هولدر «بطل» الحقوق المدنية يقرر مغادرة إدارة أوباما

أول وزير عدل أميركي أسود يتنحى على خلفية حادثة التوتر العنصري في ميزوري

هولدر يتحدث خلال مؤتمر في الكونغرس بواشنطن أمس (أ.ف.ب)
TT

وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما تحية تقدير شخصية عميقة إلى وزير العدل إريك هولدر، بعد إعلان الرجل الذي تربطه به علاقة صداقة استقالته. ويُعد أنصار هولدر، الأميركي الأسود الأول الذي يتولى هذا المنصب، أنه مناضل من أجل الحقوق المدنية، بينما يرى الجمهوريون فيه شخصية متشبثة بأفكارها الآيديولوجية. وأطلقت استقالة هولدر التي جاءت على خلفية حادثة توترا عنصريا بولاية ميزوري الشهر الماضي، في معركة قد تؤدي إلى انقسام مجلس الشيوخ بشأن اختيار أوباما خلفا لهولدر، لا سيما مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية بعد 6 أسابيع، حيث يسعى الجمهوريون إلى إبطال سيطرة الديمقراطيين على المجلس.

وأعلن أوباما، مساء أول من أمس، أن هولدر سيستقيل، لكنه وافق على البقاء في منصبه لحين ترشيح خلف له. وقال أوباما في مؤتمر صحافي بحضور هولدر نفسه إن «إريك وافق بتفانيه المعتاد على البقاء وزيرا للعدل حتى أرشح خلفا له، ولحين موافقة مجلس الشيوخ على الترشيح». وعلق أوباما على الاستقالة بقوله: «هذا أمر مفرح ومؤلم في آن»، معربا عن تفهم التضحيات التي بذلتها عائلة هولدر أثناء توليه أحد أصعب المناصب في الحكومة.

وأكد أن هولدر نذر حياته لضمان توفير الحق في السعي إلى الحياة الحرة والسعادة المنصوص عليه في إعلان الاستقلال لجميع الأميركيين. وقال أيضا: «إنه يؤمن، مثلي، بأن العدل ليس نظرية مجردة، بل إنه مبدأ حي متفاعل». وأشاد الرئيس بمسيرة هولدر في مكافحة الجرائم العنيفة والفساد والادعاء في قضايا إرهاب، وتحسين الحقوق المدنية وحماية الأسواق المالية.

وهولدر كان حتى الآن وزيرا من 3 ما زالوا في المنصب الذي تولوه عند انتخاب أوباما رئيسا عام 2009. إلى جانب وزير التربية ارني دانكان، ووزير الزراعة توم فيلساك. وقال هولدر لأوباما: «كنا زميلي عمل رائعين، لكن الروابط بيننا أعمق من ذلك بكثير». وتابع: «لقد دعمتني في الأفراح والأحزان، في المسائل الشخصية والمهنية». وخدم 3 وزراء عدل سابقون فحسب لمدة أطول من هولدر، الذي تميزت ولايته بإنجازات مهمة على مستوى الحقوق المدنية، بما فيها تعزيز حقوق الأزواج المثليين وتقليص عقوبات السجن لبعض الجنح المتعلقة بالمخدرات.

ولم تشكل استقالة هولدر مفاجأة، فقد أعلن منذ فترة طويلة أنه لا ينوي الخدمة طوال ولاية أوباما، بينما أفادت مصادر بأن الرئيس سبق أن أقنع صديقه بإرجاء رحيله.

ووافق هولدر على البقاء في منصبه حتى تأكيد تعيين خلفه، وهي فترة قد تطول نظرا إلى السياسة الشرسة في واشنطن، غير أن ولاية هولدر انطبعت بعلاقات متقلبة مع الكونغرس، حيث يسيطر خصوم أوباما الجمهوريون على مجلس النواب؛ ففي يونيو (حزيران) 2012 صوت المجلس لمحاسبة هولدر على ازدراء المجلس على خلفية اتهامه بعدم التعاون في تحقيق حول «عملية فاست أند فوريوس». وسعت هذه العملية الفيدرالية الفاشلة إلى التحقيق في تهريب الأسلحة على طول الحدود الأميركية - المكسيكية، لكنها أجازت في النهاية وقوع أسلحة بين أيدي العصابات.

