مصر ترسخ لـ«توازن استراتيجي» بين تنشيط الاستثمار وأمنها القومي

خبراء لـ «الشرق الأوسط»: زيارة محلب لسيناء تأكيد «عملي» على الأمن

إبراهيم محلب
TT

أكد رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب من جنوب سيناء أمس أن الدولة المصرية تدعم الاستثمار ولديها وضوح في رؤية التوجه الاقتصادي، مشددا على أهمية «إحداث توازن بين تشجيع الاستثمار في سيناء وبعد الأمن القومي»، وهو ما رأى خبراء استراتيجيون وسياسيون أنه خطوة هامة لتنشيط وإعادة تدوير الاقتصاد المصري في مختلف المجالات، مؤكدين أن حديث محلب من سيناء في حد ذاته هو أبرز رسالة عملية على أمن المنطقة.

وقال محلب إن الحكومة ليست ضد الاستثمار وإنما تعمل على تشجيعه ودفعه إلى الأمام لما فيه صالح مصر، موضحا خلال لقائه بالمستثمرين السياحيين في جنوب سيناء: «بدأنا إصلاحا اقتصاديا لم يمل على مصر ونال احترام العالم كله، فكان إصلاحا بوازع وطني، ونسير على طريق إصلاح تشريعي، ونعمل على حل مشاكل المستثمرين المتراكمة للشروع في بداية استثمارية قوية»، مؤكدا أن الحكومة «ستبحث القوانين المعوقة للاستثمار السياحي في سيناء في أول جلسة لمجلس الوزراء، وبحيث يتم أيضا إحداث توازن بين الاستثمار وبعد الأمن القومي، وذلك تمهيدا لإجراء إصلاح تشريعي في القوانين المتعلقة بذلك»، مطالبا المستثمرين بتقديم مذكرة شاملة حول مقترحاتهم خلال أيام حتى يتم دراستها تمهيدا لعرضها على اجتماع مجلس الوزراء.

وأكد عدد من الوزراء المرافقين لمحلب أنه تجري دراسة إقامة عدد من المشروعات في جنوب شبه جزيرة سيناء، ومن بينها مدينة خدمية كبيرة غرب شرم الشيخ لتوطين العمالة السياحية العاملة وإقامة الصناعات اللوجستية التي تعمل على خدمة المنشآت السياحية وخدمة شرم الشيخ ومختلف المدن الأخرى بجنوب سيناء. وذلك إلى جانب مخططات إقامة مزيد من الطرق وتنمية الموانئ السياحية. في وقت يجري فيه تأسيس مجلس استشاري لوزير السياحة يعمل على الملفات العاجلة.

وثمن اقتصاديون وسياسيون الزيارة والنشاط الحكومي العام في مختلف المجالات سعيا لترسيخ مبادئ «سيادة الدولة على كل نقطة من أراضيها»، بالتزامن مع دفع عجلة الاستثمار والتنمية وانطلاق مشروعات قومية عملاقة من شأنها أن ترفع عن كاهل مصر كثيرا من العقبات والعثرات التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة.

وحول رؤيته الاستراتيجية للزيارة، خاصة أنها الأولى من نوعها لرئيس حكومة إلى منطقة جنوب سيناء منذ فترة طويلة، قال اللواء أحمد عبد الحليم، الخبير الاستراتيجي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية لـ«الشرق الأوسط»: «معروف عن جنوب سيناء أنها مكان استثمار سياحي، وبها أيضا كثير من الأماكن التي يمكن استغلالها مثل المناجم والموارد الطبيعية وغيرها من سبل الاستثمار الواعد، كما أنها جغرافيا مكان أكثر أمنا من الجزء الشمالي، نظرا لتداعيات الأوضاع في غزة. وكل تلك التوجهات الحالية للدولة هي انطلاقة لبداية تعمير شبه جزيرة سيناء؛ وهو الضامن الأساس في حفظ الأمن في مصر من الجهة الشرقية تحديدا».

وأشار عبد الحليم إلى أن الدولة تسعى لـ«إعادة تدوير الاقتصاد المصري في مختلف المجالات؛ عبر المشروعات المختلفة التي تنطلق حاليا»، في إشارة إلى عدد من المشروعات الضخمة التي تتبناها الدولة، وأبرزها حفر قناة السويس الجديدة، وتنمية محور القناة، وذلك بالتزامن مع التنمية في مختلف المحافظات والأقاليم، بحثا عن مخارج لتنشيط الاقتصاد المصري المتدهور منذ نحو ثلاث سنوات.

