المغرب يحمل الغرب مسؤولية الأوضاع الصعبة التي تعرفها دول جنوب أفريقيا

انتقد في خطاب ألقاه ابن كيران نيابة عن العاهل المغربي في نيويورك فرضها شروطا صارمة تعرقل تقدمها

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية يلقي كلمة العاهل المغربي في الدورة 69 للجمعية العامة
TT

وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس انتقادات حادة إلى الدول الغربية بسبب ضعف الدعم الذي تقدمه إلى الدول النامية، وفرضها شروطا صارمة عليها، تعرقل مسارها الطبيعي نحو التقدم، وحملها مسؤولية الأوضاع الصعبة التي تعيشها عدد من دول الجنوب بأفريقيا.

كما انتقد الملك محمد السادس، في خطاب وجهه الليلة قبل الماضية إلى الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خصص لموضوع التنمية البشرية المستدامة، وتلاه رئيس الحكومة المغربية عبد الإله ابن كيران، عملية تنقيط وتصنيف الدول، حسب المعايير المعتمدة حاليا، وقال: إنها أبانت عن محدوديتها وعن بعدها عن واقع دول الجنوب، داعيا إلى اعتماد الرأسمال غير المادي ضمن المعايير الرئيسة لقياس ثروة الدول وتصنيفها.

وفي هذا السياق، قال الملك محمد السادس إن تحقيق التنمية المستدامة يعد من التحديات الملحة التي تواجه البشرية، مشيرا إلى أنها لا تتحقق بقرارات أو وصفات جاهزة، كما أنه لا يوجد نموذج واحد في هذا المجال، موضحا أن «لكل بلد مساره الخاص، حسب تطوره التاريخي ورصيده الحضاري، وما يتوفر عليه من طاقات بشرية وموارد طبيعية، وحسب خصوصياته السياسية وخياراته الاقتصادية وما يواجهه من عراقيل وتحديات، فما ينطبق على الغرب، لا يجب اعتماده كمعيار وحيد لتحديد نجاعة أي نموذج تنموي آخر. كما لا ينبغي المقارنة بين الدول، مهما تشابهت الظروف، أو الانتماء لنفس الفضاء الجغرافي».

وذكر العاهل المغربي أن الاستعمار خلف أضرارا كبيرة للدول التي كانت تخضع لحكمه، وعرقل مسار التنمية بها لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها، كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وزرع أسباب النزاع والفتنة بين دول الجوار. وأضاف أنه رغم مرور الكثير من السنوات فإن الدول الاستعمارية تتحمل مسؤولية تاريخية في الأوضاع الصعبة، والمأساوية أحيانا، التي تعيشها بعض دول الجنوب، وخاصة بأفريقيا.

وقال الملك محمد السادس في هذا الصدد إنه «بعد كل هذه الآثار السلبية، فإنه ليس من حق هذه الدول أن تطالب بلدان الجنوب بتغيير جذري وسريع وفق منظومة غريبة عن ثقافتها ومبادئها ومقوماتها، وكأنه لا يمكن تحقيق التنمية إلا حسب نموذج وحيد هو النموذج الغربي».

ودعا الملك محمد السادس المجتمع الدولي إلى التعامل بالمزيد من الواقعية والحكمة مع هذه الدول، وتفهم ظروفها في مساراتها الديمقراطية والتنموية، مسجلا أن بعض الدول الغربية، التي لم تطلب الإذن من أحد لاستعمار بلدان الجنوب، وبدل تقديم الدعم اللازم لشعوبها، تتمادى في فرض شروط صارمة عليها، تعرقل مسارها الطبيعي نحو التقدم. كما أوضح أن الدول الغربية والمؤسسات التابعة لها لا تعرف سوى تقديم الكثير من الدروس، وفي أحسن الأحوال بعض النصائح، أما الدعم فهو ضعيف جدا ودائما ما يكون مشروطا. والأكثر من ذلك، يقول الملك محمد السادس، فإنها تطالب دول الجنوب بتحقيق الاستقرار والتنمية خلال فترة محدودة جدا ووفق مواصفات محددة ومفروضة، من دون اعتبار لمسار هذه الدول ولخصوصياتها الوطنية، مؤكدا أن الاستقرار لن يتحقق من دون تنمية، كما أن التنمية لن تستقيم من دون استقرار، وكلاهما مرتبط باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وثقافة وعادات شعوبها، وبتمكينها من ظروف العيش الحر الكريم.

