فرنسا تقرر تسليح القوات الكردية وعدم انتظار قرار أوروبي

الأوروبيون منقسمون إلى ثلاث مجموعات .. ووزراء خارجيتهم يجتمعون الجمعة

مظاهرة لتنديد بممارسات «داعش» والمطالبة بمنح «إبادة» اليزيديين أمام مقر الحكومة البريطانية أمس (تصوير: جيمس حنا)
TT

فيما أظهر اجتماع لجنة السياسة والأمن الأوروبية الذي التأم في بروكسل أول من أمس انقسامات حادة بين من يدعو لتسليح أكراد العراق ومن يرفض تسليحهم، حسمت باريس أمرها وقررت اللحاق بالولايات المتحدة الأميركية والمباشرة بإرسال أسلحة إلى البيشمركة الكردية. وبعد أن كانت تطالب بعمل أوروبي جماعي، دفع غياب الاتحاد الأوروبي وتردده في الاستجابة للنداءات الفرنسية المتكررة بباريس إلى التصرف «الأحادي» وعدم انتظار تبلور موقف جماعي على مستوى الدول الأوروبية الـ28 المنضوية تحت لواء الاتحاد.

ونتيجة لذلك، أصدر قصر الإليزيه، أمس، بيانا جاء فيه أنه «استنادا إلى الاتصال (الهاتفي) الذي جرى يوم 7 الجاري بين رئيس الجمهورية (فرنسوا هولاند) والرئيس (إقليم كردستان مسعود) بارزاني، عمدت فرنسا منذ عدة أيام إلى اتخاذ التدابير الضرورية من أجل دعم القدرات العملانية للقوات المنخرطة في محاربة الدولة الإسلامية». ويضيف البيان أنه «من أجل تلبية الحاجات الملحة التي عبرت عنها سلطات كردستان، فإن رئيس الدولة قرر بالتفاهم مع بغداد، إرسال أسلحة في الساعات المقبلة». وفي البيان، حرصت الرئاسة الفرنسية على إعادة تأكيد دعمها لرئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب مشددة على الحاجة «الأساسية» لتشكيل حكومة «وحدة تمثل كل المكونات العراقية من أجل محاربة فعالة» لـ«داعش». كذلك، حثت الرئاسة الفرنسية على الاستمرار في حشد كافة الإمكانيات لصالح كردستان و«العراق بأكمله» وعلى الحاجة لتنسيق الجهود الدولية.

وواضح من البيان الرئاسي أن باريس تريد مراعاة حساسيات بغداد والرئاسات الثلاث من خلال الإشارة إلى التفاهم والتنسيق مع العاصمة المركزية في موضوع إيصال الأسلحة إلى البيشمركة رغم أن القناعة الفرنسية، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية في باريس، بأن القوات الكردية هي «الوحيدة» القادرة في الوقت الحاضر على الوقوف بوجه ميليشيات «داعش» في مرحلة أولى قبل العمل، في مرحلة لاحقة، على استعادة المناطق التي سيطر عليها «داعش».

وإذا كانت فرنسا وإيطاليا قد نجحتا في دفع ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية كاترين آشتون الموجودة حاليا في مهمة في فيتنام إلى التحرك وبدء سلسلة من الاتصالات ودعت وزراء خارجية الاتحاد لاجتماع عاجل الجمعة، فإن باريس لم تنجح في دفع شركائها إلى تبني تسليح القوات الكردية. ووفق المعلومات المتداولة في العاصمة الفرنسية، فإن الدول الأوروبية انقسمت إلى ثلاث مجموعات: الأولى تدعو للتسليح وتضم فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، والثانية تعارض وعلى رأسها السويد، فيما الثالثة لا تجد نفسها معنية وتضم بشكل رئيس بلدان أوروبا الوسطى والشرقية المشغولة بموضوع أوكرانيا. أما ألمانيا، فقد أعلنت قبولها فكرة مد الأكراد بتجهيزات عسكرية، لكنها رفضت تزويدهم بالسلاح.

وبالنظر إلى هذه الانقسامات، فقد اعتمد الأوروبيون مبدأ أنه «يحق» لكل دولة أن تسلح المعارضة الكردية وفق ما ترتئي إذ أن قرارا جماعيا يفترض توافر الإجماع.

