إردوغان يتعهد بالمضي في خططه لنظام رئاسي ومحاربة غولن

انتقد شبكات التواصل الاجتماعي وأكد أنه «لا يغرد»

رجب طيب إردوغان يحيى أنصاره بعد وصوله إلى مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة لحضور اجتماع أمس (أ.ف.ب)
TT

قال الرئيس التركي المنتخب رجب طيب إردوغان، أمس، إنه لن يتخلى عن سعيه لتعزيز صلاحيات منصب الرئيس، وتعهد بأن معركته مع المفكر الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن ستحتدم بعد توليه مهام الرئاسة. ولم يبد إردوغان، في أول كلمة رئيسة له منذ إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد، أي مؤشر يذكر على تخفيف لحدة خطابه الناري ولا نهجه السياسي الحاد بعد مراسم تنصيبه في يوم 28 أغسطس (آب). وقالت «رويترز» إن فوزه في الانتخابات رسخ مكانته في التاريخ كأول رئيس منتخب شعبيا لتركيا، واقترب أكثر من تأسيس نظام رئاسي يتوق إليه للدولة العضو في حلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي.

ويخشى خصوم إردوغان ابتعاد تركيا أكثر فأكثر عن القيم الغربية في حالة انتهاج سياسة استبدادية بشكل متزايد تحت حكم إردوغان الذي هيمن على الساحة السياسية في البلاد لأكثر من عشر سنوات، إضافة إلى جذوره الإسلامية وصرامته في مواجهة المعارضة. وحث إردوغان، الذي سيظل رئيسا للوزراء وزعيما لحزب العدالة والتنمية حتى تنصيبه رسميا، قيادات الحزب في الأقاليم التركية أن يستمروا في التركيز على ضمان أغلبية برلمانية أكبر في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل لتمكين الحزب من تعديل الدستور. وقال في كلمة لاجتماع لقيادات الحزب في الأقاليم أذاعها التلفزيون التركي «قلت من قبل إن انتخابات الرئاسة ستكون إشارة البدء للانتخابات العامة عام 2015». وتابع «هدفنا يجب أن يكون على الأقل كسب أغلبية لوضع الدستور الجديد. لا أعتقد أنكم ستتساهلون في هذا الأمر».

وسيتعين على إردوغان قطع صلاته الرسمية بحزب العدالة والتنمية الذي أسسه قبل 13 عاما فور أدائه اليمين رئيسا في 28 أغسطس. ويرغب في اختيار خليفة مقرب منه على رأس الحزب ليكون على الأرجح رئيس وزرائه أيضا، في سعيه للفوز بغالبية مقاعد البرلمان في الانتخابات العامة في يونيو (حزيران) المقبل.

ومع تراجع نفوذ إردوغان على الحزب فإنه قد يجد صعوبة في فرض التغييرات الدستورية التي يريدها لتأسيس نظام رئاسي تنفيذي، وهو إصلاح دستوري يتطلب تأييد ثلثي أعضاء البرلمان أو إجراء استفتاء عام. ويحتل حزب العدالة والتنمية 313 مقعدا من أصل 550 في البرلمان، ورغم كونها غالبية قوية فإنها أقل من أغلبية الثلثين المطلوبة.

وأسس إردوغان الحزب كتحالف بين المسلمين المتدينين المحافظين والقوميين والعناصر الإصلاحية من يمين الوسط. ورفض تلميحات إلى أن الحزب الذي هيمن عليه منذ تأسيسه قد يتصدع من دونه، قائلا إن الحزب يستمد قوته من الشعب التركي. ومضى يقول «الذين ظنوا أن حزبنا سيتلاشى أو يتداعى كانوا دائما مخطئين، فقد مررنا بأوقات عصيبة في هذه الأعوام الثلاثة عشر. قاومنا وهزمنا كل الهجمات علينا، وقلبناها رأسا على عقب. وعملنا دائما بتفويض من الشعب».

