يوميات مراسل من غزة: قذائف البوارج خارج «الهدنة»

TT

استفقت لليوم الثاني على التوالي، على أصوات الانفجارات التي هزت مخيم الشاطئ حيث أسكن، كنت أعتقد كما سكان المخيم والأحياء المجاورة أننا لن نسمع الانفجارات في الهدنة، لكن يبدو أن كل هذه الآمال باتت في مهب الريح سواء في الهدنة أو في حالة الحرب التي لم تدع أحدا في غزة ينام بأمن وسلام إلا وقد استهدفته صواريخ الطائرات والدبابات والبوارج التي لم تترك شارعا أو زقاقا في غزة إلا وقد ناله من النصيب شيء.

عند الثانية من كل فجر يوم يخرج الصيادون ومنهم بعض جيراننا إلى أعمالهم بحثا عن قوت يومهم، ثم يصلون إلى الميناء ويبحرون منه يبحثون عن رزقهم لكن كل ذلك يكون محفوفا بالخطر الشديد حتى في وقت التهدئة التي يحاول أن يشعر بها الصيادون أنهم في أمان لن تتعرض لهم فيها البوارج الإسرائيلية لإطلاق النار عليهم وإفساد رحلتهم الليلية من أجل أن يعيشوا بأقل ما يمكن أن يوفروه لأنفسهم من مال مقابل ما يصطادونه ويبيعونه في الأسواق.

وقالت لي جارتنا المسنة «أم محمد» وهي أم لأربعة شبان يعملون في الصيد البحري، بأنها لا تنام الليل حتى يطلع الصباح تنتظرهم خوفا على أبنائها الذين يبحثون عن لقمة عيشهم من بين أنياب الرصاص الإسرائيلي وبوارجه الحربية التي لا تقتل وتفتك بهم فقط بل إنها تلاحقهم وقد اعتقلتهم عدة مرات سابقا قبل أن يفرج عنهم بعد ساعات.. تشير ونحن نتحدث سويا في ليلة مظلمة على المخيم بسبب انقطاع الكهرباء وجميع الجيران من حولنا يتابعون ما يجري على الشاطئ من قصف عنيف، أن الاحتلال دوما يجرد الصيادين من ملابسهم قبل أن يعتقلهم ويحاول إذلالهم وينكل بهم لإجبارهم على عدم العمل في البحر مجددا إلا أنهم يرفضون ويعودون للعمل فيعود ليلاحقهم. كنت أتأمل في أن أعيش الليالي الثلاث من الهدنة في هدوء وأمن وأمان كما باقي الفلسطينيين في غزة، لكن كل شيء تغير بعد الليلة الأولى التي سعدنا بها كثيرا فلم نسعد أبدا بالليالي الأخرى ونحن نسمع دوي البوارج تدك قوارب صيادينا وشواطئنا وترعب أطفالنا وتقلق منامنا، حتى فهمت أن تلك البوارج خارج مسار الهدنة.