كما بادر نواب محافظون إلى المطالبة باستقالة هولدر، واتهموه بالتقاعس أثناء تحقيق للكونغرس في اتهامات بإقدام مصلحة الضرائب الداخلية الأميركية على استهداف مجموعات محافظة مرتبطة بحركة «حزب الشاي» عن غير حق. ولم يوفر أحد أشرس منتقدي هولدر، رئيس لجنة القضاء في مجلس النواب بوب غودلاتي، الوزير المستقيل، أول من أمس، من تقييمه القاسي. وصرح قائلا: «من عملية فاست أند فوريوس إلى شهادته المضللة أمام لجنة القضاء في مجلس النواب بخصوص تعامل الوزارة مع الإعلاميين، ورفضه تعيين مستشار خاص للتحقيق في استهداف مصلحة الضرائب مجموعات محافظة، لعب هولدر بانتظام دورا سياسيا منحازا في كثير من القضايا المهمة التي تواجهها وزارة العدل».

كما كان زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل قاطعا، وقال: «لم أدعم تسمية الرئيس لإريك هولدر في 2009 بسبب كثير من قراراته المشكوك فيها في أثناء عمله نائبا للمدعي العام. بعد 5 سنوات، بت واثقا من حكمة قراري، فقد غلب هولدر التزامه بأفكاره الآيديولوجية على التزام حكم القانون»، غير أن أنصار هولدر، وبينهم الديمقراطيون والسود، كثفوا الإشادة به لدوره في قيادة النضال من أجل قضايا تتعلق بالحقوق المدنية والإنسانية.

وصرح النائب جون لويس الناشط المرموق من أجل الحقوق المدنية، قائلا: «استقالته خسارة كبيرة لأي أميركي يسعى إلى العدل في مجتمعنا. لقد أصبح رمزا للإنصاف وتجسيدا لأفضل ما في الحكومة الفيدرالية.. وقائدا دائما للنضال من أجل الحقوق المدنية والإنسانية».

وُلد هولدر (63 سنة) في حي برونكس، وتزوج من الشقيقة الصغرى لفيفيان مالون، أول طالبة سوداء في جامعة ألاباما (جنوب) التي يرتادها البيض. ويعود التزامه في مجال النضال من أجل الحقوق المدنية، إلى مطلع حياته المهنية. وعندما كان طالبا في مدرسة الحقوق في كولومبيا بنيويورك عمل هولدر محاميا في جمعية الدفاع عن السود. وعين الرئيس رونالد ريغن، هولدر، قاضيا مساعدا في 1988، ثم مدعيا فيدراليا في العاصمة واشنطن من قبل بيل كلينتون، ثم اختاره الرئيس الديمقراطي ليكون الرجل الثاني في وزارة العدل، ليصبح أول أسود يتولى هذا المنصب.

وفي 2009، قال الوزير الجديد في فريق باراك أوباما: «حتى وإن كانت هذه الدولة تقدم نفسها على أنها مزيج إثني في الواقع، لطالما كنا ولا نزال بلد جبناء في أكثر من مجال».

وبرز هولدر الذي بدأ الشيب يغطي شعره الأسود، خصوصا في فيرغسن بولاية ميزوري أخيرا، بعد مقتل شاب أسود برصاص شرطي أبيض في أغسطس (آب) الماضي.

وجاء هولدر لتبديد الاضطرابات العنصرية التي أعقبت هذا الحادث ثم فتح تحقيقا حول سلوك الشرطة المحلية، وبشكل عام حول احتمال وجود تصرفات تمييزية، كما فعلت قوات شرطة في ولايات أميركية أخرى.