فلسطينيو غزة مستاؤون من حماس

كثير منهم يحملون الحركة مسؤولية الأزمة الإنسانية.. وطالبوا المسلحين بالتوقف عن إطلاق الصواريخ من أحيائهم

TT

يقول زياد أبو حلول إنه سئم رؤية حيه مدمرا. لقد سئم من عدم وجود مياه جارية لمدة عشرة أيام، ومن انقطاع الكهرباء مدة أطول. وسئم من مشاهدة حماس ومسلحين فلسطينيين آخرين وهم يطلقون الصواريخ على إسرائيل من حيه، كذلك أنهكته كثرة الدعاء بألا يدمر القصف الإسرائيلي منزله.

بعد أكثر من شهر على الحرب والدمار، يقول أبو حلول - في كلمات كانت غير متوقعة في الماضي - إنه رغم كراهيته لإسرائيل فإنه أيضا يلوم حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى بسبب معاناته.

قال أبو حلول، الذي يعمل موظفا حكوميا، إنهم «ارتكبوا الكثير من الأخطاء. يجب أن توقف جميع الفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ، يكفي هذا. نحن نعيش في معاناة».

في حين ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 1900 شخص، يشكك مزيد من أهالي غزة في قرارات واستراتيجيات حماس، التي تحكم سيطرتها على القطاع ويتردد أنها تهدد – وأحيانا تلحق ضررا – بمن ينتقدون سياساتها. لا يزال القدر الأكبر من هذا الاستياء كامنا تحت السطح، ويشار إليه فقط في الأحاديث الجانبية. ولكن في مناطق متضررة مثل بيت لاهيا، يظهر الاستياء علانية نتيجة للشعور بالعجز والإنهاك.

ليس بالضرورة أن تعكس الانتقادات عدم تأييد حماس. يقول معظم الفلسطينيين، حتى أكبر المهاجمين للحركة، إنهم يؤيدون الحرب الراهنة ضد إسرائيل، اعتقادا منهم أنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق المطالب الفلسطينية قصيرة الأجل من رفع الحصار الاقتصادي الإسرائيلي والمصري عن غزة وفتح المعابر الحدودية للقطاع.

ولا يوجه أي من سكان بيت لاهيا اتهاما ضد حركة حماس باستخدامهم دروعا بشرية، كما تدعي إسرائيل، حتى مع اعترافهم بأن المسلحين يطلقون الصواريخ من أحيائهم. ولكن، يشير تنامي الإحباط بين الفلسطينيين إلى أنه رغم حماسهم الوطني فإن كثيرا منهم يعدون حماس مسؤولة إلى حد ما عن الأزمة الإنسانية. (وقد يزداد هذا الاستياء إذا أعادت حماس إشعال الحرب أثناء الهدنة المستمرة لمدة 72 ساعة – وهي واحدة من عدة فترات توقفت فيها النيران أثناء الحرب الراهنة).

إذا توصل المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون في القاهرة إلى عقد اتفاق سلام دائم، قد تواجه حماس ضغوطا شعبية بإعادة بناء غزة وتحسين الاقتصاد المدمر، أو على الأقل بعدم عرقلة جهود إعادة الإعمار الدولية.

قال مخيمر أبو سعدة، المحلل السياسي في جامعة الأزهر بغزة: «إذا لم يحدث ذلك بداية من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات الفلسطينية، فسوف تكون حماس في وضع صعب للغاية. نعم، يحتضن الفلسطينيون حماس والمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل. ولكنهم في النهاية يريدون إصلاح منازلهم وبنيتهم التحتية... وإذا لم يجر ذلك على المدى قصير، فسوف ينعكس سلبا على حماس وشعبيتها في الشارع الفلسطيني».

قبل اندلاع الحرب الراهنة في 8 يوليو (تموز)، كانت حماس تحت عزلة سياسية. كانت قد فقدت الدعم الذي يقدمه لها راعياها الرئيسان، سوريا وإيران، بسبب رفضها دعم النظام السوري في حربه ضد الثورة التي يقودها المسلمون السنة. كما ترى الحكومة العسكرية في مصر، التي أطاحت بالرئيس الإسلامي محمد مرسي وحزب جماعة الإخوان المسلمين الذي كان يرأسه، أن حماس تمثل تهديدا لها.