وانتقد العاهل المغربي عملية تنقيط وتصنيف هذه الدول حسب المعايير المعتمدة حاليا، وقال: إنها تثير الكثير من التساؤلات، وقد أبانت عن محدوديتها وعن بعدها، في كثير من الأحيان، عن واقع دول الجنوب، وعجزها عن تقديم صورة موضوعية عن مستوى التنمية البشرية بها، معربا عن أسفه لكون تقديم المساعدات، رغم ضعفها، يجري غالبا على أساس هذه التصنيفات ويرتبط بشروطها التعجيزية.

وحذر الملك محمد السادس من أن العالم يوجد اليوم في مفترق الطرق «فإما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية لتحقيق تقدمها وضمان الأمن والاستقرار بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، التي يغذيها الشعور بالظلم والإقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم»، معربا عن يقينه بأن تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي بالتهديدات العابرة للحدود، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك للشعوب، سيكون له تأثير كبير في إيقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر أمنا وإنصافا وإنسانية.

وشدد الملك محمد السادس على ضرورة اعتماد الرأسمال غير المادي ضمن المعايير الرئيسة لقياس ثروة الدول وتصنيفها، لافتا إلى أن عملية تنقيط وتصنيف الدول، حسب المعايير المعتمدة حاليا، أبانت عن محدوديتها وعن بعدها، في الكثير من الأحيان، عن واقع دول الجنوب، وعجزها عن تقديم صورة موضوعية عن مستوى التنمية البشرية بها. وأضاف أن الدراسات التي قام بها البنك الدولي أثبتت أن الرأسمال غير المادي يقوم على مجموعة من المعطيات المرتبطة بواقع عيش السكان، كالأمن والاستقرار، والموارد البشرية، ومستوى المؤسسات وجودة الحياة والبيئة، وهي معطيات لها تأثيرها الكبير في وضع السياسات العمومية، موضحا أن تطور الدول لا ينبغي أن يخضع لأي تنقيط أو تصنيف، وإنما يجب التعامل معه كمسار تاريخي يقوم على التراكمات الإيجابية لكل بلد ويحترم خصوصياته.

وأشار العاهل المغربي إلى أن استحضار الآثار السلبية للماضي الاستعماري، لا يهدف إلى محاكمة أي كان، وإنما هو دعوة صادقة لإنصاف دول الجنوب، من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل معها، ودعم مساراتها التدريجية نحو التقدم.

وذكر الملك محمد السادس، في هذا السياق، بما سبق أن أكده في خطابه بأبيدجان في فبراير (شباط) الماضي، من أن أفريقيا ليست في حاجة للمساعدات الإنسانية، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات النفع المتبادل. كما شدد في الخطاب ذاته، على ضرورة تحرر أفريقيا من ماضيها ومن مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاعتماد بالأساس على قدراتها الذاتية في تحقيق تنميتها. وقال: إن ذلك ما جسده المغرب في الاتفاقيات المهمة التي جرى توقيعها مع عدد من الدول الأفريقية الشقيقة، ولا سيما الاتفاق الاستراتيجي بين المغرب والغابون في مجال إنتاج الأسمدة وتوجيهها نحو البلدان الأفريقية، بما يساهم في التنمية وضمان الأمن الغذائي بالقارة، لا سيما أنها تتوفر على خزان كبير من الأراضي غير المستغلة، يمثل 60 في المائة على الصعيد العالمي. وعد ذلك نموذجا متميزا للتعاون بين دول الجنوب، يبرز قدرة هذه الدول على النهوض بأفريقيا بالاعتماد على الذات واستثمار الموارد الطبيعية لبلدانها.

وأكد الملك محمد السادس أن تحقيق التنمية ليس مجرد مشاريع واعتمادات مالية، كما أن التخلف ليس مرادفا لدول الجنوب، موضحا أن المشكل لا يرتبط بطبيعة ومؤهلات الإنسان الأفريقي لأنه أثبت قدرته على العطاء والإبداع، كلما توفرت له الظروف الملائمة وتحرر من الإرث الثقيل الذي خلفه الاستعمار. واستطرد قائلا إن مشكلة التنمية بأفريقيا لا تتعلق بطبيعة الأرض والمناخ، رغم قساوته في بعض المناطق، وإنما بما جرى تكريسه من تبعية اقتصادية، ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل، وانعدام نموذج تنموي مستدام، وبالتالي فإن تقديم المساعدة لهذه الدول ليسا خيارا أو كرما، وإنما هو ضرورة وواجب، رغم أن ما تحتاجه الشعوب، في حقيقة الأمر، هو التعاون المثمر على أساس الاحترام المتبادل.

وخلص العاهل المغربي إلى أن الأمر يتطلب توفير الظروف الملائمة، على مستوى الفكر والممارسة، للانتقال من مرحلة إلى أخرى في المسارين الديمقراطي والتنموي، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي عليها، في المقابل، الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة.