تنسيق أمني غير مسبوق في لبنان لمواجهة محاولات تمدد «داعش»

مصدر عسكري: نرفض التعاطي مع مخيمات السوريين كبؤر للتنظيم الإرهابي

TT

كثّفت الأجهزة الأمنية اللبنانية وعلى رأسها الجيش اللبناني إجراءاتها، المتخذة أصلا منذ العام الماضي وما رافقه من تفجيرات إرهابية ضربت أكثر من منطقة لبنانية، بعد محاولة تنظيم «داعش» التمدد مطلع شهر أغسطس (آب) الحالي في بلدة عرسال الحدودية شرق البلاد، لمنع محاولات مماثلة في مناطق أخرى ولصد أي هجوم جديد متوقع لعناصر التنظيم. ولا تقتصر الإجراءات المتخذة على العمل العسكري، إذ يجري التركيز حاليا على العمل الاستخباراتي وهو ما أنتج أخيرا نجاحا بإلقاء القبض على عدد كبير من عناصر التنظيم الذين تغلغلوا في أكثر من منطقة لبنانية. وبرزت بالتزامن مع الاشتباكات المسلحة التي اندلعت بين عناصر الجيش ومسلحين معظمهم من السوريين في بلدة عرسال، مخاوف من إمكانية تحرك خلايا نائمة لـ«داعش» في مخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، مما يضرب قدرات الأجهزة الأمنية التي قد تكون غير قادرة على التعاطي مع أكثر من عملية إرهابية في آن.

وفي هذا المجال، أكدت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» أن «الإجراءات المتخذة لمواجهة الإرهاب والتي تشمل كل المناطق اللبنانية دون استثناء، ليست طارئة على المشهد وليست نتيجة ما حصل في عرسال، باعتبار أن ما جرى هناك محطة بموضوع الإرهاب الذي لم يبدأ في عرسال ولن ينتهي فيها»، لافتة إلى أن «الإرهاب خطر ماثل منذ زمن ولم يصل حديثا إلينا، فالصيف الماضي شهد عددا كبيرا من التفجيرات الإرهابية تلاها توقيفات واسعة لشبكات إرهابية في أكثر من منطقة».

وشدّدت المصادر على أن «التعاطي مع مخيمات اللاجئين السوريين كبؤر لـ(داعش) وغيرها من التنظيمات المتطرفة، أمر مرفوض جملة وتفصيلا»، منبهة من «مساع للتحريض على اللاجئين السوريين ومخيماتهم الواجب التعاطي معها أولا وأخيرا من منحى إنساني». ووصفت المصادر الوضع الأمني بشكل عام بـ«الجيد»، وقالت: «هو ليس مثاليا لكن وحدة الشعب وراء أجهزة الدولة والإجماع الوطني على وجوب محاربة الإرهاب كلها عناصر تعطي دفعا للعمل الأمني»، لافتة إلى أن «التنسيق الأمني الحاصل وغير المسبوق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية يؤدي لفعالية أكبر بملاحقة ومواجهة الإرهاب المتنقل بين المناطق اللبنانية».

وكانت معلومات تحدثت في وقت سابق عن تعاون استخباراتي لبناني - عربي - غربي أثمر توقيف عدد كبير من الشبكات الإرهابية وقادتها وأبرزهم قائد كتائب «عبد الله العزام» ماجد الماجد والقيادي في التنظيم عينه ماجد الماجد.

وأعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في وقت سابق أن شهر أغسطس الحالي سيكون شهر استكمال الخطة الأمنية التي بدأ تطبيقها في أبريل (نيسان) الماضي في مناطق البقاع شرق البلاد وفي طرابلس شمالا، على أن تصل إلى العاصمة بيروت. وفي هذا السياق، قالت مصادر في وزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط» إن «الخطة الأمنية لا تزال سارية المفعول وقد تأخر استكمالها في بعض المناطق نتيجة الأحداث الأخيرة التي شهدتها بلدة عرسال. وأشارت المصادر إلى أن «معظم الإجراءات الأمنية المتخذة بإطار الخطة تنفذ بكثير من التكتم وبعيدا عن الإعلام لضمان نجاحها».

وكانت القوى الأمنية اللبنانية بدأت مطلع شهر أبريل الماضي تطبيق خطة أمنية وضعها المجلس الأعلى للدفاع وأقرتها الحكومة، في المناطق المتوترة، لا سيما في طرابلس والبقاع، لكنّها شهدت خروقات كبيرة أخيرا مع محاولة داعش التمدد في عرسال، وما لحقها من مساع لزعزعة الأمن في مدينة طرابلس. ويتخوف المراقبون من محاولات جديدة قد يقوم بها «داعش» وتنظيمات إرهابية أخرى للتمدد في لبنان بعد إعادة تنظيم صفوفها. وفي هذا الإطار، أشار الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد أمين حطيط إلى أن «المنظومة التي اعتمد عليها لبنان قبل 3 أسابيع لصد هجوم (داعش) في عرسال هي نفسها سيعتمد عليها في أي مواجهات مقبلة».

وأوضح حطيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المنظومة مكونة من الجيش الذي تلقى صدمة في الساعات الـ24 الأولى من المعركة في عرسال وعاد واستوعبها بعدما استقدم قوى إضافية من خارج الميدان، أما العنصر الثاني المكون للمنظومة فهو البيئة الشعبية المناهضة لـ(داعش) والموجودة في محيط عرسال والتي كان لها دور كبير في ملء الفراغ مما جنّب انهيار المراكز العسكرية، مما أدى لرسم خط منع النفاذ. أما العنصر الثالث وهو الأهم، فيكمن في الاستنفار الوطني العارم الذي منع تشكل أي بيئة مؤيدة لـ(داعش)».

وقال حطيط: «السؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم، هل هذه العناصر قادرة على إعطاء النتيجة عينها في حال كان خطر داعش أكبر من عرسال؟» وأضاف: «لضمان قدرة هذه المنظومة بمواجهة أي تحد جديد، يتوجب أولا تعزيز قدرات الجيش بـ10 آلاف عنصر إضافي، ثانيا، بلورة تفاهم وطني شامل رافض للإرهاب وداعش والأهم البقاء على حالة الاستنفار الوطني». وشدّد حطيط على وجوب التعاطي بكثير من «الحذر مع المرحلة الحالية، التي لا تتطلب عنتريات وبالوقت عينه لا تسمح بالتساهل مع الملف الأمني».