وكان الرئيس هولاند التزم خلال اتصال هاتفي مع بارزاني بأن يحشد الإمكانيات الأوروبية وأن يوفر السلاح للقوات الكردية. كما أنه التزم إزاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن «تتحمل فرنسا كامل مسؤولياتها» في موضوع الأزمة العراقية. وباستثناء المشاركة العسكرية المباشرة في العمليات العسكرية الجوية ضد «داعش» التي استبعدتها باريس «في الوقت الحاضر»، فإنها بصدد تنفيذ ما وعدت به وقوامه الضغوط السياسية والدبلوماسية في مجلس الأمن وداخل الاتحاد الأوروبي وتعبئة الجهود لإغاثة مئات الآلف من المهجرين والعمل على حماية الأقليات فضلا عن توفير السلاح للبيشمركة.

وفي السياق الإنساني، أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أن شحنة جوية جديدة قوامها عشرون طنا من المساعدات الإنسانية كان يفترض أن تصل أمس إلى أربيل وتشتمل على خيم ومعدات لتنقية وتوزيع المياه وهي تكفي حاجات خمسين ألف شخص، واعدا في الوقت عينه بشحنات جديدة «في الأيام القادمة». وعهد هولاند لوزير خارجيته بالإشراف «شخصيا» على عمليات الإغاثة.

بيد أن هذه الجهود لا تنال حظوة لدى المعارضة الفرنسية التي لا تنفك عن التنديد بالغياب الأوروبي عن مشاكل الشرق الأوسط من غزة إلى العراق، من جهة، وبتردد رئيس الجمهورية من جهة أخرى. وذهب ثلاثة رؤساء حكومة سابقون يمثلون الإدارة المؤقتة لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني وهم ألان جوبيه وجان بيار رافاران وفرنسوا فيون إلى مهاجمة سياسة هولاند الخارجية في الشرق الأوسط التي «تتقلب بين التبعية وغياب رد الفعل». وفي رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية، نشرتها أمس صحيفة «لوموند» دعا الثلاثة هولاند إلى «إسماع صوت فرنسا وإلا سيلحقها العار».

وطالب الثلاثة هولاند بالدعوة لانعقاد قمة أوروبية استثنائية عاجلة تقر برنامج مساعدات إنسانية واسعة للمهجرين واللاجئين في العراق وتعلن بلا مواربة دعمها للعمليات العسكرية الأميركية كما تقر برنامج تسليح جماعي للقوى الكردية فضلا عن تشجيع الدعوة لمؤتمر إقليمي يضم تركيا وإيران وقطر «القادرة وحدها على لجم» تنظيم «داعش» في العراق والمشرق.

ولا تقتصر الانتقادات على اليمين إذ أن بعض اليسار بمن فيه الاشتراكي يصوب على سياسة هولاند الشرق أوسطية. إزاء هذه الحملة متعددة الأصوات، رد وزير الخارجية ببيان شديد اللهجة مستهدفا بالدرجة الأولى رؤساء الحكومة الثلاثة السابقين وعادا أن انتقاداتهم لسياسة فرنسا الخارجية «لا أساس لها» وأنها «مدعاة للأسف والدهشة» على السواء، ومذكرا بالجهود التي تقوم بها بلاده لحشد الطاقات الأوروبية والدولية بما خص العراق وغزة وسوريا ولبنان والشرق الأوسط بشكل عام. ورأى فابيوس أن التوترات الخطيرة القائمة في العالم يفترض بها أن تدفع بالسياسيين الفرنسيين إلى لم الشمل وليس إلى الجدل العقيم غامزا من قناة الثلاثة وعادا أن «المعارك السياسية في الداخل لا يجب أن تتيح كل أنواع التماديات».

وفي لندن صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه «جار وضع الخطط» من أجل مهمة دولية لإنقاذ الإيزيديين في العراق. وقال كاميرون الذي عاد إلى لندن قاطعا إجازة عائلية في البرتغال إن بريطانيا ستلعب دورا في هذه المهمة. وتحدث كاميرون بعد اجتماع للجنة الطوارئ الحكومية (كوبرا). وردا على سؤال بشأن الدعوات التي توجه لبريطانيا لتحذو حذو فرنسا في تسليح القوات الكردية، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن كاميرون قوله: «يجب أولا التصدي للوضع الإنساني الخطير حيث يوجد أفراد يتضورون جوعا ويموتون عطشا... ونقلهم إلى أماكن آمنة».