النظام يحقق أول خرق في الغوطة الشرقية باستعادة سيطرته على المليحة

المعارضة تقول إن انسحابها إلى العمق «تكتيكي» تحت «ضغط الضربات الجوية»

دبابة سورية في أحد شوارع بلدة المليحة بعد اعادة قوات النظام السيطرة عليها أمس (أ.ف.ب)
TT

استعادت القوات النظامية السورية، أمس، السيطرة على بلدة المليحة جنوب شرقي العاصمة، في أول خرق تحققه على جبهة الغوطة الشرقية الخاضعة بأكملها لسيطرة المعارضة منذ أكثر من عامين. وتمكنت القوات الحكومية من الدخول إلى البلدة بعد 135 يوما من المعارك، فيما قالت مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن مسلحيها «انسحبوا تحت ضغط الضربات الجوية إلى داخل بلدات الغوطة».

وأكد مصدر أمني سوري أن القوات الحكومية «باتت اليوم تسيطر سيطرة كاملة على بلدة المليحة»، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، في حين أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، سيطرة «القوات النظامية مدعومة بـ(حزب الله) اللبناني بشكل كامل على بلدة المليحة في الغوطة الشرقية»، مشيرا إلى أن المعارك لا تزال تدور في المناطق المحيطة بها.

وبث التلفزيون الرسمي السوري لقطات مباشرة من الشارع الرئيس للبلدة، ظهرت فيها منازل مدمرة وأخرى محترقة، إضافة إلى ركام في الشارع. وأشار مراسل التلفزيون إلى أن القوات السورية سيطرت على البلدة «بعد عمليات محكمة ودقيقة باغتت فيها الإرهابيين».

وقال عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني، لـ«الشرق الأوسط»، إن القصف الجوي المركز لأحياء الغوطة، خلال اليومين الماضيين، إلى جانب «صواريخ أرض - أرض ضخمة» كانت تطلقها القوات النظامية «دفعا مقاتلي المعارضة إلى الانسحاب باتجاه زبدين وكفر بطنا وجسرين»، وهي بلدات تقع إلى العمق في الغوطة، وتسيطر عليها المعارضة، مشيرا إلى أن «الانسحاب متفق عليه، بعدما تمكن مقاتلو المعارضة من فك الحصار عن الأهالي والجرحى».

وإذ وصف الانسحاب بـ«التكتيكي»، قال إن النظام «عجز في الأسبوعين الأخيرين عن صد محاولات فك الحصار والتقدم الكبير الذي تحقق عشية عيد الفطر على الجبهة، فلجأ إلى الضربات الجوية المكثفة لتقليص نفوذ المعارضة».

وكان ناشطون أفادوا في الأسبوعين الأخيرين بأن القوات النظامية تمكنت من تدمير معظم الأنفاق التي كان يستخدمها المعارضون لشن هجمات خلف خطوط القوات النظامية، مما سهل توغلها في قلب البلدة التي تشهد اشتباكات منذ أشهر.

وتقع البلدة على بعد عشرة كيلومترات جنوب شرقي دمشق، وتحاول القوات النظامية وعناصر «حزب الله» منذ أبريل (نيسان) الماضي السيطرة عليها. ويعد الدخول إليها أمس أول خرق تسجله القوات النظامية في الغوطة الشرقية التي يبلغ عدد بلداتها 37، وتسيطر المعارضة عليها بالكامل. وتعتبر بلدة دوما أكبر مدن الغوطة وعاصمتها، ويسيطر جيش الإسلام الذي يتزعمه زهران علوش على المدينة. كما تضم الغوطة بلدات كبيرة مثل عربين وجسرين ودير العصافير، وتضم عشرات آلاف المدنيين المحاصرين منذ نحو العامين.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المصدر الأمني السوري قوله إن السيطرة على المليحة «تسرع في الإجهاز على ما تبقى من بؤر إرهابية في الغوطة الشرقية»، وهو ما تستبعده المعارضة «نظرا لإقامة آلاف المدنيين فيها، وسيطرتها على الغوطة منذ فترة طويلة، مما أتاح لها بناء تحصينات».

وقال الداراني إن هذه المعركة «تعتبر مكسبا للنظام لجهة تأمين الأحياء المسيحية في العاصمة السورية من القصف بقذائف الهاون، وأهمها أحياء القصاع وباب توما» التي تعرضت في السابق لاستهداف بالمورتر، وذلك كون السيطرة على المليحة «تُبعِد المعارضة جغرافيا عن تلك الأحياء»، مشيرا إلى أن منطقة جرمانا «تبقى تحت نار قذائف الهاون نظرا لقربها من مناطق سيطرة المعارضة». وقال إن المعركة شرق دمشق «انتقلت من المليحة الآن إلى طريق دمشق الدولي الذي يشهد اشتباكات متقطعة في منطقة شبعا».

وكان المرصد أكد أن «استعادة المليحة تسمح للنظام بحماية بعض مناطق دمشق من القذائف التي تستهدفها، ومصدرها مواقع لمقاتلي المعارضة». وتحاول القوات النظامية منذ نحو عام، مدعومة بـ«حزب الله»، استعادة معاقل المعارضين في ريف دمشق، ودفعهم بعيدا عن العاصمة التي تعد مدينة شديدة التحصين وتعد نقطة ارتكاز نظام الرئيس بشار الأسد.

ويعد «جيش الإسلام» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن»، من أكبر التشكيلات العسكرية المعارضة في الغوطة الشرقية، بعد طرد مقاتلي «داعش» منها الشهر الماضي. وتضم تلك التشكيلات آلاف المقاتلين، ويقاتلون على أطراف الغوطة وتحديدا على أطراف عدرا الواقعة شمال الغوطة، والعتيبة وحرستا التي تتقاسم النفوذ فيها مع النظام. ويسيطر النظام على الجهة الغربية من أوتوستراد دمشق - حمص الدولي في حرستا ودوما، فيما تسيطر المعارضة على الجانب الشرقي من الأوتوستراد في الغوطة الشرقية.

وانتقلت المعارك في الغوطة الشرقية إلى العمق بعد سيطرة النظام على المليحة، وسط توقعات من المعارضة بأن يستعيد النظام منطقة عين ترما المحاذية لحدود عاصمته من جهة الشمال، كما يركز قتاله في حي جوبر الدمشقي، المتاخم لساحة العباسيين، والممتد جغرافيا إلى الشمال في الغوطة الشرقية. وتشهد جبهة جوبر تصعيدا عسكريا غير مسبوق، حيث يحاول النظام استعادة السيطرة على البلدة بهدف تأمين عاصمته.