مخاوف من إشعال فتنة جديدة بين النوبيين وبني هلال

مصادر قبلية قالت لـ «الشرق الأوسط» إن الجماعة تراهن على شباب الجامعات الرافضين للمصالحة

لقطة من اشتباكات أنصار الإخوان مع الأمن المركزي المصري في الذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة في محافظة الجيزة (رويترز)
TT

كشفت مصادر قبلية في محافظة أسوان بصعيد مصر عن أن جماعة الإخوان المسلمين تخطط لإشعال الفتنة من جديد بين قبيلتي الدابودية (النوبيين) وبني هلال، وذلك عقب المصالحة التي جرت بينهما قبل شهور. وقالت المصادر التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» في عدد من المناطق بغرب أسوان (أحد معاقل النوبيين) أن «الجماعة تراهن على استغلال شباب الجامعات الرافضين للمصالحة من الجانبين لإشعال الموقف من جديد»؛ لافتة إلى أن الجماعة تسعى لاستغلال الوضع الهش في أسوان في سبيل تحقيق مآربها.

ونجحت السلطات المصرية في احتواء فتنة بمحافظة أسوان (التي تبعد عن القاهرة نحو 900 كيلومتر)، أودت بحياة 29 شخصا وأسفرت عن إصابة العشرات خلال شهري أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين في منطقة نجع الشعيبة في السيل الريفي. وقاد الأزهر الشريف وعواقل العائلات في صعيد مصر الصلح بين الدابودية وبني هلال، ثم الصلح بين الكوبانية (نوبيين) وبني هلال في مطلع أغسطس (آب) الماضي.

لكن المصادر القبلية، التي طلبت حجب هويتها نظرا لحساسية الوضع، أكدت أن شباب الدابودية وبني هلال غير راضين عن هذه المصالحات التي لم يكونوا طرفا فيها، لافتة إلى أن الشباب يرى أن الصلح جرى «من دون رضاهم»، وأن «أي تعويض مادي لن يعوض عن الأرواح التي زهقت وجرى التمثيل بها أمام أعين الجميع». وأعربت المصادر التي التقتها «الشرق الأوسط» في منطقة السيل الريفي والكرور وأبو الريش عن مخاوفها من أن هناك تخطيطا واسعا من بعض المنتمين لجماعة الإخوان وبعض الجماعات المتشددة التي تنتشر في جبال أسوان وفي الدروب الصحراوية، لاستهداف الشباب خاصة في الجامعات لإثارتهم من جديد ضد السلطات المصرية الحاكمة.

وتخوض السلطات الحالية معركة جديدة للسيطرة على الوضع الأمني تزامنا مع بدء العام الدراسي الجديد بالجامعات المصرية، والتي شهدت العام الماضي أحداث عنف وقتل وإرهاب، أسفرت عن حرق مبان جامعية ومقتل العشرات وإصابة المئات، فضلا عن القبض على العشرات من الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان.

وتشدد أجهزة الأمن في أسوان من إجراءاتها التأمينية خلال الفترة الحالية، والتي شهدت أحداثا مؤسفة أسفرت عن حرق محلات بوسط المدينة في ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية في القاهرة، واتهمت أجهزة الأمن جماعة الإخوان بإحراق هذه المحال التي تبعد خطوات عن مبنى مديرية الأمن في أسوان.

وكشف مصدر أمني مسؤول في أسوان عن تشديدات تأمينية واسعة لمواجهة العنف الإخواني ومحاولة إشعال الفتنة من جديد بين النوبيين وبني هلال، مضيفا أن «الأجهزة الأمنية رصدت بالفعل تحركات لبعض المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين لإشعال الخلاف من جديد في أسوان»، لافتا إلى أن الإخوان تستغل الساحات والأندية الرياضية والمقاهي والتجمعات الشبابية ووسائل المواصلات للتأثير على شباب الجانبين والتحريض على «عدم ترك حقهم وحق من جرى القبض عليهم».

وألقت أجهزة الأمن القبض على العشرات من المنتمين للقبيلتين، واتهمتهم بالتسبب في الأحداث التي وقعت خلال الأشهر الماضية. وأكد المصدر الأمني المسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأجهزة الأمنية لن تسمح للإخوان بإثارة الخلافات من جديد في أسوان».

في السياق ذاته، قال ناصر، وهو أحد الشباب من النوبيين، مفضلا ذكر اسمه الأول فقط خشية استهدافه، إن «شباب النوبة غير راضين عن المصالحات التي جرت مع بني هلال»، لافتا إلى أن الواقع عكس ذلك وأن القيادات التي عقدت المصالحات لا تمثل الشباب، مؤكدا أن «خلافات كثيرة تحدث بين الجانبين الآن دون أن يذكرها أحدا؛ كان آخرها مقتل شاب نوبي على يد أحد أبناء بني هلال في وضح النهار وأمام المارة في أحد الميادين الشهيرة بوسط مدينة أسوان، ولم يتحرك أحد».

وكشف الشاب ناصر (21 عاما) عن أن الخلافات لا تزال دفينة بين الشباب، «وقد تنفجر وتخرج على السطح في أي لحظة»، محذرا من أن الجامعة قد تكون مكانا خصبا للتأثير على الشباب من الجانبين وإشعال الموقف من جديد. مطالبا بأن تكون هناك جلسات بين الشباب من الجانبين لمحاولة نسيان الماضي والتأكيد على قيم المحبة والوفاق والمصالحة، وليس مجرد الظهور في الإعلام والحديث عن العناق بين الجانبين فقط دون مصالحة حقيقية.

من جهة أخرى، كشفت المصادر القبلية عن أنه حتى الآن لم يجر صرف التعويضات عن القتلى وحرق المنازل، والتي أعلنت لجنة المصالحات (وهي لجنة شكلت من كبار العائلات لإتمام الصلح)، عن صرفها كـ«دية» مالية عن الذين قتلوا خلال الأحداث من الجانبين. وقالت المصادر إن عدم صرف هذه التعويضات حتى الآن قد يفتح الباب من جديد لدخول أي طرف ثالث لإشعال الموقف، لافتا إلى أن «السلطات المحلية في أسوان تعلن عن تعويضات أثناء الصلح أو بعد حدوث أي خلافات، وبعد أن يجري الصلح لا شيء يحدث». مؤكدة أن الإخوان قد تتخذ من كل هذه التفاصيل نقطة ارتكاز لإشعال الموقف من جديد.