يوميات مراسل من غزة: مشفى الشفاء ملاذ للمشردين

TT

لم أتوقع بعد كل هذه الأيام الطويلة من الحرب، وبعد هذه الأيام من الهدنات المتتالية التي يجري التوصل إليها بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية، أن يبقى النازحون من منازلهم في غزة داخل المستشفيات وينصبون خياما داخلها كمأوى لهم بعد أن شردوا تحت القصف، الذي طالهم ودمر منازلهم وحول حياتهم إلى بؤس وشقاء لم تعهده تلك العائلات من قبل، بل لم تكن تتخيله في أسوأ السيناريوهات التي رسموها في باطن عقلهم وهم يعلمون أن الحرب الإسرائيلية باتت خيارا حتميا ضد قطاع غزة كل عامين أو أكثر بقليل.

هذا ما رأيته خلال جولة قمت بها في «مشفى الشفاء» صباح أمس، ففوجئت مما رأيته في المشفى الذي يعد المستشفى الرئيس بقطاع غزة، الذي لم يعد فقط مكانا لاستقبال الضحايا والجرحى، بل بات مأوى لآلاف المشردين النازحين الذين لم تضع المؤسسات الدولية وغير الدولية ثقلها في إنهاء معاناتهم تماما وإيجاد حلول لهم.

رأيت طفلة تجلس على أعتاب خيمة نصبها والدها في حديقة المشفى الصغيرة إلى جانب عدد من الخيام الأخرى، وكانت تنظر وتترقب حركة الأشخاص القادمين إلى المشفى وربما كانت تنظر في عيونهم وتتأمل في أن يكون أحدهم قادما إلى خيمتهم يبلغهم أنه سينقلهم إلى منزل يعيشون فيه بدلا من حياتهم في الخيام. سألت تلك الطفلة: «لماذا انتم هنا؟»، فأجابت ببراءة: «ليس لدينا منزل.. قصفوه اليهود وكل حاجة فيه راحت حتى ألعابي الحلوة ضاعت.. مش عارفين احنا وين نروح وضلينا هان».

حدثت أحد المسؤولين في المشفى عن أوضاع أولئك النازحين، فقال لي: «إنهم أتوا هنا اضطراريا فلا يوجد مأوى آخر لهم، وإنهم كانوا أعدادا كبيرة، لكنهم غادروا إلى مدارس قريبة، والآخرون فضلوا البقاء هنا فلم يجدوا مكانا في تلك المدارس، ونحن لا نستطيع أن نقدم لهم شيئا، لكن هناك مؤسسات مختلفة تقدم لهم بعضا من الدعم المادي والإنساني».

هذه المأساة يعيشها الآلاف ممن يفترشون أرض المشفى ويبيتون على جنبات ممرات الأقسام فيه على أمل أن تنقضي لياليهم وأيامهم سريعا وتنجلي الغمة التي طالتهم وبدء مرحلة حياة جديدة.