شبان القدس الشرقية عالقون في دوامة العنف والاعتقالات

اعتقال أكثر من 700 فلسطيني منذ يوليو الماضي من بينهم 250 قاصرا

TT

رغم دوي القنابل الصوتية في القدس القديمة، لا يبالي معاذ ومحمد بها، لأنهما منشغلان بكيل الشتائم إلى الجنود الإسرائيليين الذين جاءوا لتفريق شبان آخرين رشقوهم بالحجارة.

ففي القدس الشرقية، الشطر الفلسطيني الذي احتلته إسرائيل وضمته، لم يعد العنف مستجدا فحسب، بل إن مستواه أصبح غير مسبوق منذ سنوات، في غياب أي تحرك قد يخرج عن السيطرة، بحسب مراقبين فلسطينيين وإسرائيليين.

يقول معاذ البالغ من العمر 14 عاما، والذي سبق أن سجنه الإسرائيليون مرتين حتى الآن لوكالة الصحافة الفرنسية: «المرة الأولى أمضيت في السجن ثمانية أيام، بعد أن أوقفوني في منزلي في الرابعة فجرا.. فتشوني، ثم استجوبوني لأنني رميت الحجارة».

لكن التوقيفات وسوء المعاملة، التي يتعرض لها الشبان الفلسطينيون في السجن، ليست إلا واحدة من أسباب هذا التصعيد الذي بدأ بقتل فلسطيني في السادسة عشرة من العمر، وذلك بإحراقه حيا في يوليو (تموز) الماضي. وجاءت حرب غزة لاحقا (8 يوليو - 26 أغسطس (آب) لتصب الزيت على النار.

وكغيره من الفلسطينيين في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية المحتلة، تظاهر وليد تفاحة، البالغ من العمر 18 عاما، ضد الهجوم الإسرائيلي، مما أدى إلى توقيفه مجددا، حيث سبق توقيفه لنحو 30 مرة في غضون خمس سنوات، وقال وليد بهذا الخصوص: «خرجت من السجن لكنني أنفذ عقوبة خدمة مجتمع في البريد الإسرائيلي».

لكن بعد هذه العقوبة لا يرى وليد أي مستقبل ينتظره، كحال كثير من الشبان الفلسطينيين. «عندما انتهي لن يكون بوسعي العمل لدى أي مؤسسة يهودية. أنا أعجز عن العثور على عمل آخر.. لقد ضقت ذرعا بذلك».. يقول وليد.

ويقول ناصر قوس، مدير «نادي الأسير الفلسطيني» في القدس، مبررا الحالة النفسية السيئة التي يتعرض لها الشبان الفلسطينيون بعد توقيفهم «معظم الشبان يقولون لأنفسهم: الآن بعد وضع اسمي على اللائحة السوداء، لماذا علي أن أبذل أي جهد؟ وبالتالي يستأنفون رشق الشرطة أو المستوطنين بالحجارة، ويتم توقيفهم مجددا». وأضاف أن عملية التوقيف تشكل صدمة بالنسبة للشبان الموقوفين «ففي منتصف الليل يصل فجأة 20 جنديا إسرائيليا إلى منزل فتى، يوقفونه ويدفعونه، فيصاب بالرعب. ربما قد يتبول في ملابسه من الذعر، وفي السجن يتطور نوع من التطرف».

وضرب محمود قراعين، من مركز معلومات وادي حلوة في حي سلوان، مثل شاب سجن عشرات المرات منذ كان في التاسعة من العمر، وقال: «اليوم بات يدخن ورسم وشوما على جسمه، وأصبح يعمل في غسل السيارات لأنه قرر ترك المدرسة. لقد دمرت حياته».

وتفيد الشرطة الإسرائيلية أن أكثر من 700 فلسطيني أوقفوا في القدس الشرقية، من بينهم 250 قاصرا على الأقل، منذ يوليو الماضي. كما أكد دانيال سايدمان، المحامي الإسرائيلي النافذ، أن «العنف لم يسبق أن كان بهذا الانتشار وبهذه الاستمرارية». وأضاف موضحا: «اليوم لا يمكنني الذهاب إلى القدس الشرقية بغير رفقة فلسطيني. الوضع لم يكن هكذا إطلاقا». وتابع: «لقد بات الفلسطينيون يقيمون في الأحياء الفلسطينية ولا يغادرونها. الأمر سيان للإسرائيليين».

وبحسب سايدمان فباستثناء نحو 2500 مستوطن يهودي يقيمون في أحياء ذات غالبية فلسطينية. فهؤلاء «يدخلون منازلهم ويغادرونها في مواكب، ولم يعودوا يحصون الحجارة والقنابل الحارقة الملقاة نحوهم».

لكن تجاهل المستوطنين أو تجنبهم لم يعد ممكنا في القدس الشرقية، حيث يقيم نحو 200 ألف إسرائيلي بحسب قراعين. ففلسطينيو القدس الـ290 ألفا «بدأوا يدركون أنهم يطردون وأن المستوطنين يختارون العنف»، كما يقول قراعين اليوم، وبعد أن سئم فلسطينيو القدس من اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، علما أنه يعترف بهم كسكان لكنهم لا يحملون أي جنسية، لا إسرائيلية ولا فلسطينية، بدأوا ينتفضون حتى في الأحياء التي كانت هادئة حتى الآن، بحسب جوا صيام، مدير مركز المعلومات في سلوان، الذي قال: «فوجئنا مثل الإسرائيليين بانفجار الوضع في شعفاط أو بيت حنينا، وهما حيان يحاول الفلسطينيون فيهما بالعادة التغاضي عن الوضع والمضي في حياتهم كالمعتاد.. إسرائيل تقول لهم بوضوح: «ليست لكم أي قيمة، لا يمكنكم التصويت، وأنتم منعزلون عن الضفة الغربية، ولستم في إسرائيل».

لذلك حذر قوس من انفجار الوضع بقوله «إنها قنبلة موقوتة. إن أفرطت إسرائيل في الضغط فستنفجر».