«الشرق الأوسط» في عرسال: احتقان سوري ـ لبناني بعد المعركة

مواطنة من البلدة: استقبلناهم بالمساعدات فواجهونا بالرصاص

سوري يمشي على عكازت داخل مخيم للأجئين السوريين لحقه الدمار في بلدة عرسال قبل أيام (أ.ف.ب)
TT

جو من الصدمة يخيّم على أحياء منطقة عرسال البقاعية، بعد أيام من انتهاء المعارك «العنيفة» و«الدامية» بين مسلحين سوريين ينتمون إلى جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» والجيش اللبناني، كما وصفها أهل البلدة الذين لا يزالون تحت تأثير صدمة المشاهد التي عايشوها مع أطفالهم في أقبية الملاجئ وأرصفة الطرقات. فباتت مرائب السيارات، والمباني قيد الإنشاء، وأرصفة الطرقات الضيقة، مخبأ آمنا بالنسبة إلى عدد كبير من اللبنانيين والسوريين الذين تشاركوا لحظات الخوف والقلق على أبنائهم معا.

إلا أن انتهاء الهدنة، التي اتفق عليها بين الجهات المتنازعة، لحقه احتقان عنصري لدى بعض أهالي البلدة الذين تضرروا نفسيا واقتصاديا وحتى جسديا من تداعيات هذه المعركة. فأبو أحمد، الذي خسر أطفاله الخمسة بصواريخ المقاتلات الحربية السورية في عرسال، لم يستطع إخفاء غضبه مما يجري في بلدته المجتاحة من قبل نازحين سوريين لا يرأفون لوضع العرسالي، فسحب سكينا يدويا كان يخبئه في أحد جيوبه وهاجم نازحا سوريا تمنى الموت للجيش اللبناني بأكمله ولأهالي عرسال معه. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «جاء النازح ليسأل البلدية عن كيفية تقديمه طلب للتعويض له عن الأضرار التي لحقت بممتلكاته. فأجبته قائلا (اذهب واطلب التعويض ممن ألحقوا الأذى بك). فرد عليّ بكل وقاحة (ليتنا أحرقناكم جميعكم في مبنى فصيلة الدرك في البلدة). جن جنوني ولم أتمكن من ضبط أعصابي، فهم حتى لا يعترفون بالمعروف الذي تقدمه البلدة لهم منذ اندلاع الحرب في سوريا». درجة الاحتقان والغضب لا تخفيها فاطمة اللبنانية العاملة في أحد متاجر البلدة، فهي تستغرب مدى ارتياح النازح السوري بعد انتهاء المعارك في وقت لا يستطيع فيه اللبناني أن يأخذ قسطا صغيرا من الراحة بسبب خوفه من اندلاع المعارك مجددا. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أول يوم من المواجهة رأيت عددا من السيارات التابعة للمسلحين الذين تجاوزوا الـ300 مسلح، وكانوا ملثمين، يحملون الرشاشات وينشرون الرعب والخوف في قلوب أبنائنا». تتابع بغضب «رأيت السوريين المستأجرين بيوتا بجوار منزلي يطلقون الرصاص من داخل سكنهم باتجاه الجيش في الطرقات». تضيف متسائلة «المسلحون موجودون بحجة الدفاع عن قائدهم أبو جمعة، لكن هؤلاء السوريين الذين يسكنون معنا ماذا يفعلون في وسط البلدة؟ استقبلناهم بالمساعدات فواجهونا بالرصاص».

تقاطعها إحدى السيدات العرساليات مؤكدة صحة أقوال فاطمة «دخل زوجي متجرا لبيع الهواتف الجوالة في وسط البلدة فسمع صديق الرجل مالك المتجر وهو سوري الجنسية يسأله عن قتاله خلال المواجهات، فرد عليه السوري قائلا: (الفجر سنصليه في بيروت قريبا)». تلملم دموعها لتتساءل قبل عودتها إلى عملها «هل تمكنوا من احتلال عرسال لينتقلوا إلى بيروت؟».

من جهتها، تنشغل «أم علي» بإعادة تعمير ما دمرته القذائف خلال المواجهات بين الجيش اللبناني ومسلحي جبهة «النصرة» و«داعش». وتنفي أن يكون لدى أبناء البلدة كره أو كراهية تجاه النازح السوري، مؤكدة أن «قلب عرسال أبيض ونظيف»، مشددة على «أهمية التفرقة بين المسلحين والنازحين المدنيين الذين لا شأن لهم بالحروب وإنما فرضت المواجهات عليهم كما فرضت علينا».

يقع منزل أم علي بجانب مخيم وادي الحصن الذي يضم 250 عائلة سورية نزحت من منطقة قارة السورية بعد سيطرة النظام السوري عليها. وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنها شاهدت منصة عسكرية تطلق منها رصاصات الرشاشات متمركزة داخل مخيم النازحين وتطلق القذائف من داخل إحدى الخيام المدنية». تتابع «على الرغم من رؤيتي لما فعلوه بنا وخوفي على أطفالي لم أنقم على أحد منهم، وإنما منحتهم مكانا للإقامة من دون مقابل مادي، وألبست أطفالهم ملابس طفلتي مرام ومريم كي لا يمرضوا».

بالمقابل، يواجه النازح السوري هاجس الخوف نفسه الذي يعيشه أهل البلدة يوميا. فأهالي مخيم وادي الحصن السوري، ينفون الأقاويل المتناقلة حول مشاركتهم في المواجهة ضد الجيش اللبناني. تقول الطفلة فرح النازحة السورية البالغة من العمر 8 أعوام والدموع تجتاح وجهها «قتل صهري وترملت أختي ويتم ابنها الذي يبلغ من العمر شهرا واحدا فقط، كما يتمني نظام بشار الأسد وحرمني من أبي».

يجزم شقيقها الكبير محمد بأنه تم سحب 7 جثث لأطفال من مخيم الربيع المجاور لمخيم وادي الحصن والذي دمر بشكل كامل خلال المواجهات. يقول «لبنان ليس بلدنا وإنما هو ملجأ مؤقت لنا ريثما تهدأ الأوضاع في سوريا. لهذا السبب نحترم الجيش اللبناني ولا نتعرض له أبدا خاصة خلال مداهماته لخيامنا، لأننا ندرك مدى خطورة الوضع. من جهة ثانية فإن المسلحين الثوار الذين يقاتلون في جرود عرسال هم من ساعدونا للوصول إلى عرسال وحمونا من براميل بشار الأسد المتفجرة وعلى مدى 3 سنوات لم يدخلوا إلى البلدة ولم يتعرضوا لأحد من الأهلي، لذلك أؤكد أن طابورا ثالثا دخل وأشعل المواجهة بيننا ليشعل فتنة من الصعب إيقافها إذا لم نتضامن ونتوحد للتصدي لتداعياتها». بدورها، تحزن سارة النازحة السورية لما تسمعه من كلام على لسان بعض أبناء البلدة الذين يتهامسون على السوري طوال النهار، حسب قولها. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «اتركونا بسلام. دعونا نعش في بؤر الفقر التي تتحكم بحياتنا وأرواح أطفالنا لسنوات عدة. أو أرجعونا إلى سوريا لتذبح رقابنا دون رأفة ورحمة».