وجاء فوز إردوغان يوم الأحد بحصوله على 52 في المائة تقريبا من الأصوات على الرغم من السنوات الأكثر اضطرابا في قيادته والتي شهدت احتجاجات مناهضة للحكومة الصيف الماضي وفضيحة فساد تكشفت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ويتهم إردوغان مؤيدي غولن في القضاء والشرطة بالتخطيط لفضيحة الفساد التي أدت إلى استقالة ثلاثة وزراء بتدبير محاولة انقلاب قضائي و«مؤامرة قذرة» للإطاحة به.

ومنذ ذلك الحين أعيد تعيين آلاف من رجال الشرطة ومئات من القضاة والمدعين العامين في وظائف أخرى في إطار حملة تطهير للقضاء على نفوذ غولن الذي يتهمه إردوغان ببناء هيكل مواز للدولة. وجرى احتجاز عشرات آخرين من ضباط الشرطة بعضهم ضباط كبار في الأسابيع السابقة على الانتخابات الرئاسة، واتهموا بالتجسس والتنصت بشكل غير قانوني على إردوغان والمقربين منه. وقال إردوغان «اتخذنا قرارا بهذا الشأن في اجتماع لمجلس الأمن القومي. وأدرج في الملفات الرسمية باسم كودي. إنها منظمة تهدد أمننا القومي. نملك أدلة جديدة وملفات جديدة». وأضاف أن «هدفهم ليس رجب طيب إردوغان وعائلته وزملاءه وأصدقاءه. هدفهم هو استقلالنا وعلمنا وبلدنا وشعبنا».

وينفي غولن، الذي يقول أتباعه إن أعدادهم بالملايين، استخدام حركته الإسلامية العالمية للتآمر ضد إردوغان من منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية الولاية الأميركية التي كثيرا ما يذكرها إردوغان للإشارة إلى شبكة غولن. وقال إردوغان «رأيتم كيف هللت الحشود عندما قلنا بنسلفانيا. أيد الناس بشكل خاص حربنا ضد عصابة الخونة.. ووعدنا بأن نواصل حربنا».

ووضع محصلة إيجابية جدا لسنوات حكمه الـ12 الفائتة كرئيس للحكومة رافضا أي انتقاد له بالتسلط. وقال حسب وكالة الصحافة الفرنسية «أجرينا إصلاحات تاريخية كي يتمكن جميع المواطنين بلا قلق من التعبير بحرية عن آرائهم وهويتهم وقيمهم وثقافتهم ومعتقدهم». غير أن الرئيس التركي الجديد كرر تأكيد اعتراضه على شبكات التواصل الاجتماعي التي حظرها في مطلع العام مشبها إياها بالمخدر. وصرح «أريد أن أكون واضحا جدا. أنا لا أتحدث عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أنا لا أغرد (على تويتر) لأنكم تعلمون ما يثيره هذا في المجتمع». وأضاف «أنا أقارنها (هذه الشبكات) بمبضع في يد جراح وخنجر في يد قاتل».

وحظرت السلطات التركية في مارس (آذار) الماضي طوال عدة أسابيع موقع نشر الفيديوهات «يوتيوب» وموقع «تويتر» للرسائل القصيرة في محاولة لمنع انتشار تسجيلات اتصالات هاتفية على الإنترنت تشير إلى ضلوع إردوغان في فضيحة فساد واسعة. وفي النهاية حكمت المحكمة الدستورية بأن هذا الحظر مخالف لحقوق وحريات الأفراد وقررت إلغاءه.

ورد إردوغان على منتقديه قائلا إنهم يروجون دعاية سوداء، وإنه ما إن يؤدي القسم الرئاسي، فسيصبح «رئيس 77 مليون تركي، بلا أي تمييز». وأضاف «أناشد ضمير الذين اتهمونا بالديكتاتورية والتسلط.. من العبث قبولهم كمحاورين»، نافيا أي تدخل لنظامه الإسلامي المحافظ في المساحة الشخصية للأتراك. وأوضح «احترمنا نمط حياة كل فرد»، علما بأن نظامه قمع بقسوة احتجاجات شعبية صيف 2013 قادها شباب، اتهم فيها بـ«التسلط» و«النزعة الإسلامية» في البلاد التي تشمل أكثرية ساحقة مسلمة لكنها علمانية تقليديا.