تركمان شيعة فروا من شمال العراق يواجهون مستقبلا مجهولا في بغداد

يعيشون في مبان مدرسية.. ويشكون من غياب الاهتمام الحكومي

TT

العطلة المدرسية لم تنته بعد لكن الفصول الدراسية في شمال بغداد مكدسة - ليس بالطلاب - وإنما بالفارين من هجوم مسلحي «داعش» الذي يمزق أوصال العراق.

ورغم ازدحام شاشات التلفزيون لأيام بمحن أبناء الأقلية الإيزيدية الفارين من المتشددين، فإن مصير التركمان لا يحظى بنفس القدر من الاهتمام. والتركمان هم ثالث أكبر جماعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد ومن بينهم سنة وشيعة واستهدفوا في صراعات سابقة.

وخلال الشهرين المنصرمين قطع الآلاف منهم مئات الكيلومترات إلى العاصمة هربا من مقاتلي «داعش» فتكدسوا في مدارس يديرها متطوعون وجمعيات خيرية دينية في غياب مساعدة الحكومة.

وقال سليم ساهي، وهو متطوع يبلغ من العمر 48 سنة ويدير مدرسة، إن «الأطفال شعروا بالذعر لدى رؤية طائرات الهليكوبتر تحوم فوق رؤوسهم» وأضاف لوكالة «رويترز» «لو كنت رأيت الوضع عندما جاءوا - النساء والأطفال.. الأوساخ والطين كانت عليهم - كانوا يعانون».

وتسببت الرحلة الطويلة في تشتيت عائلات كان بعضها يضم طوائف عدة. فمعظم من انتهى بهم الحال في مدارس في شمال بغداد قرب حي مدينة الصدر هم من الشيعة. بينما نقلت الحكومة شيعة تركمان آخرين جنوبا عن طريق الجو لإنقاذهم من الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

وقال إبراهيم حسين، 59 سنة، وهو موظف حكومي من بلدة تلعفر الشمالية إن مقاتلي «داعش» كان من الممكن أن يقتلوه بسبب معتقداته الدينية. وأضاف أن «الطائفة لم يكن لها تأثير يذكر على العلاقات بين الناس في العراق قبل هجوم التنظيم المتشدد». وأشار حسين إلى محمد صائب وهو شاب سني يبلغ من العمر 22 عاما كان يجلس معه وقال إنه «استقبل صائب في منزله بعدما قتل مفجر انتحاري أسرة الشاب عام 2009». وأضاف «أصبح مثل ابني».

ويقول متطوعون إن «وكالات مساعدة عرضت تقديم بعض الأغذية والفرش للنازحين لكن مسؤولي الحكومة الذين قاموا بالزيارة فعلوا ذلك بشكل شخصي فقط مما دفع الناس والجمعيات الخيرية إلى البحث عن حلول».

وتشرف جمعية خيرية تابعة للمرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني على مدرسة وقال ساهي إن «معظم المساعدات الغذائية مقدمة من مانحين كانوا سيقدمونها إلى زوار شيعة في الأوقات الأكثر هدوءا».

وأوضحت شيعية تبلغ من العمر 40 عاما من مدينة الموصل، أكبر مدن شمال العراق التي اجتاحها «دعش» وميليشيات سنية متحالفة معها في يونيو (حزيران) أنها اضطرت إلى ترك زوجها السني عندما فرت.

ومثلها مثل آخرين عبرت المرأة، التي طلبت الإشارة إليها بأم عبد الله، عن أمل مشوب بالحذر في أن تتمكن الحكومة العراقية الجديدة من فعل المزيد مقارنة بما كان يفعله رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لحل الصراعات التي تفرق الأسر في أنحاء البلاد. وقالت أم عبد الله وهي تحول عينيها في الفصل الدراسي المكدس بأنابيب الغاز وأكياس الدقيق وزجاجات زيت الطهي «لم نر أي شيء يتحسن».

ومن بين القضايا الملحة بالنسبة للنازحين هو ما سيفعلونه عندما يبدأ الموسم الدراسي في غضون شهر. ويقول المتطوعون إنه ليست لديهم أي فكرة عما سيحدث. ويرى الجميع أن الحكومة يجب أن تتصرف، لكن لا أحد يتوقع أن تفعل. وقال ساهي إنه قد يحاول نصب خيام في منطقة قريبة.

وكان مسؤول محلي اقترح نقل النازحين إلى منطقة صحراوية لكن ساهي قال إنه «يخشى أن يؤدي ذلك إلى إبعادهم عمن يقدمون الدعم لهم». واتسم حكم ساهي على فرص تدخل الحكومة لتقديم أي حلول في القريب العاجل بالعقلانية، وقال إن «الأمر سيستغرق عاما على الأقل قبل أن تتمكن من تقديم أي شيء». وأضاف «بينما عرض التلفزيون أغاني وطنية وصورا لرجال في زي عسكري يرقصون نعود إلى الوراء. الأمر يزداد سوءا. ما زال من الضروري أن تشكل الحكومة.. أعتقد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت».

وروى هاشم عباس، 58 عاما، وهو عامل صيانة من التركمان كان يجلس في غرفة إسمنتية بمدرسة ابتدائية كسف فر من تلعفر مسقط رأسه في جنح الظلام قبل شهرين بعدما سوى قصف تنظيم «داعش» منازل مجاورة لمنزله بالأرض. وأضاف أنه «قطع هو وأسرته المنطقة الجبلية في شمال العراق أولا حتى وصلوا إلى بغداد حيث قيل لهم إنهم سيجدون ملجأ».