وحول أسباب التراجع التي شهدتها جنوب سيناء على ساحة السياحة والاستثمار على وجه العموم في السنوات الماضية، بعد أن كانت إحدى أهم مناطق النشاط في هذا المجال في مطلع القرن الجاري، يرى اللواء عبد الحليم أن ذلك يرجع إلى «البؤر النائمة» التي تقوم بعمليات مختلفة، موضحا أن «ذلك بدأ منذ فترة طويلة منذ أن كانوا يأتون من الأنفاق، ومن بينها عملية سابقة في شرم الشيخ وقت أن كان الرئيس الأسبق حسني مبارك هناك، وهي عمليات تهدف إلى تنفير المواطنين والمستثمرين من المنطقة وإيقاف السياحة والاستثمار. واليوم يقوم رئيس الوزراء بعكس هذا الكلام، عبر التأكيد على تأمين المنطقة ودعم المشروعات الجديدة بما يتضمن الموارد الموجودة بها، وكذلك الدعوة لعودة السياحة مرة أخرى».

ورغم التأكيد على استحالة القضاء بصورة تامة على الحوادث الفردية، يثمن عبد الحليم زيارة محلب، كونها ترسل رسالة واضحة إلى العالم أجمع بأن «جنوب سيناء آمنة»، بدليل زيارة رئيس الحكومة شخصيا للمنطقة.

من جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية ومحافظ الأقصر السابق وقائد الحرس الجمهوري الأسبق، أن زيارة محلب إلى جنوب سيناء تأتي في إطار «تفقد رئيس الحكومة ما يدعى في العلوم الإدارية بالوحدات الفرعية التابعة له، وهو ما يقوم به محلب في كل المحافظات والمدن والقرى والنجوع، كونه رئيسا للسلطة التنفيذية، متبعا سياسة صحيحة وهي حل المشكلات على أرض الواقع».

ويوضح اللواء خلف لـ«الشرق الأوسط»: «بصفتي كنت محافظا سابقا، فإن المحافظين يحتاجون إلى دعم حكومي لتذليل العقبات والتواصل مع الوزراء من أجل إنجاز الخدمات اليومية للمواطنين؛ ووجود رئيس الوزراء على الأرض ينهي تلك المعوقات بقرار فوري».

وأشار خلف إلى أنه «في جنوب سيناء تحديدا، تسعى الحكومة لدفع عجلة السياحة وإنعاشها بعد فترة ركود. حيث تسعى الدولة حاليا لتنشيط الاقتصاد والاستثمار في مختلف المجالات؛ بالتزامن مع إطلاق مشروعات عملاقة مثل مشروع قناة السويس الجديدة، التي يجري العمل فيها على قدم وساق حاليا بإشراف القوات المسلحة المصرية».

وخلال زيارته التي رافقه فيها تسعة وزراء، أكد محلب «سنبدأ قريبا في تنفيذ مشروع تنمية منطقة قناة السويس، وسيناء تدخل ضمن هذا المشروع»، ووجه بضرورة إعداد دراسات خاصة لإقامة المناطق الصناعية والخاصة وإنهاء المشروعات التي توفر فرص العمل للشباب مشيدا بالشركات التي تعمل في مشروع قناة السويس الجديدة والتي تسبق البرنامج الزمني لها حتى الآن.

وعن الإرهاب والأمن، قال محلب إنه «لا مكان بيننا لمن يعتدي على الوطن، وذلك يتم تنفيذه بالقانون الذي يخضع له الجميع»، مشيرا إلى أن الوضع آمن في ربوع البلاد، وهناك تأمين مكثف على الطرق وداخل المدن، وإن مدينة شرم الشيخ والمناطق السياحية المصرية مراقبة بكاميرات تأمينية على مدار الساعة، ومرتبطة بالجهات الأمنية المختلفة.

من جانبه، قال اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، إن محافظته تضم أساسا ومقومات هامة للتنمية في مجالات كثيرة، أهمها السياحة والتعدين ومجالات أخرى، مشيرا إلى أن المحافظة تأمل في توليد طاقات غير محدودة في تحقيق نهضة كبيرة بالمحافظة ككل. وأوضح أن الهدف هو خلق المزيد من فرص العمل وتحقيق التقدم والرخاء للمواطنين من جميع أبناء مصر.