حرب «الإخوة الأعداء» في حزب الدعوة العراقي تسرق الأضواء من «داعش»

العبادي بحاجة لقرارات جريئة وسط انقسام داخلي

TT

لم تضع بعد الحرب أوزارها بين رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي، ورئيس الوزراء المكلف الذي لم تبدأ ولايته حتى الآن حيدر العبادي. لكنه، وطبقا للمعطيات المتوفرة على أرض الواقع، فإن هذه الحرب بين زعيم حزب الدعوة المالكي ورفيق دربه والناطق الرسمي باسم حزبه سابقا حيدر العبادي في طريقها إلى النهاية، بانتظار قرار مؤجل سوف تصدره المحكمة الاتحادية، لن يكون لصدوره أي تأثير على مجريات الأوضاع؛ ففي حال صدر بعدم عد ائتلاف دولة القانون الكتلة الأكبر، فإن ترشيح العبادي من قبل التحالف الوطني بوصفه الكتلة الأكبر صحيح، بالإضافة إلى أنه المرشح لمنصب مخصص للشيعة وفق الطريقة التي تدار بها السلطة في العراق، وتقسم بموجبها المناصب، وهي المحاصصة العرقية والطائفية.

وفي حال صدر القرار لصالح دولة القانون، فإن المرشح البديل للمالكي من دولة القانون ومن حزب الدعوة، وينتميان إلى التحالف الوطني، فالذي حصل أن قيادة الدعوة انشقت على نفسها، ورشحت العبادي بديلا عن المالكي، بعدما أصبح المنصب أهم من الشخص، حتى لو كان الأمين العام. هذه القصة التي تشغل الرأي العام العراقي منذ نحو أربعة أيام، عندما أصدر الرئيس العراقي فؤاد معصوم قراره بترشيح العبادي بدلا من المالكي، فجأة تحولت الأنظار إلى هذا التكليف، لا سيما أن المالكي ظهر في مؤتمر صحافي بعد أقل من ساعتين على هذا التكليف، متوعدا الجميع بالويل والثبور، منددا بكل من وقف إلى جانب هذا «الخرق الدستوري»، مثلما وصفه، بدءا من إيران والولايات المتحدة الأميركية، وانتهاء بكل القوى والكتل والتيارات السياسية في الداخل. العراقيون الذين كانوا يخشون «داعش» ويتتبعون أخباره من أقصى الشمال في جبال سنجار إلى الجنوب من بغداد، وبالذات إلى جرف الصخر القريبة من مدينة كربلاء التي تحوي مرقدي الإمامين الحسين وأخيه العباس، لا سيما أن «داعش» أينما يحل فإن الأولوية الأولى له هدم المراقد الدينية، باتوا اليوم يتابعون (وعلى مدار الساعة) أخبار الصراع بين المالكي والمؤامرة الدولية التي حيكت ضده، ومضمونها اختيار مقرب له وناطق باسمه لمنصب رئيس الوزراء، بدلا منه.

الشارع العراقي، وعلى مدى الأيام الماضية، حبس أنفاسه عندما حذر المالكي من انتكاسة أمنية خطيرة، وجمع القادة العسكريين لكي يشكو لهم ما حصل، مطالبا إياهم بالثبات في مواقعهم مما يمكن أن يقع من شر قادم فيما لو استمر هذا الخرق الدستوري.

وبينما اعتبر المالكي أن ما حصل هو أسوأ من انتكاسة الموصل وصلاح الدين، في إشارة إلى احتلال تنظيم «داعش» لهاتين المحافظتين وأجزاء من محافظة ديالى، فضلا عن أطراف من الرمادي ومحافظة بابل، أي ما يعادل 40 في المائة من الأراضي العراقية، فإنه رأى أن كل ذلك لن يؤدي إلى إسقاط العملية السياسية، بينما استبداله من منصبه هو الذي سيسقط العملية السياسية.

من جانبه، فإن العبادي الذي أدرك أن هذه الحرب مع زعيم الحزب ورفيق الدرب التي سرقت الأضواء من خطر «داعش» ليست حربه، لأن المالكي (كما قال العبادي) هو «أخ ورفيق درب وسيبقى شريكا أساسيا في العملية السياسية».

وبالتالي، فإن العبادي يريد إعادة الأضواء لخطر «داعش» الحقيقي، متوعدا بالقضاء عليه، لكن بمشاركة الجميع. ويبدو أن العبادي استوعب الدرس الذي كانت نتيجته الإطاحة غير المتوقعة بالنسبة للمالكي ولأقرب المقربين إليه؛ أنه في الوقت الذي كان فيه المالكي يهاجم حلفاءه وخصومه معا، إما بوصفهم «داعشيين سياسيين»، أو أنهم يعرقلون مهامه في القضاء على هذا التنظيم، وضع العبادي نفسه في خانة واحدة مع الجميع، دون أن يكيل الاتهام لأي شريك حتى من كان بدرجة خصم، من أجل القضاء على هذا التنظيم الذي أسس دولة إسلامية في العراق في الأجزاء التي احتلها، وهي محافظتا الموصل وصلاح الدين. العراقيون من جانبهم، وبعد تجربة السنوات العشر الماضية، لا يجدون الكثير من الخيارات أمام الكتل السياسية للخروج من مأزق العملية السياسية ذاتها، بسبب كثرة المشاكل والأزمات، وفي مقدمتها أزمة الثقة المفقودة بين كل الأطراف، وكذلك إمكانية تحقيق نصر كبير على مسلحي داعش، بسبب تداخل الخنادق وخلط الأوراق، وهو ما يجعل مهمة العبادي في غاية الصعوبة في إمكانية اتخاذ قرارات شجاعة تبعده مسافة عن إشكالية الطائفة، وتقربه كثيرا إلى فضاء الهوية الوطنية.

في الوقت نفسه، فإن مهمة المالكي تبدو أكثر صعوبة في كيفية استيعاب درس مغادرة السلطة، التي هي بالنسبة له أكبر من انتكاسة وطن.