ويقول المتابعون إن عددا متزايدا من الفلسطينيين خاب أملهم في حماس وعجزها عن إنهاء الحصار الإسرائيلي الجزئي وكذلك المصري، عن غزة، الذي قوض الاقتصاد. تعاني حماس، التي سيطرت على القطاع الساحلي منذ عام 2007، أزمة مالية جعلتها غير قادرة على دفع رواتب 44.000 موظف في الحكومة. كما شابت فترة حكم حماس مزاعم بوجود فساد بين المسؤولين.

يقول المحلل السياسي حمزة أبو شنب الذي كان والده من كبار قيادي حماس واغتالته إسرائيل عام 2003: «كانت هناك بعض مشاعر الإحباط تجاه حماس. ظن الناس أن حماس تخلت عن المقاومة وأن أعضاءها يسعون وراء مصالحهم فقط». ولكن عزز خوض الحرب ضد إسرائيل من صورة حماس وشعبيتها.

وعندما شنت إسرائيل غزوا بريا، كانت شعبية حماس مرتفعة كثيرا. وفي الوقت الحالي، يشكك بعض الفلسطينيين في قرار رفض الهدنة الأولى. جدير بالذكر أن 200 فلسطيني تقريبا قتلوا في الحرب في ذلك الوقت. واليوم وسط مساعي تهدئة أخرى تقودها مصر، وصل عدد الضحايا إلى ما يقرب من عشرة أضعاف هذا الرقم، وأصبحت غزة أرض فناء، إذ فاق الدمار الذي لحق بها ما خلفته الحربان السابقتان مع إسرائيل في عامي 2009 و2012. ويقول هاني حبيب الصحافي الفلسطيني والمحلل السياسي، إن الجميع يتساءلون هامسين الآن: «لماذا لم تقبل حماس بالمبادرة المصرية في بداية الحرب عندما كان عدد الضحايا منخفضا؟».

يمكن سماع هذه الآراء حول بيت لاهيا، وهي منطقة جبلية مترامية الأطراف على حدود متاخمة لإسرائيل. يقول كثير من السكان إنهم أصيبوا بالإنهاك جراء تحمل ويلات الحرب، مشيرين إلى أن القتال لم يلحق كثيرا من الضرر بإسرائيل.

يقول حاتم مينا، وهو مدرس يبلغ من العمل 55 سنة، مشيرا إلى حماس والمسلحين الفلسطينيين الآخرين: «كان يجب عليهم القبول بوقف إطلاق النار. كان ذلك سيوقف إراقة الدماء. نحن الوحيدون الذين تأثروا بالحرب، هدمت منازلنا وحياتنا. لقد وقع الدمار على هذا الجانب وليس على الجانب الإسرائيلي».

يقول سكان آخرون إنهم يريدون من المسلحين التوقف عن إطلاق الصواريخ من أحيائهم نظرا لأن ذلك يجلب عليهم رد فعل أكثر قوة من إسرائيل.

يقول رفعت شامية (40 سنة)، إنهم «عندما يطلقون الصواريخ من هنا ترد إسرائيل بشن غارات جوية بطائرات (إف 16). لقد تعبنا. وليست لدينا القوة لمحاربة إسرائيل. في حين أن من يجلس في مكتبه بإسرائيل يستطيع أن يدمر غزة بأسرها باستخدام ريموت كنترول».

قال أبو حلول، موظف الحكومة، إنه كان يجب على حماس أن تتوقع تداعيات ذلك على الشعب الفلسطيني عندما أيدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تفرعت منها حماس.

وأضاف: «لم تعد لدينا الآن أي علاقات مع أي دولة عربية أخرى. كان يجب أن نبقى بعيدين عن ذلك».

ومن جانبهم، قال بعض السكان إنهم لا يتوقعون أن تقوم حماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى بالمساعدة في جهود إعادة إعمار غزة.

يقول محمود (الذي يبلغ من العمر 20 سنة)، وطلب عدم ذكر لقبه: «إنهم يحاربون إسرائيل فقط، ثم يتركون كل شيء. سوف يدفع الناس الثمن».

ولكن، لم يقل أي شخص من أهل غزة ممن جرى اللقاء معهم، إن حماس أجبرتهم على البقاء في أحيائهم حتى يكونوا دروعا بشرية، كما تدعي إسرائيل. ولم يشر أحد إلى أن قرار حماس بشن الحرب على إسرائيل كان مضلَلا. بل يقولون إن إسرائيل لم تعط الفلسطينيين خيارا آخر لتحسين معيشتهم وحياتهم بكرامة.

وعلق أبو حلول: «كل هذا رد فعل على ما تفعله إسرائيل. دماؤنا ليست رخيصة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»