذلك تم منعه.. ولا أحد فوق القانون»، مشيرا إلى أن المنظمة سبق وأن قامت بسحب طلبها إصدار التصريح اللازم لها للعمل في مصر بوصفها منظمة أجنبية غير حكومية وفقا لأحكام قانون 84 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية، وتريد حاليا العمل دون سند قانوني.

وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت أن المنظمة قد تقدمت بطلب للسلطات المصرية لعقد لقاء مع المسؤولين المصريين خلال زيارتهم لمصر في شهر أغسطس (آب) الجاري، وأنه حرصا على التعاون مع المنظمة واحتفاظا بالحق السيادي لكل دولة في استقبال الأجانب على أراضيها فقد تم إبلاغها بتأجيل الزيارة إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل لعدم ملاءمة إتمامها في التوقيت المقترح مع التأكيد على ضرورة الحصول على تأشيرة مسبقة من بعثاتنا بالخارج قبل الدخول إلى البلاد، وعدم جواز دخولهم بتأشيرة سياحية من مطار القاهرة الدولي لعدم تماشي ذلك مع غرض الزيارة المعلن من قبل المنظمة.

وأوضحت الوزارة أن وفد المنظمة وصل إلى مطار القاهرة في الموعد الذي حددوه من جانبهم دون الحصول على التأشيرة اللازمة لدخول البلاد، وهو الأمر الذي يتسق مع النهج الذي دأبت عليه المنظمة من حيث اعتبار نفسها كيانا يعلو على القانون ولا يخضع لأحكامه، على حد قوله.

وفي تقريرها الذي أعلنته أمس طالبت هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في واقعة فض اعتصام رابعة، وكذلك تعليق المساعدات العسكرية لمصر إلى أن تتبنى إجراءات لإنهاء انتهاكاتها للحقوق، على حد قولها. وقالت المنظمة، في تقريرها المنشور عبر موقعها الإلكتروني، إنها أجرت مقابلات مع أكثر من 200 شاهد، بينهم متظاهرون وأطباء وسكان من مناطق الأحداث وصحافيون مستقلون، وزارت كل موقع من مواقع التظاهر أثناء الاعتداءات أو مباشرة في أعقاب بدئها، وراجعت أدلة مادية وساعات من مقاطع الفيديو وتصريحات مسؤولين حكوميين.

في المقابل، أكدت الحكومة المصرية أن التقرير «اتسم بالسلبية والتحيز في تناوله لأحداث العنف التي شهدتها مصر خلال عام 2013، وتجاهل العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم الإخوان الإرهابي وأنصاره».

وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بيانا أمس للرد على الادعاءات الواردة بالتقرير. وقالت الهيئة: «إذ لم تفاجأ الحكومة المصرية بالتقرير، في ضوء التوجهات المعروفة للمنظمة، والنهج الذي دأبت على اتباعه، فإنها ترفض التقرير وتنتقد عدم حياديته، حيث أبرز تواصل واستمرار التوجهات غير الموضوعية للمنظمة ضد مصر».

ورأت الحكومة أن «ما أورده من توصيفات وسرد للوقائع التي حدثت خلال شهري يوليو وأغسطس 2013، يعكس بوضوح؛ ليس فقط عدم مهنية كوادر المنظمة بالاعتماد على شهود مجهولين ومصادر غير محايدة وغير موثوق بها، بل يؤكد انفصال واضعي التقرير تماما عن واقع المجتمع المصري، وتوجهاته الفكرية والسياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، أخذا في الاعتبار عدم تمتع المنظمة بوضعية قانونية للعمل في مصر، وبالتالي فإن إجراءها لتحقيقات وجمع أدلة وإجراء مقابلات مع شهود على أحداث العنف دون أي سند قانوني يُعد انتهاكا سافرا لمبدأ القانون الدولي المستقر بسيادة الدولة فوق أراضيها».

وعبرت الحكومة عن أسفها لتغاضي التقرير عمدا عن الإشارة إلى وقوع المئات من شهداء الشرطة والقوات المسلحة والمدنيين جراء أحداث العنف والإرهاب التي لا تزال مستمرة إلى الآن، عن طريق هجمات وتفجيرات منسقة ومنظمة على يد من وصفهم التقرير بـ«المتظاهرين السلميين».